أمريكا ... وسياسة الباب المفتوح !
26 سبتمبرنت/ علي الشراعي..
يمثل البحر الأحمر حلقة وصل والتقاء لثلاث قارات وقد أدركت دول الغرب الاستعمارية تلك الأهمية عندما صرح وزير خارجية إيطاليا مانشيو في القرن التاسع عشر (إن مفاتيح البحر الأبيض المتوسط تقع في البحر الأحمر), وتمثلت استراتيجية أمريكا تجاه منطقة البحر الأحمر بكونها مناطق وجزر إستراتيجية وتحتوي على مخزون كبير من النفط العالمي وكون البحر الأحمر يمثل اقصر الطرق للمواصلات التجارية والعسكرية بين الشرق والغرب.
ولهذا لا يمكن الفصل بين اليمن والبحر الأحمر منذ القدم إلى حد القول : ( عندما يهزم اليمنيون في البحر أو من البحر يعمهم الحزن ويندبون حظوظهم لأنهم لم يهتموا بالبحر ولم يعدوا عُدتهم ويوحدوا قواهم لمجابهة الخصم ) .
سياسة استعمارية
تبدأ علاقة اليمن بالولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن التاسع عشر برسو بعض السفن التجارية الأمريكية في ميناء المخا, وفي القرن العشرين وقعت اتفاقية تجارية وصداقة مع الإمام يحيى ثم مع كانت تسمى بـ" الجمهورية العربية اليمنية " بعد إقامة علاقته, وبعد اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولي (1914- 1918م ) حيث بدأت بعدها تولي منطقة البحر الأحمر والخليج العربي عنايتها وذلك من خلال مناداتها بسياسة الباب المفتوح بالنسبة للاستثمارات النفطية في المنطقة حيث تمسكت أمريكا طوال النصف الأول من القرن العشرين بسياسة الباب المفتوح والتي فشلت في الصين, لكن نجحت تلك السياسة في منطقة شبه الجزيرة العربية وانفردت الشركات والمصالح الأمريكية فيهما وساهمت تلك الدعوة إلى فتح أبواب المنطقة لأنواع الأطماع والنشاطات الاستعمارية الأخرى لأمريكا .
ولذلك أخذت الإستراتيجية الأمريكية تتجه اتجاها آخر بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م ) تمثلت بزيادة قوتها البحرية بحيث انتزعت مكان الصدارة من البحرية البريطانية ودخلت في تنافس مع البحرية السوفيتية لتبدأ مرحلة استراتيجية أخري في الاهتمام الأمريكي بالبحر الأحمر عامة والجزر اليمنية خاصة في ظل التنافس مع الاتحاد السوفيتي, فاعتلاء الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي مسرح الأحداث وثمة أوجه تشابه دون تلاقي بين خطوط القوتين العظميين أولها محاولة استقطاب دوله الساحلية وتأمين الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر ومضائقه وجزره, وفي سبيل ذلك كانتا تسعيان عند الأزمات والحروب إلى تدويل المسارات الملاحية في البحر الأحمر وممراته وبالذات مضيق باب المندب .
وهناك إدراك لدى الدولتين أن المنطقة منطقة نزاعات وصراعات قائمة ومحتملة وأنها غنية بالموارد الإستراتيجية في البر والبحر كما أن تلك الصراعات كالصراع العربي – الصهيوني, والصراعات (بالنيابة ) من خلال أطراف حليفة, لكن من حيث الأهداف لهما نجد أن أمريكا أكثر إصرارا على أن يظل البحر الأحمر ومضائقه مفتوحا للملاحة التجارية والحربية خاصة لها ولأصدقائها .
وتربط الولايات المتحدة أمن البحر الأحمر بأمن الخليج العربي ودوله, وما يقض مضجع أمريكا احتمال احتلال إحدى الدول القوية لبعض منابع النفط في الخليج , أو وقوع انقلابات راديكالية في الدول التي تطل على البحر الأحمر , ولا يغيب الدور الخفي الذي مازالت تلعبه بريطانيا في المنطقة كدولة ومؤسسات وأفراد وذلك لخبرتها السابقة في التعامل مع كثير من حكام دولها ولأنها كانت المسؤولة الأولي عن ترسيم حدود تلك الدول وعلاقاتها وأمنها حتى وقتنا الراهن .
خدمة للصهاينة
ولعل من أبرز صور الاهتمام الأمريكي بمنطقة البحر الأحمر ومنها الجزر اليمنية ومضيق باب المندب ما أعلنه الرئيس الأمريكي ( هاري ترومان) في مارس 1947م حول عزم بلاده مواجهة الاتحاد السوفيتي عن طريق الاندفاع بقوة في المنطقة لتنفيذ سياسة ملء الفراغ الذي أحدثه ضعف بريطانيا وإعلانها الانسحاب من المنطقة والحيلولة دون حلول الاتحاد السوفيتي محل النفوذ البريطاني بالمنطقة.
