كتابات | آراء

حضور مأساة (غزة) لدى النخب الغربية وغيابها عن النخب العربية

حضور مأساة (غزة) لدى النخب الغربية وغيابها عن النخب العربية

إذا كانت أهمية النخب المجتمعية تكمن في لعبها أدوارًا ريادية في صناعة رأي عام عن طريق التوعية، فإنَّ تضاعف أهمية النخبة القضائية تكمن في انطلاق توعيتها من منطلقات قانونية تساوي بين الراعي والرعية، فضلًا عن تمتعها باستقلالية تمنحها -لا سيما في البلدان الغربية- صلاحية تصويب أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ومن الأهمية بمكان التنويه إلى أنَّ السلطة القضائية في بلدان الغرب الذي ننعته -محقين- بـ«الكافر» تتمتع بكل ما يقتضيه تحقيق العدل من الاستقلالية والتحرر اللذين يمكنانها من انتقاد أخطاء المرؤوسين والرؤساء على السواء، وتقييد تصرفات كافة الفئات في ضوء النصوص القانونية التي تراعي في صياغتها كافة الجوانب الحقوقية والإنسانية، بخلاف السلطة القضائية في بلداننا العربية التي لا تنطبق عليها تسمية «سلطة قضائية»، بقدر ما تنطبق عليها تسمية «وظيفة قضائية»، لأن السلطات القضائية في بلداننا العربية -بالرغم ممَّا تحمله من تسمية «سلطة»- مجرد «وظيفة» يدور كافة موظفيها -بمختلف مستوياتهم التراتبية- في فلك الحكام والساسة ومتنفذي السلطة التنفيذية، فلا يقضون، ولا يفتون -خاصة في ما يتعلق بقضايا الأمة المصيرية- إلَّا بما يتسق مع النهج السياسي الذي ينتهجه النظام ويتسم بالانسجام التام مع أمزجة الحكام.

تضامن قانونيين بريطانيين مع فلسطين
لا تقف السلطات القضائية في بلدان الغرب مع أية قضية -حتى القضايا التي تعبر عن وجهات نظر باطلة- إلَّا في حال اقتناعها بأنها قضايا عادلة، بل إنها تسعى -في الغالب- إلى العمل على تغيير توجه السلطة التنفيذية الخاطئ إلى الاتجاه الصائب، فبالرغم من أنَّ دولة «الكيان الصهيوني» أو «الدولة الصهيونية» هي أساسًا خطيئة بريطانية، فإنَّ «القضاء البريطاني» -بسبب تواتر ما ترتكبه القوات الصهيونية في حق أبناء فلسطين من مجازر- آخذٌ في التغيُّر باتجاه مساندة الحق الفلسطيني المعرض للخطر وإدانة الاعتداء الصهيوني المتكرر، وصولًا إلى تبني مئات القانونيين البريطانيين حثّ حكومة بلادهم على مواجهة ما ترتكبه دولة «الكيان» في حق الفلسطينيين من حرب إبادة بمواقف حازمة وجادة، بما في ذلك دعم التحرك الداعي إلى تعليق عضويتها في «منظمة الأمم المتحدة»، وقد أشير إلى ذلك بوضوح جلي -في مستهل التقرير الإخباري التحليلي المعنون [800 من قضاة ومحاميي بريطانيا السابقين يطالبون «ستارمر» بفرض عقوبات على إسرائيل وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة] الذي نشرته جريدة «القدس العربي» في الـ27 من مايو الفائت- بما يلي: (نشرت صحيفة «الغارديان» تقريرًا أعده مراسل الشؤون القانونية «هارون صديقي» قال فيه إنَّ أكثر من 800 محامٍ وقاضٍ تقاعدوا من المحكمة العليا وقعوا رسالةً طالبوا فيها بفرض بريطانيا عقوباتٍ على الحكومة الإسرائيلية ووزرائها من أجل أن تفي بريطانيا بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، كما دعا الموقعون الحكومة للتفكير في دعم تحرك يعلق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.
ورحب الموقعون في رسالتهم إلى رئيس الوزراء «كير ستارمر» بالبيان المشترك مع قادة فرنسا وكندا التي حذروا فيها إسرائيل وعبروا عن استعدادهم لاتخاذ تحركات ملموسة ضدها. وحثوا ستارمر على اتخاذ تحرك عاجل وحازم لمنع تدمير الشعب الفلسطيني في غزة).

تعامي نخب العرب عن جرائم «ترامب»
في الوقت الذي يقتل أطفال غزة بالأسلحة الأمريكية، وقبل أن يجف حبر مقترح «ترامب» بإفراغ «قطاع غزة» من سكانه خدمةً للصهاينة يحلّ عرَّاب المجازر «الصهيوترامبية» ضيفًا على عدد من الدول العربية، وتزداد مجازر الإبادة ضد أطفال غزة -بالتزامن مع أيام استضافته واختصاصه بمظاهر إكرام خارقة للعادة- عنفًا وحدة، فتستمر العواصم العربية المضيفة في المبالغة بمظاهر استقبال «ترامب» الذي تظهر عليه سِيْمَاء التبختر وهو يسير على السجاد الأحمر الفاخر الذي تذكر حمرته بلون دماء ضحايا المجازر.
وبالرغم من أنَّ «ترامب» قد عاد من رحلته مثقلًا بأموالٍ تكفي لإنشاء دول، فقد عاد مبطنًا لمانحيه من السخرية ما لا يعقل، وذلك ما ألمح إليه الكاتب «غازي العريضي» في سياق مقاله المعنون [العرب و"ملوك يهودا والسامرة"] الذي نشره «العربي الجديد» في الـ27 من مايو- بقوله: (بعد زيارة الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» المنطقة، ذُكِر أن المبلغ الذي حمله معه يقارب 4.1 تريليون دولار، لكن الرئيس صحّح المعلومة عند وصوله إلى واشنطن، فقال: "جمعنا 5.1 تريليون دولار". وهو مبلغ يبني دولًا صغيرة، ويعالج في منطقتنا مشكلاتٍ كثيرة، لكن الأكثر أهميةً أن العرب الكرماء هناك عاجزون هنا عن إدخال خمس شاحنات مساعدات إلى أهالي غزّة، الذين يموتون جوعًا وقتلًا بالقنابل الأميركية).
وإزاء كل ما جرى تنشغل النخب المجتمعية وعلماء السلطان، وموظفو القضاء في تلك البلدان بإمطار حكامها السفهاء بما لا يحصى من التمجيد والثناء، وكأنَّ استقدام داعم دولة «الكيان» في إبادة النساء والولدان -وفق فهمهم النفاقي القاصر- من أعظم المفاخر، بينما ينبرون -في كل حين- مسندين إلى المقاومين المسؤولية الكاملة عمَّا يقترفه «نتنياهو» في «قطاع غزة» بدعمٍ أمريكيٍّ سافر -لأكثر من سنةٍ و8 أشهر- من مجازر في حقِّ الأطفال والشيوخ والحرائر.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا