مأرب على خطى توحيد القصرين
26سبتمبرنت :علي الشراعي
مأرب ظلت تحت دائرة الأطماع الأجنبية وضمن الأهداف الاستراتيجية لهم لما تمثله من عمق حضاري وتاريخي وأهمية اقتصادية وبوابة لتحرير الوطن من المحتل ورمزية للمشروع الوطني وللروح اليمنية المقاومة للغزاة وأقدم عاصمة لليمن الموحد أرضا وإنسانا لذلك ظلت رهان ومطمع لكل محتل غازي للسيطرة عليها .
تفيد الأبحاث والتنقيبات الأثرية ان مأرب لعبت دورا كبيرا في نشوء وارتقاء الحضارة السبئية فقد تفاعلت فيها العوامل السياسية والدينية والمادية والاقتصادية والفكرية لتشيد ارقي حضارة في العالم القديم . تقع مدينة مأرب التاريخية على الضفة اليسرى من وادى أذنة ويحيط بها سور عرضه متر بثمانية ابواب وموقعها في السهل السبئي على مشارف صحراء صيهد الذي يتحكم بطريق التجارة الهامة المعروف بطريق اللبان الذي كان يمتد من ميناء قنا على ساحل المحيط الهندي عبر شبوة وبيحان والجوف ومن ثم العبر وحضرموت إلى نجران ومنها إلى دادان (العلا) شمال الحجاز ثم إلى غزة على ساحل البحر المتوسط .
مصالحة شاملة
واقترن ذكرها في كل مكان بالعالم حتى صارت مطمعا للدول الكبرى والغزاة وكانت هدفا لحملة رومانية كبرى أرسلها الإمبراطور إغسطس عام 24 قبل الميلاد . إلا إنها انهزمت على أسوار مدينة مأرب . سياسيا ظلت الحروب بين السبئيين والحميريين لسنوات طويلة خلال القرن الثاني والثالث الميلاديين وتحالف السبئيون مع الاحباش في عهد ملكهم (عذبة) ودخلت سبأ في صراعات مستمرة مع جيرانها مما انهكها واستنفذت جزءا كبيرا من طاقاتها بعد كفاح طويل في سبيل البقاء . فظهرت ظفار كعاصمة حمير وقد مالت موازين القوى النسبية اليها منذ النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي فأقامت حصن ريدان الملكي الذي ينافس قصر سلحين بمارب ويظهر من نقوش عهد ملك سبأ نشأ كرب في منتصف القرن الثالث الميلادي بأن مملكتي سبأ وحمير كانتا في حالة سلم وهذا ما سهل على الملك الحميري ياسر يُهنعم تحقيق المشروع الوطني بعد حروب طويلة مع السبئيون عن طريق خطة قدمها لمصالحة وطنية شاملة ولقت استجابة وترحيب واسع لدى حاكم سبأ بمأرب الملك ذي مرع وهو ( لحيعث يرخم ملك سبأ وذي ريدان ) الذي كان ملكا في قصر سلحين بمدينة مأرب وأرض سبأ حيث اجتمع بأقيال و أذواء سبأ وحمير في العاصمة مأرب وتحدث نشوان الحميري في السيرة الجامعة أنه : جمع ذو مرع أقيال حمير وكهلان فقال لهم 🙁 إن لكل قوم دولة , ولكل دولة مدة , كما لكل حاملة تمام , ولكل مرضعة فطام , وقد حان منا انقطاع أمد , ووفاء عدد , بظهور – ياسر يُهنعم - وقد جاء في الخبر أنه الملك المنتظر , والعلم المشتهر , وأني قد رأيت أن أُنزل نفسي منزلة القيالة خشية أن أنزلها منه ) . ولما تنازل لحيعث يرخم ذو مرع عن الحكم في قصر سلحين بمدينة مأرب وأرض سبأ لياسر يٌهنعم عادت وحدة الدولة اليمنية وتوجه ياسر يُهنعم إلى مأرب وقد تم العثور في معبد إلمقه ( محرم بلقيس ) بمأرب على نقش مسند بمناسبة وصول ملك حمير ياسر يُهنعم وابنه شمر يهرعش من قصر ريدان بظفار إلى قصر سلحين بمأرب
مشروع وطني
وبعد أن أعاد الملك الحميري ياسر يُهنعم وحدة القصرين ريدان بظفار وسلحين بمأرب وتسلم سدة عرش سبأ في قصر سلحين بمدينة مأرب في نهاية القرن الثالث الميلادي وتوحيد اليمن وتحقيق المشروع الوطني بتوحيد اليمن عبر المصالحة الوطنية . استنهض هو وابنه شمر يُرعش لطرد الغازي وتطهير البلاد من مرتزقة وعملاء الأحباش حيث أنطلق بجيش كثيف وقبائل كثيرة من مأرب لتحرير ولتأمين الساحل اليمني بعد ان امتدت سيطرة قوات الأحباش على المعافر ( الحجرية حاليا) وسيطرتهم على الساحل الغربي والجنوبي لليمن وبنفس الوقت توسعوا على حساب أراضي دولة سبا مشجعين انفصال مناطق عنها كقبائل نجران وسيطرتهم على ميناء قنا (بئرعلي) الذي كان يتبع دولة حضرموت ادركت القوى اليمنية المتحاربة وبالتحديد دولتي حمير وسبأ الخطر الحبشي المحدق بهما فعمد ملك حمير ياسر يُهنعم بعد حروب وصراع استمر طيلة قرن كاملا إلى توحدي البلاد ومحاربة الأحباش . وتابع الملك الحميري شمر يهرعش ( 275- 300م ) سياسة أبيه بمحاربة القبائل التي كانت تسند الأحباش في المناطق الساحلية وفي المعافر. فقد بدأ يهرعش تحقيق الوحدة السياسية لجنوب شبة الجزيرة العربية وان يزيد من امكانياته ويوسع حدوده فاستولت جيوشه على اجزاء متسعه من حضرموت وتوابعها وهناك نقش يتحدث عن دخول يرعش إلى حجر وهو الوادي المعروف في جنوب حضرموت واغلب الظن ان يهرعش استطاع ان يسلب حضرموت اجزائها الجنوبية الساحلية ومنافذها على البحر كما استطاع ان يحكم قبضته على حاضرة حضرموت الرئيسية شبوة . وتوغلت قوات يهرعش في المناطق الشمالية وقاتلت عشائر من عرب الشمال في عسير وان شمر اخر ايامه واجه جاريا قويا في الشمال له صلات متينة بالرومان . وتذكر النقوش ان شمر قاد قوات انطلقت من نشق الجوف بعدد 750 جنديا من الهجانة و70 فارسا قاصدين مهاجمة العبر ثم توالت الحملات الحميرية لإخضاع حضرموت بالكامل فتم لشمر يهرعش ذلك وتغلبت جيوشه على أقليم تهامة واتسعت شمالا إلى ما وراء نجران وضيقت على مصالح الاحباش في تجارة البحر . ولتأسيس مستوطنات تجارية والسيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية بتوطين قبائل سبئية حميرية وإقامة مراكز تجارية في إطار خطة لتكوين عالم تجاري كبير . وتوفرت له شهره اوسع من ابيه واطلق عليه لقب تبع الاكبر وخاض مع ابيه في حروب توغلت في تهامة شمالا ضد قبائل سهرت و داوت وصحر وحرث ومقاتليهم في وادي ضمد حتي تم مطاردتهم نحو البحر وقتلهم وسهرت قبيلة وثيقة الاتصال بالأحباش لم يعد لها ذكر . وشجعت هذه الانتصارات شمر على ان يزيد في القاب ملكيته القابا اخري حيث وجد يوجد نقش في محرم بلقيس بمارب من عهد شمر وصف فيه بملك ( سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت ) وذلك في أواخر القرن الثالث الميلادي
ولتنفيذ خطة تكوين عالم تجاري كبير لليمن الموحد من خلال تكوين مستوطنات تجارية وتوطين قبائل يمانية وتكوين أُسر حاكمة في البلدان والسيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية . فانطلق ياسر يُهنعم بالجيش والقبائل بالسفن البحرية من ساحل اليمن على البحر الأحمر إلى بلاد الحبشة والقرن الأفريقي حيث ذكر المؤرخون العرب الأوائل أنه ( عبر ياسر يُهنعم البحر وسار على ساحله يريد أرض الحبشة فأخذها ) . وأنه وجه ياسر يُهنعم ابنه شمر يُرعش في حملة بحرية موازية فسار شمر يُرعش في عشرة آلاف يريد مصر والحبشة فاستولى عليهما , وهرب الأحباش إلى غربي الأرض فتبعهم شمر يُرعش حتى بلغ البحر المحيط ) . وقد جاء ذكر غزو ياسر يُهنعم للحبشة في نقش مسند بصخرة قاع المعسال في ردمان ( بمحافظة البيضاء حاليا ) وكانت ردمان مقر الأقيال (بني معاهر) ويذكر النقش مشاركتهم للملك ياسر يُهنعم في غزو وفتح الحبشة ..
وشارك شمر ثم انفرد بالحكم في ( 275- 300 م ). كذلك في وادي حريب وارسل جنود إلى مأرب للمراقبة والعمل اثناء موسم الامطار والسيول وكذلك بناء سور المدينة وأبراجها والحيلولة دون طغيان مياه الامطار عليها .
موحد اليمن
وتابع الملك الحميري ( شمر يهرعش) سياسة أبيه بمحاربة القبائل التي كانت تسند الأحباش في المناطق الساحلية وفي المعافر. فقد حاول شمر يهرعش ( 275- 300م ) تحقيق الوحدة السياسية لجنوب شبة الجزيرة العربية وان يزيد من امكانياته ويوسع حدوده فاستولت جيوشه على اجزاء متسعه من حضرموت وتوابعها . لم يعثر على نقش ملكي يتحدث عن الخطوات التي ادت إلى اخضاع حضرموت ويمنت وهناك نقش يتحدث عن دخول يرعش إلى حجر وهو الوادي المعروف في جنوب حضرموت واغلب الظن ان يهرعش استطاع ان يسلب حضرموت اجزائها الجنوبية الساحلية ومنافذها على البحر كما استطاع ان يحكم قبضته على حاضرة حضرموت الرئيسية شبوة عام . وتوغلت قوات يهرعش في المناطق الشمالية وقاتلت عشائر من عرب الشمال في عسير وان شمر اخر ايامه واجه جاريا قويا في الشمال له صلات متينة بالرومان . وتذكر النقوش ان شمر قاد قوات انطلقت من نشق الجوف بعدد 750 جنديا من الهجانة و70 فارسا قاصدين مهاجمة العبر وانتقوا ثلاثين جنديا من الهجانة واربعة من الفرسان كطليعة فالتقت تلك الطليعة بسبعين جنديا من جنود ملك حضرموت فتصدت لهم الطليعة وبعض من الجيش بموقع اراك فقتلوهم واسروا بعضهم وبعدها تقدم جيش يرعش نحو مناطق دهر ورخية واستولوا على ابل وثيران . ثم توالت الحملات الحميرية لإخضاع حضرموت بالكامل فتم لشمر يهرعش ذلك . وتغلبت جيوشه على أقليم تهامة واتسعت شمالا إلى ما وراء نجران وضيقت على مصالح الاحباش في تجارة البحر .وشجعت هذه الانتصارات شمر على ان يزيد في القاب ملكيته القابا اخري حيث وجد يوجد نقش في محرم بلقيس بمارب من عهد شمر وصف فيه بملك( سبا وذي ريدان وحضرموت ويمنت ) وذلك في أواخر القرن الثالث الميلادي .
الاستقلال الأول
صورة من كفاح الشعب اليمني ضد محتل حبشي دام ما يقارب 75 عاما خلال القرن الثالث الميلادي مستغلا الصراعات الداخلية بين القوى اليمنية المختلفة الطامعة لسلطة مما عرض اليمن لأطماع غازي مزق النسيج الاجتماعي وعرض وحدة اليمن لتجزئه والتشظي والتمزق مبررا غزوة وسيطرته على اليمن بطلب من احد القوى المتصارعة لمساندتهم ضد خصومهم واعاده شرعيته ولكنه كان يسعي لتحقيق اطماعه واهدافه ومكاسبه فمزق الوطن واشعل نيران الفتن والصراعات المتعددة. فأدركت القوى المتصارعة خطرا ذلك الغازي فتوحدت القوي اليمنية فيما بينهما بجبهة داخلية قوية فتم طرد الأحباش من اليمن. فكان هذا الاستقلال والتحرر الأول لليمن من الأحباش وتوحدت اليمن ارضا وانسانا تحت قيادة الدولة الحميرية . فهل يدرك اليمنيون حقيقة احداث الماضي واطماع الغازي ويتجنب اخطاءه ويوحد جبهته الداخلية في مواجهة عدوان اليوم .