وبهذا أضافت أمريكا بعدا جديدا إلي إستراتيجيتها التي قامت عليها في منطقة البحر الأحمر والجزر اليمنية, وبناء على ذلك وضعت رئاسة الأركان الأمريكية في سنة 1948م المتطلبات الاستراتيجية في شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر والجزر اليمنية تقضي هذه الاستراتيجية بـ( عدم السماح لأي موطئ قدم لأية دولة معادية محتملة في هذه المناطق) بالإضافة إلي تعزيز العلاقات الودية مع دولها من خلال المساعدات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لضمان التعاون معها في الدفاع عن المنطقة عن طريق حرية وصول القوات الأمريكية في وقت الحرب .
وفي عام 1950 م أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا البيان الثلاثي وطلبت فيه من الدول العربية الانضمام إلي الكتلة الغربية وقبول القروض والمساعدات الفنية وأنه في وسع الدول العربية والكيان الصهيوني أن تتزود بالسلاح الغربي ضمن نطاق حاجتها للأمن وتلبيه متطلبات الدفاع.
وبهذا البيان الثلاثي يتضح جليا انه جاء خدمة للمصالح الأمريكية في البحر الأحمر والجزر اليمنية كما يخدم الكيان الصهيوني حيث أيد البيان حرية الكيان الصهيوني بالملاحة في البحر الأحمر وبضمنها الجزر اليمنية, ويمكن تتبع مطامع الكيان الصهيوني من أول تصريح سُجل (لبن غوريون ) أن العقبة وموقع إيلات التاريخي سيسمح لنا بالتمركز في الخليج ( العقبة) والبحر الأحمر وإذا أمكن تلخيص أهداف الكيان الصهيوني الإستراتيجية فهي كسر طوق العزلة والحصار لضمان الاتصال التجاري والأمني بدول آسيا وأفريقيا وحماية الملاحة منها وإليها وفرض وجودها في شمال البحر الأحمر وبالتالي مد ذراعها إلى جنوبه حتى باب المندب, فالسياسة الأمريكية تؤيد ضمان أمن الكيان الصهيوني واستمرار وجوده وتدعيم مطامع الكيان الصهيوني التوسعية ومنها مطامعه في جزر البحر الأحمر ومضايقه .
نفط المخا
من جانبها حصلت شركة ( جون ميكوم) الأمريكية عام 1961م على ترخيص للبحث والتنقيب عن النفط اليمني مدة خمس سنوات يتحول بعدها إلى عقد اتفاقية استثمارية مدتها ثلاثون سنة قابلة للتجديد لفترة مماثلة وذلك إذا اكتشف النفط بكميات تجارية ويغطي هذا الامتياز مساحة قدرها 10,000كم2 من السهل الساحلي ويمتد من أقصى الشمال إلي مدينة المخا جنوبا وبعرض حوالي 60 ميلا وذلك في اليابسة و12 ميلا في المناطق المائية .
ومما يؤكد تلك السياسة هو الاستراتيجية الأمريكية ومطامعها في اليمن وشواطئه وجزره وثروته ما عبرت عنه كلمة نائب الرئيس الأمريكي ( جورج بوش) قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة خلال زيارته لليمن الشمالي للفترة من 10-12 ابريل 1986م ببيان الأهمية المتعاظمة لليمن عبر موانئ وجزر البحر الأحمر أثناء الحرب العراقية – الإيرانية (1980- 1988م ), باعتبار نفط اليمن بديلا آمنا وعوض لتصدير نفط منطقة الخليج الملتهبة, وأن الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى أمن البحر الأحمر وجزره باعتباره يشكل العنصر الأساسي للاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تهدف إلي تأمين استمرار تدفق النفط إلي أمريكا وحلفائها من الدول الغربية وحماية شركات النفط الغربية العاملة في المنطقة .
ومع سقوط الاتحاد السوفيتي أواخر العقد الأخير من القرن العشرين انفردت أمريكا بسطوتها على العالم كأحادية القطب الواحد لتتحول سياستها من الباب المفتوح إلى هيمنة إمبريالية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وتدخل سافر بشؤون دول المنطقة العربية والإسلامية بذرائع مختلفة وحجج واهية, ولم تكن اليمن في منأى عن الأطماع الأمريكية بل أن موقعها الاستراتيجي ومواردها الاقتصادية كانتا منذ الماضي من أولويات أهداف استراتيجية أمريكا في المنطقة .