قبل 90 عاما .. مصنع للأسلحة في صنعاء
26سبتمبرنت/ علي الشراعي..
في ظل حصار بحري خانق للسواحل والموانئ اليمنية, وسيطرة المحتل على أغلب الشواطئ والجزر في البحر الأحمر, واشتعال المعارك في عدة جبهات ما حال دون وصول السلاح لليمن,
وكنوع من الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي على حكومة صنعاء للرضوخ لإراداتهم ومطالبهم وشروطهم, فكان ذلك من الحوافز القوية لإعادة تشغيل مصنع الأسلحة.
وجدت أسباب ضاغطة على الإمام يحيى حميد الدين جعله يسارع إلى إعادة تشغيل مصنع الأسلحة والبارود الذي بناه العثمانيون في صنعاء خلال فترة الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م ), فالحصار البحري الذي مازال محكما على الموانئ اليمنية يحول دون وصول البنادق والمدافع إلى اليمن, وحتى عمليات تهريب الأسلحة من قبل التجار وصلت إلى حد الاستحالة , والحروب في لحج وعلى جبهة عسير وفي مدينة الحديدة المحتلة والمحميات وعدن ما دفع الإمام لإعادة تشغيل مصنع الأسلحة والبارود, كما أن الإنجليز بنوا خططهم السياسية والعسكرية على نفاد الذخائر من القوات العثمانية بعد استسلامها وهزيمتها في الحرب ومن ثم انعدامها عند الإمام يحيى ما سيضطره للنزول عند إراداتهم والقبول بشروطهم.
التصنيع العسكري
بادر الإمام يحيى لاقتطاع أجزاء من المباني المتاخمة للمستشفى البلدي (مستشفي الجمهوري حاليا ) وهيأها لتكون أماكن لمصنع الأسلحة والبارود وعهد إلى شكوت بك وحسني بك الطبيب والمهندس الميكانيكي جورجي النمساوي ( الذي اختار البقاء في اليمن والعمل مع الإمام يحيى ورفض مذلة الاستسلام للبريطانيين بعد انتصارهم في الحرب العالمية الأولي على المانيا والدولة العثمانية ) بمهمة إعادة عمليات التصنيع العسكري, وضم إليهم جماعات من أهل اليمن ليتعلموا فنون الصنعة , وكان من المشتغلين في المصنع ضباط من الجيش ذوي الخبرة ومهندسون لإدارة وتشغيل آلات الطحن البخارية, وتفرع عن المصنع آلات تعنى بتجهيز مادة البارود المشتعل ومقذوفات التفجير وقابسونات المدافع والرصاص.
ولما كانت مادة البارود موجودة في اليمن فقد كان العمل لترقية صناعتها بحيث يمكن الاستغناء عن البارود الأجنبي, وخلال فترة محدودة أصبح البارود المصنع في اليمن لا يقل في جودته عن مثيله الأجنبي, وقامت آلات صناعة قلل ورصاص المدافع بتوفير كميات كبيرة منه, ولا سيما وأن مهندسي آلات الطارونة – وهو الاسم المعرب لآلة صنع الرصاص والقلل للمدافع – ونجحوا في تطوير نوعيه منتجات المصنع من القلل والرصاص للرشاشات والبنادق, وقد استفادوا من منهاج فن الأسلحة والكتب والتي كانت تدرس بالمدرسة الحربية بصنعاء من حيث دراسة انواع الأسلحة الجارحة ومميزات المواد النارية وخاصة البارود الأسود وتركيباته وانواعه بدخان او بدونه ووسائل نقله برا وبحرا, ثم الأسلحة الخفيفة من بنادق نصف آلية وصنعها والأسلحة الثقيلة من مدفعية وانواع المدافع مثل الأبوس والهاون ومدافع الجبال والصحاري ومدافع القلاع ومدافع حصار السواحل والسفن, بالإضافة إلى صناعة قلل المدافع وفن الرماية والتهديف للأسلحة الفردية والثقيلة.
تطور نوعي
وجرى توزيع المختصين والعاملين كل بحسب اختصاصه , ففريق يعمل في إنتاج قلل المدافع, وفريق لرصاص البنادق والرشاشات, وفريق في المخابر لإنتاج وتحليل المواد النارية اللازمة للصواعق والقابسون, وفريق يعمل في إصلاح الأدوات الخشبية اللازمة للمدافع وغيرها لمراكب الخيول والبغال التي تحمل او تجر المدافع , وعهد إلى خبراء لإعادة إصلاح المدافع والرشاشات والبنادق التي قد أصابها عطل أو ضرر فقد أصلحت بعض المدافع البريطانية التي كانت غنيمة العثمانيين في مدينة اللحية.
ونجد الصناع في تطوير المدافع بحيث تكون أقوى وأقدر على بلوغ مسافة أبعد مما كانت عليه, وكذلك في تطوير مقاسات التهديف بالرمي والإصابة للأهداف لتكون أكثر دقة ونجحوا في تصنيع أنواع من المدافع المدعو عادي الجبل, وحتى إصلاحها لتستعمل من مدفع لآخر, وبذا أمكن لورش صناعة الأسلحة من ابتكار نماذج جديدة من المدفعية والبنادق والرشاشات وتعويض المقذوفات خلال فترة قصيرة.
ومن ناحية أخرى, فقد تمكن اليمنيون من إظهار مهاراتهم وذكائهم من تشغيل مصنع الأسلحة والبارود وإنتاج نماذج جديدة دون الحاجة إلى خبرات خارجية, فالمصنع بقي يعمل بطاقته الإنتاجية بعد رحيل عدد من المهندسين والخبراء الأتراك, وظل مصنع الأسلحة والبارود يعمل في مكانه إلى أن وقع حادث تفجير عام 1920م أدى إلى اشتعال اجزاء بسيطة من المصنع, فأعد على عجل مكان جديد له في منطقة الصافية جنوبي صنعاء بمحل بعيد عن تحديث العمران وتواجد السكان وجعل أسقفه من مادة التنك لتقليل الأضرار تحسبا لوقوع أيه حوادث له في المستقبل.