المهندس هلال الجشاري لـ" 26 سبتمبر ": قطاع الدواجن حقق قفزة نوعية في الإحلال المحلي

يشهد قطاع الدواجن المحلي اليوم نهوضاً استراتيجيًا تاريخيًا يمثل جبهة اقتصادية صلبة في معركة تحصين الأمن الغذائي الوطني، وهو نهوض يتجاوز في دلالاته مجرد زيادة في الإنتاج، ليصبح تعبيراً صارخاً عن إرادة وطنية عازمة على كسر الحلقة المفرغة للتبعية والهشاشة الاقتصادية التي طالما استغلها الأعداء.

المهندس هلال الجشاري لـ" 26 سبتمبر ": قطاع الدواجن حقق قفزة نوعية في الإحلال المحلي

لقد كانت الإنجازات التي تضمنتها خطة تنموية متكاملة، تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من لحوم الدواجن المجمدة، هي الرد العملي والمباشر على كل محاولات الإغراق الممنهج للسوق بالمنتج المستورد.
وفي هذا السياق، تبرز الرؤية التفصيلية التي يقدمها المهندس هلال محمد الجشاري، ضابط سلاسل القيمة للدواجن والبيض بوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، في تصريح خاص لـ"26 سبتمبر)، كوثيقة كاشفة عن الأسس المنهجية التي قام عليها هذا التحول العظيم. يروي الجشاري في تحليل وصفي ديناميكي الواقع ويرسم بجرأة خارطة طريق للمستقبل، مؤكداً أن الإنجازات تشمل جوانب تنظيمية، استثمارية، وبحثية، ممهدة بذلك لمستقبل مستدام للقطاع.

26 سبتمبر - الإدارة الاقتصادية

الإطار المعرفي والتخطيط الاستراتيجي
لم يكن هذا النهوض وليد الصدفة، بل قام على أساس معرفي متين وتخطيط استراتيجي محكم. فقد أشار الجشاري إلى أن الأساس الذي بُنيت عليه خطة النهوض هو الفهم العميق للواقع الحالي للقطاع، الأمر الذي تطلب عملاً استخباراتياً اقتصادياً دقيقاً.
تم تنفيذ مسح شامل للبنية التحتية لقطاع الدواجن، وهو ما مكّن من "معرفة دقيقة وشاملة للطاقة الإنتاجية والاستيعابية الفعلية للمزارع والمسالخ، وتحديد كمية الاحتياجات الدقيقة من المدخلات كالأعلاف والأدوية"، بحسب ما أشار إليه المهندس الجشاري. هذا الإنجاز يمثل عملية حصر، وفي ذات الوقت يمثل تأمين لبيانات أساسية موثوقة سمحت، وفقاً للجشاري، "بصياغة خطط واقعية وتوجيه الاستثمارات والتدخلات التنموية نحو مناطق وأنشطة محددة تحقق أقصى استفادة". وهذا التوجه يدل على تحييد العشوائية واستبدالها باليقين المخطط له، كأداة قوية في التنمية.

دراسة سلاسل القيمة وتفكيك لـ"عقد" الإمداد
وفي ذلك، يفيد المهندس الجشاري عن إعداد دراسة سلاسل القيمة للدواجن (التجاري والبلدي)، حيث جرى تحديد الوضع الراهن لكل مرحلة في سلاسل الإمداد، ومعرفة الفجوات التي تعيق الكفاءة. وقد أدت هذه الدراسة إلى وضع مصفوفات وخطط تنفيذية تفصيلية وموجهة للتدخل. ويُشدد الجشاري على أن هذه الدراسة قد ضمنت أن تكون التدخلات "مستهدفة وذات أثر عالٍ، مركزة على تحسين الربحية للمربين، وتقليل الهدر، وضمان جودة المنتج النهائي". هذا هو التحليل الوصفي الذي يكشف عن الخلفيات: فالفجوات كانت تعني خسارة، والتدخل يهدف إلى زيادة الربحية، ليتحول المربي الصغير إلى جزء أصيل وفعال في هذه الثورة الاقتصادية.
كما تم تأسيس وتفعيل 35 وحدة دواجن في الجمعيات التعاونية، وتدريب وتأهيل القائمين عليها، وهو ما يضمن، كما يقول الجشاري، "تشغيل وحدات بكفاءة عالية، مما يضمن عملهم الفعال في نظام الزراعة التعاقدية وكل ما يتعلق بالدواجن ومدخلاتها".

خنق التبعية بالإنتاج المحلي
كان للمبادرات الاقتصادية الداعمة لصغار المربين الأثر الأكبر في ضخ الحياة مجدداً في شرايين القطاع، عبر آلية الزراعة التعاقدية التي تتم عبر الجمعيات التعاونية. ويأتي الإنجاز الأبرز متمثلاً في النجاح بتسويق 2,800 طن من الدجاج المجمد المنتج محليًا كبديل إجباري للمستورد، مع استمرارية الإنتاج بقوة. وفي قرار استراتيجي حاد، تم تحويل شركات الاستيراد، التي كانت تمثل جزءاً من شبكة التبعية، إلى شركات تسويقية للمنتج المحلي وتفعيل دورها في الاستثمار. ويعتبر المهندس الجشاري أن هذه الخطوة ضمنت "سوقاً ثابتاً ومستقراً لصغار المربين، مما خفض مخاطر الإنتاج"، وفي الوقت ذاته، عملت على "دمج القطاع الخاص التجاري (المستوردين سابقاً) في دور داعم للإنتاج المحلي، مما يوفر قنوات تسويق واسعة وممولة". هذا التحول هو دليل دامغ على النظرة الاستراتيجية التي تستثمر في الداخل لقطع الطريق على الخارج.
تجسد نتائج الإحلال المحلي ووقف الاستيراد قفزة نوعية نحو الاكتفاء الذاتي في شريحة الدجاج المجمد. فقد تمكنت 200 مزرعة من الاستفادة من الزراعة التعاقدية، وعادت 800 حظيرة (هنجر) للعمل من جديد بعد توقف طويل، بالإضافة إلى إعداد مشروع قرار وقف استيراد الدجاج المجمد نهائياً. وهنا، يؤكد الجشاري أن هذا الإحلال "يمثل قفزة نحو الاكتفاء الذاتي في شريحة الدجاج المجمد، ويعمل على تدوير رأس المال محليًا، ويوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مما يعزز صمود الاقتصاد الريفي". هذه الأرقام تتحدث بوضوح عن انتصار الإرادة المحلية على سياسات الإغراق.

تجهيز قاعدة الإقلاع للتصدير
ركزت جهود التنمية على سد الفجوة في البنية التحتية اللازمة للسلخ والتبريد والتجميد، وهي الفجوة التي كانت نقطة ضعف تستنزف جهود الإنتاج. وفي هذا الصدد، يروي المهندس الجشاري عن إنجازات مذهلة، حيث جرى تشغيل 5 مسالخ متوقفة بطاقة إنتاجية هائلة تصل إلى 120 ألف حبة دجاج يوميًا. والأهم من ذلك هو أن العمل جارٍ على إنشاء 3 مسالخ آلية جديدة بطاقة إنتاجية إضافية تبلغ 80 ألف حبة دجاج يوميًا. كما يجري إنشاء 3 ثلاجات مركزية بسعة تخزينية ضخمة تبلغ 10 مليون حبة دجاج. ويشدد الجشاري على أن هذا التوسع "يضمن استمرارية الإنتاج المحلي بكفاءة عالية، ويوفر قدرة تخزين كبيرة تحمي المنتج من التقلبات السعرية الموسمية، وتجعله جاهزًا للتصدير مستقبلاً". هذا التوسع هو بمثابة بناء لـ"حصون" تخزين تحمي المنتج المحلي من أي اهتزازات سعرية، وتؤكد على الرؤية الطموحة التي تتطلع إلى ما وراء حدود الاكتفاء.

ضمان وصول الثمرة للجميع بألية البيع بالوزن
لضمان أن تصل ثمرة هذا النهوض إلى المستهلك بشكل عادل، تم وضع آليات تنظيمية واضحة وحاسمة، كما جرت عملية تنظيم سلاسل إمداد الدواجن والتسويق محليًا، وبدء التسويق الفعلي عبر الجمعيات في مديريتي باجل والزهرة بتسويق 2000 حبة يوميًا. هذا التنظيم. وفقاً للمهندس الجشاري، يهدف إلى "ضمان وصول منتج نظيف ومضمون بسعر عادل للمستهلك، مع تقليل الوسطاء لزيادة هامش ربح المربي". كما جرى تفعيل آلية تنظيم سلاسل إمداد بيض الدواجن وتسويقه عبر الجمعيات التعاونية لضمان تدفق مستقر وفعال للمنتج من المزرعة إلى المستهلك، وتمكين صغار المنتجين وتقليل دور الوسطاء.
ولتحقيق بيئة تجارية مستقرة وشفافة، تم تحديد أسعار عادلة ومدروسة للكيلوجرام من الدجاج: 1300 ريال للدجاج الحي، 1400 ريال للمبرد، و1550 ريال للمجمد، مع إضافة الهامش الربحي لشركات التسويق بنسبة 10%. الأهم من ذلك، هو تفعيل الرقابة السعرية الصارمة حتى يصل المنتج للمستهلك النهائي. هذا الإجراء، بحسب التقرير، يهدف إلى "حماية المستهلك من المبالغة في الأسعار وحماية المنتج من الخسارة".

البحث العلمي والاستدامة لتحصين الجبهة من الداخل
لضمان استمرارية هذا النهوض وعدم ارتداده، تضمنت الخطة تدخلات بحثية لمعالجة أكبر تحديات القطاع، وهي المدخلات، حيث تم تحقيق إنجاز بحثي حيوي يتمثل في إثبات إمكانية استبدال الدخن بدلاً عن الذرة الشامية بنسبة 75% في التغذية. وتكمن الأهمية الجوهرية لهذه الخطوة في أنها تعمل على "تخفيف الضغط على المدخلات المستوردة (الذرة)، وتخفيض تكاليف الإنتاج بشكل كبير باستخدام بدائل محلية (الذرة الرفيعة والدخن)". هذا ليس مجرد تخفيض للتكلفة، بل هو فك ارتباط اقتصادي حاسم يضرب استغلال المنتجات المستوردة في الصميم، ويوسع التمكين الاقتصادي للجمعيات.
ولضمان عدم انقطاع الإنتاج، تم إعداد آلية واتفاقية لتأمين مدخلات الدواجن عبر الجمعيات التعاونية بضمانة من شركة سهول اليمن وشركات المدخلات. هذا يمثل "حلاً جذرياً لمشكلة المدخلات (التي تشكل 70% من التكلفة)، مما يوفر ضمانة للمربي لتأمين احتياجاته بأسعار عادلة وجودة عالية، بعيداً عن تقلبات السوق".

التنظيم الإداري وإدارة المخلفات: الاقتصاد الدائري
تضمنت الخطة إعداد 14 دليلاً فنياً وإرشادياً، وإعداد مشروع قرار ينظم تداول مخلفات الدواجن وحصر استخدامها كـسماد عضوي مخمر فقط. وهذه الخطوة تضع إطاراً تنظيمياً متكاملاً لضمان الجودة والسلامة الصحية، وتحويل مخلفات المزارع من مصدر للتلوث إلى قيمة اقتصادية مضافة في القطاع الزراعي، مما يعزز الاستدامة البيئية والاقتصادية. كما تضع هذه الإنجازات خارطة طريق واضحة لزيادة الإنتاج بشكل يفوق الاستهلاك المحلي، مما يضمن القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية.
الهدف المعلن هو تعميم النماذج الناجحة لتنظيم السوق من خلال الانتقال من مديريتي باجل والزهرة إلى تعميم آليات تنظيم سلاسل الإمداد للحوم وبيض الدواجن والتسويق عبر الجمعيات التعاونية لتغطية كافة المديريات والمحافظات تدريجياً، مع التطبيق الكامل لآلية البيع بالوزن والأسعار المحددة وتفعيل الرقابة الفنية والسعرية.
يشمل التركيز- أيضاً- استكمال إنشاء وتشغيل 3 مسالخ آلية جديدة بطاقة 80 ألف حبة يومياً، وتفعيل 3 ثلاجات مركزية بسعة 10 مليون حبة، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع قرار وقف استيراد الدجاج المجمد بشكل رسمي ونهائي، بعد ضمان قدرة المنتج المحلي على الإحلال الكامل، وهو القرار الذي يمثل ضربة قاصمة لشبكات التبعية.
الخطة المستقبلية تنتقل بوضوح من مرحلة الإحلال إلى مرحلة التنافسية الخارجية، عبر تطبيق بدائل الأعلاف على نطاق واسع، واستكمال دراسة تحسين سلالات الدجاج البلدي وتوزيعها للجمعيات، وصولاً إلى التحضير للتصدير والعمل على ضوء دراسة إمكانية تصدير منتجات الدجاج اللاحم والبياض وتوفير المتطلبات الصحية والرقابية اللازمة لفتح الأسواق الخارجية.
هكذا، يشكل قطاع الدواجن المحلي، مدعوماً ببرنامج سلاسل القيمة التي تتباه وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية بالتعاون مع مؤسسة بنيان التنموية والاتحاد التعاوني الزراعي والجمعيات التعاونية وشركاء التنمية، قصة نجاح نموذجية تتجسد فيها الإرادة الوطنية على الأرض. نهوض لقطاع اقتصادي وإعلان استقلال غذائي يعزز صمود الأمة ويفتح آفاقاً واسعة للاقتصاد الدائري والتنافسية الخارجية، في تحدٍ واضح لجميع الأساليب العدائية التي تحاول خنق الاقتصاد الوطني.

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا