بوح اليراع: افتعالُ الأزمةِ الانتخابيَّة شرْعنةٌ للجرائمِ الترمبيَّة
بالرغم من أن الصعودَ إلى البيت الأبيض وتولي منصب الرئاسة الأمريكية قضيةٌ توافقية تتحكم بها -بدرجةٍ أساسية- الدولة العميقة التي تتبنَّى تنفيذ أجندةَ الصهيونية العالمية، فإنَّ هذه الدولة العميقة تحرص على إجراء انتخابات صورية في رأس كل أربعة أعوام ميلادية،
وترصد لها من الموازنات المالية ما يُغري وسائل الإعلام بإعطاء تغطية فعالياتها -على مدى أسابيع وأحيانًا شهور زمنيَّة- مساحة واسعة من خارطاتها البرامجيَّة والإخباريَّة، بل إن بعض تلك الوسائل يعتبرها -طيلة الفترة المحددة لعرض تلك المسرحية المعهودة والمتجددة- مادته الرئيسيَّة، كل ذلك بهدف الحفاظ على الصورة النمطية للولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نفسها للعالم على أنَّها الراعي الحصري للديمقراطيَّة والأنموذج الأمثل في تداول السلطة بصورة سلمية.
وقد ساعد هذه الدولة العميقة على الاستمرار في تسويق هذه الكذبة الكبيرة أمام مختلف شعوب العالم التي لا تملُّ ذلك التكرار بقدر ما تتلقَّف كل معتركٍ انتخابيٍّ صوريٍّ كثيف الغبار بالإعجاب البالغ حدَّ الانبهار حرصُ مهندسي تلك العمليَّة على التنويع البديع في الشخصيات التي يقع عليها الاختيار لشغل منصب رئاسة الدولة العظمى التي تتحكم -من خلال رسم سياسة الكثير من الدول المحورية- بحاضر ومستقبل البشرية.
تأذِّي الشرق والغرب من رعونة (ترمب)
على الرغم من أن محتوى مهرجانات (ترمب) عام 2016م بالإضافة إلى ما اتسم به سلوكه على مدى أربعة أعوام من رعونة يترفَّع عن التخلُّق بمثلها حتى العوام تؤكد أن هذا الشخص لم يكُ أهلاً لشغل هذا المنصب السياسي الهام، وأنَّ تبوئَهُ ذلك المنصب الخطير لم يأتِ معبِّرًا عن إرادةِ جماهير الناخبين الذين أدلى غالبيتُهم بأصواتِهم بمحضِ إرادتهم لمُنافِسَتِه (هيلاري كلينتون) التي تفوَّقت عليه -بالتصويت الشعبي- بأكثر من مليون وخمسمائة ألف صوت، ومع ذلك أصبح فوزُه بمنصب الرئاسة الأمريكية حقيقة، لا لشيء إلاَّ لأنَّ الاختيار قد وقع عليه من قبل الدولة العميقة التي ارتأتْ أنْ تعقُبَ فترة رئاسة الأكاديمي (بارك أوباما) الذي اعتمد على المرونة والدبلوماسية وسيلة لتحقيق مصالح أمريكا الأساسية فترةٌ أمريكية يغلب عليها الانفعال والتهوَّر الذي ينسف ادعاءات الأمريكيين الزاعمين أنهم الصورة الأبرز للمدنية والتطوَّر، فلم تَجِدْ شخصيةً أنسب لتحقيق هذا المأرب سوى الملياردير (دونالد ترمب) الذي لم يكُ يرى في العالم طيلة فترة رئاسته سوى أرصدة مالية يرفد بها خزينته وخزينة دولته.
ومن المؤكد أن أركان الدولة العميقة كانت على دراية بما ستتسبب به رعونةُ (ترمب) من الإضرار بعلاقة أمريكا بالشرق والغرب، فقد تنكَّر لكثير ممَّا أبرمهُ أسلافُه من اتفاقيات بما فيها الاتفاقيات التي تترتب عليها مصالح مشتركة بين أمريكا ودول أوروبا غير آبهٍ بما سيلحقه تنكُّرُه لتلك الاتفاقيات –بسبق الإصرار- بمصالح حلفائه الأوروبيين من أضرار.
وقد بلغت به رعونتُه حدَّ النأي بالولايات المتحدة الأمريكية عن واقع المجتمعات البشرية بصورة غاية في الفجاجة وأقرب ما تكون إلى النزوع نحو الانسلاخ بالتنكُّر لكافة اتفاقيات المناخ.
وقد هدفت الدولة العميقة من هذا الاختيار السيء إلى وضع العالم -الأصدقاء والأعداء على السواء- وجهًا لوجه مع الوجه القبيح لأمريكا الذي من شأنه -إذا ما أطلِق العنان لأساطين العنجهية والغرور- إغراق الحياة والأحياء في مستنقع العنف والشرور، وبما يدفع العالم -في مقابل ما تبديه أمريكا من مظاهر الاستكبار- إلى تقديم المزيد من التنازلات التي من شأنها تحفيز الدولة العميقة (صاحبة القرار) على حسن الاختيار الذي يعيد له ما افتقر إليه -في عهد (ترمب) ومن قبله (جورج بوش الابن) وغيرهما من الرؤساء الأشرار- من الاستقرار.
وحتى تشعر هذه الدولة العميقة للعالم بما لها عليه من الفضل والمنة الذي هو بمثابة الانتقال به من النار إلى الجنة، فقد حالت -وبصورة محسوسة ومشاهدة- دون حصول المعتوه (ترمب) على ولاية ثانية وحصره في ولاية رئاسية واحدة.
الإيهام بولاية (بايدنية) واعدة
إنَّ الدفع بـ(جو بايدن) البارع في تصنُّع المرونة والتواضع لمنافسه المعتوه (ترمب) المتجاوز في سوء طباعه أسوأ الطبائع يهدف إلى إبراز ما بين الرجلين من تبايُن، وإنَّ إظهار (ترمب) رافضًا لنتائج الانتخابات والظهور بمظهر الثور الهائج هو ترهيب أنظمة العالم من إمكانية استمرار اغتصابه للسلطة بكل ما سيترتب على ذلك من انتهاجه سياسة العدوانية المفرطة، فإذا بالعالم راضٍ بما كان (ترمب) قد اقترفه في حقه من وقائع كونها قد باتت في حكم الأمر الواقع، فيأتي (بايدن) ليضفيَ الشرعية على كل ما اقترف في حق العالم من مظالم وجرائم طيلة الولاية الرئاسية (الترمبية).