محليات

المتحف الوطني.. ذاكرة اليمن التاريخية

المتحف الوطني.. ذاكرة اليمن التاريخية

المتحف الوطني بصنعاء من أبرز وأدسم المتاحف اليمنية، تم افتتاحه مطلع السبعينيات كذاكرة تاريخية لليمن، وفي العام 2013 كان على المتحف أن يوصد أبوابه أمام الزوار لأكثر من عقد ولأسباب سنذكرها تباعا،

وخلال النصف الأول من العام الحالي تم اعادة افتتاحه جزئيا، وفي جعبته كنوزا تعود لما قبل التاريخ وتم الحصول عليها بعد فتنة 2 ديسمبر.

استطلاع وتصوير: مارش الحسام

يقع المتحف الوطني في قلب العاصمة صنعاء وبالقرب من ميدان التحرير، وهو مبنى قديم مكون من خمس طوابق اربعة منها مخصصة كصالات لعرض التحف فيما الطابق الخامس تم تخصيصه لأغراض اخرى تخص المتحف وليس من بينها استقبال الزوار، ويعود تاريخ المبنى لحوالي قرنين من الزمن، بحسب أحد الخبراء في المتحف، والذي أكد لصحيفة "26 سبتمبر" أن المبنى يعود الى عهد الاحتلال العثماني والذي شيده كمستشفى نفسي (مصحة عقلية) لجنوده الذين أصيبوا بصدمات نفسية وكوابيس مزعجة وميولات انتحارية سببها ما يعرف بإرهاب المقاومة اليمنية الذي تفشى في صفوف جنود الاحتلال العثماني.
ويضيف أنه بعد انجلاء الاحتلال وقيام المملكة المتوكلية تم تحويله قصر ملكي وتم منحة أسم "دار الشكر".
وفي العام 1971 تم تحويله رسميا الى متحف، وكان المتحف آنداك يحوي قسمين رئيسيين أحدهما للأثار القديمة والآخر للتراث الشعبي، قبل أن يتم نقل القسم الأخير إلى مبنى مستقل مجاور لدار الشكر ويسمى دار السعادة ويعرف حاليا باسم متحف الموروث الشعبي.

13 عام
شهد العام 2013 اغلاق المتحف الوطني الى متاحف اخرى على خلفية الفوضى الخلاقة التي كانت تعصف باليمن آنذاك اي قبل عام من قيام ثورة 21 سبتمبر, والتي كانت أولى تباشيرها استتباب الأمن واستقرار الاوضاع المشجعة لإعادة افتتاح المتحف وفق مخطط تم اعداده بعد قيام ثورة أيلول-2014، وحال دون تنفيذه تحالف العدوان على اليمن والذي جعل من آثار اليمن بنكا لأهدافه.

صون الأثار دون صيانة المبنى
كغيره من المتاحف لم يكن أمام المتحف الوطني إبان العدوان سوى تمديد مرحلة الاغلاق وكان على هيئة الأثار انتهاج استراتيجية صون التاريخ والحفاظ عليه من حقد عدوان بلا تاريخ.
ويحسب لهذه الاستراتيجية انها نجحت في الحفاظ على محتويات المتحف دون المبنى، والذي تم اعادة افتتاحه في 2024 وبشكل جزئي بعد تأهيل الدور الاول والثاني دونما الثالث والرابع اللذان مازالا مغلقين حتى اشعار اخر ولأسباب مادية بحته.

جزئي كبير
يصف مدير المتحف ووكيل هيئة الاثار إبراهيم الهادي الافتتاح الجزئي للمتحف بإنجاز كبير يحسب للعاملين في المتحف والذين آثروا على أنفسهم بالعمل دون مقابل يذكر لإعادة ترميم الطابق الأول والثاني.

خرابة
خرابة..مضيفا": اي مبنى قديم بحاجة الى عناية واهتمام وصيانة دورية، تخيل ان لديك مبنى من عهد الاحتلال العثماني تم اغلاقه واهماله لمدة 13سنة، يعني انه سيتحول الى شبه خرابة، وهو ماحل بالمتحف الذي تعرض نتيجة الاهمال خلال سنوات الاغلاق لكثير من الاضرار والتي فاقمها العدوان باستهدافه للمناطق المحيطة بالمتحف ابرزها الغارات على مقر وزارة الدفاع سابقا ".

اهمال وعدوان
ويؤكد مدير المتحف الوطني ووكيل الهيئة العامة للأثار، إبراهيم الهادي، أن المتحف الوطني خلال سنوات الاغلاق عاني من الاهمال والعدوان في آن واحد ، واحدث تشققات في الجدران وهبوطاً للأرضيات وانه كان بحاجة الى ميزانية ضخمة لإعادة تأهيله.
متابعا": نتيجة لشحة الإمكانيات وانعدامها تمكنا وبصعوبة بالغة وجهود مضنية من ترميم الطابقين الأول والثاني واعادة تأهيلهما، ونتوق وبشدة لإعادة تأهيل وترميم الطابقين الثالث والرابع ولكن ما باليد حيلة، وعندما قررنا فتح المتحف اضطررنا نقل قسم الاثار الاسلامية من الطابق الرابع الى جناح فرعي خارج المبنى الرئيسي للمتحف".

اقسام المتحف
يضم المتحف عدداً من الاقسام، قسم ما قبل التاريخ ويحوي الاثار والتحف والتماثيل التي يعود تاريخها الى ما قبل الميلاد بقرون.
وقسم التاريخ القديم ويضم عددا من الاجنحة المخصصة لدويلات اليمن القديمة كسبأ وحمير والجوف ومعين وحضرموت وجناح يخص خط المسند، كما يحوي المتحف قسما يخص التاريخ الاسلامي.

جناح للآثار المستعادة
كما يضم المتحف جناحًا جديدًا يخص الأثار المهمة التي تمت استعادتها من منازل عائلة صالح بعد فتنة 2 ديسمبر، وكبر حجمها حال دون توزيعها على أقسام المتحف التاريخية وفق الحقبة التي تنتمي إليها هذه الأثار، ليتم الابقاء عليها في حوش المتحف.

جرائم بحق التاريخ
بمجرد عبورك البوابة الرئيسية لحوش المتحف تستقبلك لوحات فنية صخرية ضخمة، بديعة منقوش عليها بخط المسند مع رسوم لحيوانات ورموز تحويها بعض القطع.
ويعود تاريخها الى ما قبل الميلاد، وتم استعادتها بعد فتنة 2 ديسمبر في منازل حاشية النظام السابق مع عدد عشرات القطع الأثرية المتفاوتة الاحجام, والتي تم توزيعها على أقسام المتحف ووفق اعمارها التاريخية تم وضع كل قطعة في القسم التاريخي المخصص لها.
فيما تم وضع القطع الأثرية الصخرية الكبيرة في فناء المتحف، وهو المكان الذي لازالت تلازمه حتى الآن منذ لحظة انزالها من شاحنات النقل القادمة من قصور النظام السابق بعد فتنة 2 ديسمبر، بحسب مدير المتحف والذي افاد ان هذه القطع الصخرية الأثرية تم استعادتها من منزلي مهدي مقولة وتوفيق صالح.

نصيب وافر
وفي سياق حديثه يؤكد مدير المتحف الوطني ووكيل الهيئة العامة للأثار، إبراهيم الهادي أن ثورة 21 سبتمبر اعادت الاعتبار للأثار اليمنية وحلت كليلة القدر على المتحف الوطني والذي حظي بنصيب وافر من الكنوز والتحف الأثرية التي تم مصادرتها من منازل حاشية النظام السابق.
مضيفا": لولا ثورة 21 سبتمبر لما كانت مثل هذه الاثار وغيرها هنا اليوم، ولما استطاعت ثورة اخرى غيرها أن تأتي بهذه الكنوز الى هنا او تفكر مجرد تفكير بالحديث عن مصادرتها وارجاعها لمكانها الطبيعي في المتحف".

منظور تاريخي
ولفت الهادي أن هذه الصخور الأثرية تعد مكسبا كبيرا ليس فقط للمتحف وانما للتاريخ اليمني.
مضيفا": النقوش والرسومات والزخرفة على هذه الصخور جعل منها ثروة لا تقدر بثمن، من منظور أثري وتأريخي، ولكنها ومنظور النظام السابق كانت مجرد صخور مزخرفة و لوحات فنية جمالية لتستخدمها حاشيته لتزيين منازلها كنوع من الزخرفة، وهذه النقوش ليست مجرد زخرفة وانما أرشيف لتاريخ هذه او تلك الدولة القديمة، تسجل حياتهم طرق معيشتهم وعقائدهم الاجتماعية والسياسية وعلاقاتهم الخارجية مع الدول المجاورة".

سرقة الآثار
متابعا": مثل هذه الاثار العملاقة استعصت على مهربي وناهبي الاثار والذين يسرقون ما امكن إخفاؤه في امتعتهم لتهريبها، اما سرقة أثار بهذه الضخامة بحاجه الى معدات كبيره لنقلها، ولا يمكن لاي ناهب او لص ان يفكر في نهبها او سرقتها الا اذا كان نفوذه أكبر من القانون والدولة".
ولفت أن هذه الأثار تم انتزاعها من جدران المعابد في الجوف وفق عمليات تخريبية نتج عنها تدمير أماكن أثرية صارت أثرًا بعد عين.

آثار تاريخية في حديقة توفيق صالح
من بين تلك الصخور الأثرية المعروضة في حوش المتحف، عمود مسلة ارتفاعها حوالي مترين، ويعود تاريخها الى القرن الثاني قبل الميلاد، منقوش عليها بخط المسند، ويفيد مدير المتحف انه تم العثور عليها في حديقة منزل توفيق صالح، والذي كان يستخدمها كجزء من زينة حديقته، باعتبار المسلة لوحة فنية بديعة الزخرفة، فيما يفيد أحد الخبراء في المتحف ان النقوش على العمود ليست مجرد زخرفة وانما جزء من تشريع دستوري، وعبارة عن ارشيف او وثيقة لأسماء المواطنين اليمنيين المتزوجين بأجنبيات.
ويضيف:" هذه النقوش دليل على ان هذه الدولة اليمنية القديمة كان لها دستور للحكم ربما يحدد امتيازات المناصب التي تستلزم بعضها شروطا منها أن لا يكون متزوجا من أجنبية، او قد يكون لها علاقة بالمواطنة يخص حقوق وواجبات أبناء المواطن اليمني من زوجة أجنبية".

إخفاء التاريخ
وتعليقا على هذه القطع الأثرية المستعادة، يقول أحد خبراء آثار في المتحف الوطني ": اذا كان مجرد نقل الاثار من مكانها الطبيعي الى مكان آخر يعد جريمة لطمس واخفاء تاريخ، لان وجود الاثار بمكانها الأم يعطي معلومات تاريخية عنها وعن الحضارة التي قامت في ذات المكان بعكس عندما يتم نقلها الى حديقة منزل او ديوان نافذ، اذا كان مجرد نقلها جريمة، فبماذا يمكن ان نصف نهب معابد الجوف وتخريبها".

فرق كبير
وعن وصف وكيل هيئة الآثار لوضع المتحف قبل الإغلاق وبعد اعادة افتتاحه جزئيا، او بمعنى أخر وضعه قبل ثورة 21 سبتمبر او بعدها؟
رد قائلا:" هناك فرق كبير من حيث الاهتمام وهناك تغير كبير في الرؤية الوطنية للآثار ، أما وضع المتحف لم يتغير، فالصعوبات ابان الحكومة السابقة مازالت قائمة مع اختلاف أسباب الصعوبات والتي كانت في السابق مفتعلة بتعمد من الحكومة السابقة، اما الصعوبات الحالية التي نواجهها فأسبابها تداعيات العدوان والحصار على بلادنا".
ويضيف": المتحف الوطني ابان الحكومة السابقة لم يكن في احسن احواله، ولم تكن توليه اهتماما وكان بلا نفقة تشغيلية حتى عائدات التذاكر كان يتم توريدها الى حساب السلطة المحلية، اما الوضع الحالي والصعوبات التي نواجهها ليس بسبب تقصير الحكومة انما بسبب العدوان والحصار والمتحف يعاني مثله مثل أي مؤسسة حكومية، ولكن للأمانة بعد ثورة 21 سبتمبر لمسنا تغيرا حقيقيا في الرؤية الوطنية للآثار وللمتاحف والتي تجردت منها الحكومة السابقة, والتي تورط افراد حاشيتها الحاكمة بالمتاجرة في بيع وتخريب الاثار ونهبها لتزين قصورهم بها او المتاجرة بها".

هدف تاريخي
وبسؤاله عن الهدف من اعفاء الزائرين من رسوم الدخول (قطع التذاكر) التي كان من الممكن ان تخفف عائداتها جزء من الضغوطات المادية التي تواجه المتحف؟... أم ان المتحف لجأ مضطرا لإعلان مجانية الدخول ليتوافد الزوار نتيجة ضعف الاقبال؟
يؤكد الهادي أن الاقبال كبيرا ويتزايد من اسبوع لآخر، ولفت ان الغاء دفع رسوم تذاكر جاءت انطلاقا من رسالة المتحف واهدافه.
ويضيف:" الهدف تاريخي وليس ربحي، المتحف يعتبر منتدى فكرياً وتاريخياً وثقافياً، ورسالته سامية ومن مسؤوليته تجاه الشعب تثقيفهم وتعريفهم بتاريخهم، ونشر المعرفة التاريخية وتعزيز الهوية الثقافية لليمن والمحافظة على الذاكرة التاريخية لبلادنا".

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا