أحياء عند ربهم يرزقون
عبد الإله عبد القادر الجنيد /
اقتضت مشيئة الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان, فخلق الله أبا البشر آدم -عليه السلام- وسجد له الملائكة؛ تكريماً له ولإنسانيته, وعلّمه الأسماء كلها, وأسكنه جنته التي لا يجوع فيها ولا يشقى ولا يعرى,
ولا يتكلف في الحصول على أي شيء بعناء, ولكن إبليس الشيطان الرجيم بعد أن عصى ربه برفضه السجود لآدم واستحق بذلك لعنة الله وطرده من الحياة العليا, فاشتد نتيجة لذلك عداؤه لآدم عليه السلام, معللًا بذلك حربه الشعواء على آدم وذريته, ومقسماً بعزة الله أن يعمل على إغواء الإنسان بعد أن طلب من الله -سبحانه وتعالى- أن ينظره إلى يوم يبعثون, وتم له ذلك, فاستغل الضعف والنسيان في الإنسان, وتمكن من إغواء آدم بأن يأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها, لكن آدم بطلبه الخلد والملك الذي لا يبلى, استجاب لإبليس الشيطان الرجيم, فأكل من الشجرة واستحق بذلك الهبوط من النعيم الذي كان فيه, برغم أنه لم يكن مصراً على خطئه -كما قال سبحانه وتعالى- ولم يجد له عزماً، فكانت النتيجة أن أهبط الله آدم من النعيم المقيم إلى الأرض دار الشقاء والابتلاء هبوطاً رافقه صراع بينه وبين إبليس تمثّل بالصراع الأزلي بين الحق والباطل مدى الحياة الدنيا, فقال سبحانه وتعالى: [قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى].
وتشكل على إثر ذلك حزبان: حزب الله, وحزب الشيطان, حزب الله ويقوده أنبياء الله ورسله وأولياؤه ممن اصطفاهم وأيدهم بنصره وتأييده بقوله تعالى: [كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ], وقوله تعالى:
[إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ], على أن لا يأتي ذلك النصر إلا إذا توفرت القيادة الربانية بأحد أصفيائه من الأنبياء والمرسلين, أو أوليائه خلفاء رسل الله أنبيائه.
أما حزب الشيطان فيقوده إبليس واولياؤه من طغاة الأرض والمفسدين واليهود والنصارى بعد أن تحولوا عن دينهم الذي ارتضاه لهم رب العالمين، ولم يستجيبوا لرسول الله وخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
ومن أجل حسم المعركة لصالح المؤمنين كتب الله القتال على عباده المؤمنين، مع أنه كرّهٌ لهم، لكنه في حقيقه الأمر هو خير لهم.
وفي هذه المواجهة الحتمية لابد أن ينتصر الحق على الباطل, على أن يعود كل من يقتل في سبيل الله وتحت راية أنبياء الله ورسله وأعلام الهدى من أوليائه قرناء القرآن إلى تلك الجنة التي أسكن الله فيها آدم -عليه السلام- فخسرها نتيجة حبه للحياة وطمعه في الخلود الدائم .
كما أن الله سبحانه وتعالى كتب أو خلق الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن عملًا, فكانت الحياة هي الحياة الدائمة التي يرقى إليها الشهيد في الحياة العليا عند الله سبحانه وتعالى, والموت هو ذلك الموت الذي يذهب فيه الإنسان إلى البرزخ ؛ كونه لم يقاتل في سبيل الله لينال الشهادة فيعود إلى الحياة الدائمة والنعيم الذي لا ينقطع .
ولم يكن الله -سبحانه وتعالى- ليكتب القتال والجهاد في سبيل الله دون أن يمنح عباده خصوصيات بمميزات تميزهم عن غيرهم من العباد, بل إنه -سبحانه وتعالى- منح عباده المجاهدين في سبيله الذين فازوا بالشهادة الدرجات العظيمة ؛ ليكونوا مع الشهداء والصديقين والأنبياء والمرسلين، فبعد أن استنهضهم للجهاد في سبيله, وأمرهم أن ينتشروا في سبيل الله خِفافًا وثقالًا لنصرة أنبيائه ورسله وأوليائه دون أن يخافوا أحدا من المخلوقين إلا الله -سبحانه وتعالى- متوكلين عليه, رافعين راية الدين ؛ لإنقاذ بني الإنسان وعباد الله من طغيان الطغاة وإجرامهم وفسادهم في الأرض, فينتصر الحق على الباطل وتُملأ الأرض بالقسط والعدل, ويُسحق الشيطان وحزبه, لذلك جعل الله الجهاد في سبيله تجارة تنجي المؤمنين من عذاب أليم, قال تعالى: [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ].
وقد نبه الله -سبحانه وتعالى- إلى أن من يتخلّف عن نصرة دين الله وأنبيائه ورسله وأوليائه سيستبدلهم بعبادٍ له يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومه لائم, فلا يكونون أمثال من تخلفوا عن نصرة الحق واحبوا العاجلة على الآخرة فخسر النعيم الأبدي والمجد الذي لا يقارن بأي مجد.
وعجبي على كل أولئك المتخلفين عن الجهاد في سبيل الله لنصرة الحق على الباطل كيف يخافون الموت وهم إلى الموت صائرون, ويحبون الحياة وهم بالشهادة أقرب إلى الحياة الخالدة الحقيقية عند الله كرماء أعزاء ضيوف على الله في النعيم الأعلى, وأن الموت الذي يفرون منه ملاقيهم لا محالة، فليفروا من ذلك الموت إلى الحياة الخالدة إن كانوا يعقلون.
وكم من نبيٍ قاتل معه أتباعه فما وهنوا وما استكانوا لما أصابهم ونالوا الفوز العظيم والنعيم المقيم والحياة الأبديه الخالدة من بعد ما نصروا دين الله, ورفعوا كلمة الله, وقاتلوا مع أنبياء الله صفًا كأنهم بنيان مرصوص بتسليم مطلق وولاء خالص لأنبياء الله ورسله وأوليائه, ودفعوا عن الأمة كل ظلم وطغيان وفساد, فمثل هؤلاء هم أحياء ولكن لا نشعر بهم, أي أنهم بيننا في حياة عليا يعلمها الله, قال سبحانه وتعالى :[ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] وقوله:
[وَلَا تَقُولُوا لِـمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ].
فالله -سبحانه وتعالى- يريد أن يخبرنا أنهم موجودون بيننا لكننا لا نشعر بهم.. فسلام الله عليهم, وجعلنا الله وإياكم ممن يطلب الحياة الخالدة والسعادة الأبدية إلى جوار النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا, وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.. والحمد لله رب العالمين.