القدس.. في رؤية الشهيد القائد
رؤية الشهيد القائد كانت ثاقبة وطويلة الأمد وليست لمرحلة من مراحل الصراع مع العدو الصهيوني
أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرح النبوات ومهبط الرسالات.. مدينة التوحيد، وزهرة المدائن، وموضع انظار البشر منذ اقدم العصور؛ مدينة قديمة عريقة، تاريخها مجيد، صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها،
وطوارئ الأحداث بجميع ألوانها، قصدها الفاتحون والمجاهدون، ونازلها العديد من الغزاة الطامعين، فذهبوا وبقيت شامخة.. مدينة القدس المباركة.. قدس العروبة والمجد والحضارة.. رمز النضال والعطاء والبذل وعنوان الصمود والتحدي والانتصار..
26 سبتمبر :خاص
القدس وفلسطين كانت وستظل على مر الأزمان معيار رُقي ورفعة وسؤدد وعلو وتقدم الأمة، فبقدر تنصل وتخلي الأمة عن مسؤوليتها تجاه المقدسات سيصيبها الضعف والهوان والذل والتراجع والتشرذم والفرقة، وبقدر تحمل هذه القضية المركزية والدفاع عنها والتصدي للاحتلال الصهيوني الغاصب والوقوف في وجه كافة مشاريعه ومؤامراته وسياساته الاستيطانية والاحتلالية وافشالها والانتصار لقضية فلسطين والقدس، القضية المركزية للامة العربية والاسلامية والانتصار لعروبة القدس سيكتب الله لنا النصر على الأعداء ونحرر ثالث الحرمين الشريفين واولى من دنس وجرائم الاحتلال الغادر والجبان.
خطر الصهيونية
أمام خطر الصهيونية واطماعها التوسيعية من النهر الى البحر وامام ما تمارسه اليوم من مذابح وقتل وتشريد وقصف ودمار للمساكن والخدمات العامة يجب على العرب والمسلمين ان يضعوا حدا لجرائم الإبادة وسياسة التهجير القسري والتطهير العرقي ووقف كل جرائم اليهود الغاصبين ومساعيهم الدنيئة والخبيثة في تدنيس المسجد الاقصى المبارك وهدمه والانتصار لأولى القبلتين وثالث الحرمين هو الطريق الوحيد لانتصار ورفعة وعزة وكرامة الامة العربية والاسلامية.. قال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
وعد من لا يملك لمن لا يستحق
يجب علينا ان ندرك خطورة ما يخطط له وما يسعى اليه الغرب والصهاينة الغاصبين على المنظور البعيد والقريب وعدم التساهل معها في كل الاوقات والمراحل، فحبالهم التأمرية منها ما هو قصير الاجل ومنها ما هو طويل الاجل، فمن اجل تنفيذ خطوة كبيرة وخطيرة ينتظرون حتى مائة عام.. وهذه الصفقة المشؤومة دليل واضح على ذلك، فاليوم وبعد أكثر من مائة وعشرة عام على وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين- وعد من لا يملك لمن لا يستحق- يعتبر تاريخ 6 ديسمبر 2017م توكيداً لذلك الوعد المشؤوم بقرار الرئيس الامريكي ترامب بنقل السفارة الامريكية الى القدس وتمكين اليهود من اعز مقدسات المسلمين المسجد الاقصى المبارك..
هذا القرار المشؤوم كشف كل أقنعة التدليس وابرز بجلاء الانحياز الصريح والواضح والعنصرية المقيتة للغرب والامريكان وانهم ماضون بكل وقاحة وغطرسة في دعم سياسات الاحتلال والاعتداء الصهيوني على مقدساتنا في فلسطين والقدس الشريف.. فهذا القرار يمثل اعتداءً دينياً وعقدياً على مقدساتنا الدينية في القدس الشريف وعلى أرض فلسطين المباركة بشكل عام.
اعتداء صارخ على المقدسات
فقرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب باعتبار القدس عاصمة ابدية للكيان الصهيوني الغاصب؛ كارثة حقيقية وانعطافة خطيرة وانتهاك غير مسبوق واعتداء صارخ على مقدسات المسلمين، وتحدٍ لملياري مسلم حكاما ومحكومين واستهانة بمشاعرهم واعتداء على ثوابتنا ومقدساتنا وديننا وعقيدتنا وتاريخنا وعنوان عزنا وشرفنا.. وعلى ابناء امتنا العربية والاسلامية الوقوف الجاد والحازم في وجه ذلك القرار -صفقة ترامب- والتصدي بكل قوة له ومساندة الشعب الفلسطيني الذي رفض القرار رفضا قاطعا، ولا شك ان التكاتف والوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني كفيل بإجهاض وافشال هذه الصفقة المشؤومة والهدامة..
ورفض قرار ترامب لا يعني الرضا والقبول بالوضع الحالي للاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، ووجود سفارات الدول في تل الربيع"تل أبيب"! فالاحتلال باطل وما بني عليه وانبثق عنه باطل أيضا، لكن هذا الحدث يظهر جليا الوجه العنصري الفاشي الظالم والعداء الديني للأمة الإسلامية، وكذب كل ما يتبجحون به.
القتل والتهجير بدعم ومشاركة امريكية
يتكشف للعالم اليوم مجددا أن أمريكا هي من ترعى وتمول الإرهاب بشقيه الرسمي والتنظيمي وهي من تساند وتشارك إسرائيل في جرائمها الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني وخلال اكثر من أربعة اشهر تزايدت المذابح المروعة وراح ضحيتها عشرات الالاف ما بين شهيد وجريح جلهم من الأطفال والنساء وأمام هذه العنصرية المقيتة وسياسة التطهير العرقي كان للشعوب الحرة وفي مقدمتها الشعب اليمني موقف مشرف في اسناد الشعب الفلسطيني عسكريا وشعبيا وكان للعمليات النوعية العسكرية ومنع الملاحة الصهيونية في البحرين العربي والأحمر اثر كبير على اقتصاد الاحتلال الصهيوني الذي تكبد خسائر باهظة, وتجاه الغطرسة الأمريكية والصهيونية واستمرار جرائم الإبادة ضد سكان قطاع غزة يعول على شعوب الأمة العربية والإسلامية وكل احرار العالم ان يقفوا جميعا ضد هذه المجازر المروعة وان يستشعر قادة الدول العربية واجبهم تجاه غزة والشعب الفلسطيني، وهذا ما أكده الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه- حيث بيّن الشهيد القائد تقاعُسَ الحكام العرب تجاه قضية فلسطين وأن التعويل يكون على الشعوب نفسها، وذلك في محاضرته التي ألقاها في يوم القدس بتأريخ: 28/9/1422هـ، وقال الشهيد القائد “الشعوب هي التي تتضرر، الشعوب هي التي تلحقها الذلة والإهانة، الشعوب هي الضحية، وما لم تتجه الشعوب نفسها إلى أن تهتم بقضيتها، وتتعرف على أعدائها، وتعرف الحل والمخرج من مشكلتها ومصيبتها فلا تتوقع أي شيء آخر من زعمائها أَوْ من غيرهم”.
رؤية ثاقبة
كانت رؤية الشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ثاقبة وطويلة الأمد، وليست لمرحلة من مراحل الصراع مع العدو الصهيوني، فقد ركّز على إحياء الشعوب الإسلامية للقضية الفلسطينية حتى لا تندثرَ وتُتناسى من قبل الشعوب؛ بسبب الحكام المنبطحين، وقال “لتعرف الشعوب نفسها أنها تستطيع من خلال إحياء هذه القضية في مشاعرها، من خلال البحث عن الرؤى الصحيحة التي تحل هذه المشكلة, وترفع عن كاهلها هذه الطامة التي تعاني منها؛ لأن الشعوبَ هي نفسها المتضررة، أما الحكومات, والزعماء فهم غير متضررين، هم غير مكترثين, لا يهمهم ما يرَونه بأُمّ أعينهم من المعاناة في مختلف بقاع الدنيا لجميع المسلمين”.
وفي محاضرة السيد في يوم القدس قال متسائلاً عن دور الدول المهادنة مع الغرب واسرائيل “لماذا؟ هل لأن هذه الدول ليست جادَّةً في مواجهة إسرائيل؟ وليست مكترثةً مما تعاني منه هذه الأُمَّـة بسبب وجود إسرائيل في داخل كيانها؟ أم أنهم لا يفهمون ما هو الحل؟ أم أنهم لا يعرفون ما العمل الذي يُعتبر مُجدياً للمخرج من هذه المشكلة الكبيرة؟”.
ولأن الأمل معقودٌ في صحوة الشعوب والأمم الإسلامية لتعرفَ أن القضية الأولى هي فلسطين وأن إحياءها ونُصرتها واجب ديني ومقدَّس، فإن استشعار المسئولية أمام الله ومعرفة التزامات الشعوب تجاه دينهم وأوطانهم سيجعل منهم أمةً لا تُقهر ولا يستطيع أن يكسرها عقوقُ الحكام.
إنَّ الشهيدَ القائدَ السيدَ/ حسين بدر الدين الحوثي- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أرشدنا إلى الطريق التي نستطيع أن نقضيَ على الأوهام التي بداخل الشعوب المتأمِّلة من حكوماتها أن تواجِهَ إسرائيل، ودلّها إلى طريق التحَرّك دون الانتظار إلى الحكومات، وحثهم على إحياء يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان في كُلّ عام، وقال السيد- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- “ثم ما هو الحل بالنسبة للشعوب؟ إن ظلت الشعوبُ تنتظر من دولها أن تقومَ بشيء ما في مواجهة إسرائيل فإنَّ هذا لن يتحقق، لن يحصل إطلاقاً؛ لهذا اتَّجه هو إلى اقتراح [يوم القدس العالمي]، وأن يُحييَه المسلمون جميعاً في مختلف أقطار الدنيا، وخاصة البلاد العربية”.
وقد حصدت الشعوب ثمارَ إحياء يوم القدس العالمي خلال الفترة التي تراجعت الحكومات العربية والإسلامية وتوارت نحو الظلام؛ خوفًا من غضب أسيادهم الأوروبيين والأمريكان، في حال إصدار أي بيان يعرقل إعْلَان ترامب الأخير بشأن القدس.
الشهيدُ القائدُ السيد/ حسين بدر الدين الحوثي- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أوضح لنا السبب في ظهورنا كعاجزين عن القيام بأي دور يذكر أمام الكيان الغاصب، في أن الاعلام الموالي للحكومات تناول القضية الفلسطينية بدور سلبي وعاجز تمامًا عن إظهار أية جرائم ترتكب ضد إخواننا المرابطين في فلسطين، وقال رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ “برز العرب أمام اليهود مستسلمين عاجزين، استطاع اليهود ليس فقط أن يقهرونا عسكرياً بل أن يقهرونا اقتصادياً وثقافياً وإعلامياً, وفي كُلّ مختلف المجالات، قهروا هذه الأُمَّـة وهم مجموعة بسيطة، مجموعة بسيطة، استطاعوا أن يقهروا هذه الأُمَّـة، استطاعوا حتى أن يصنعوا ثقافتنا، أن يصنعوا حتى الرأي العام داخل هذه البلدان العربية, استطاعوا أن يجعلونا نسكُتَ عن كلمات هي مؤثرة عليهم، فتسكت عنها كُلّ وسائلنا الإعلامية، استطاعوا بأساليب رهيبة جداً”.
وأكّد الشهيدُ القائدُ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أن الإعلامَ العربيَّ الحكوميَّ لم يخلق أي رأي عالمي أَوْ محلي يُعادِي الكيانَ الغاصِبَ، “وأقول وأؤكد إنها غبيةٌ فعلاً وعاجزة فعلاً عن أن تواجه اليهود حتى في المجال الإعلامي وحده، كم يملك العرب من محطات التلفزيون والقنوات الفضائية؟ هل استطاعوا أن يخلقوا رأياً عالمياً مضاداً لإسرائيل؟ لا”.
البحث عن سلام مع إسرائيل
وكان الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان عليه- يستشرف المستقبل ويقرأ ان مساعي السلام مع إسرائيل غير مجدية وان ما تروج له أمريكا وبريطانيا من مزاعم عن عزمهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية مجرد وهم وتخدير سياسي وفي هذا السياق يقول الشهيد القائد سلام الله عليه: "عندما يأتي الحكام العرب يبحثون عن موضوع سلام من بني إسرائيل، يفكرون أنهم يحصلون على سلام في الصراع مع إسرائيل وأمريكا، لدى العرب طمع باليهود عسى أنهم سيلتزمون باتفاقية معينة بيننا وبينهم. لاحظ قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} هذا الطرف الذي لا يعرف بني إسرائيل يصدقهم، ولأن العربي لديه طمع، في بني إسرائيل أن سيدخل معهم في اتفاقيات سلام، ولا يوجد حاجة لقتالهم، يقسوا على أصحابه المجاهدين، وفعلاً هذا حصل في فلسطين بشكل عجيب؛ السلطة الفلسطينية ظنوا فعلاً أن الاسرائيلي سيدخل معهم في سلام، وتنتهي القضية! فذهبوا إلى وتلك الحركات المجاهدة [حماس والجهاد] يقسون عليهم ويعيقون أعمالهم، ويقتلون منهم، ويسجنونهم ويسلمونهم للإسرائيليين في بعض الحالات."