كتابات | آراء

حديث الإثنين:أهمية ترجمة الأقوال إلى أفعال

حديث الإثنين:أهمية ترجمة الأقوال إلى أفعال

حينما لا يقترن القول بالفعل يصبح مجرد شعار أو كلام في الهواء لا يُستفاد منه مثله مثل تلك القوانين والأنظمة واللوائح التي تعج بها أدراج الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية

ولكنها لاتجد طريقها إلى التنفيذ فتبقى بلا قيمة تُذكر بل ولا تساوي حتى قيمة الحبر الذي كُتبت به وذلك بعكس  الدول المتقدمة والشعوب المتحضرة التي تحرص على تطبيق الأنظمة والقوانين فاستطاعوا أن يبنوا أوطانهم ويحققوا الحياة المستقرة لشعوبهم معيشياً وأمنياً وسياسياً مطبقين مضمون الآية الكريمة: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، وكذلك نجدهم يتعاملون مع الوقت بحرص شديد لما له من قيمة ثمينة عندهم فلا تمضي منه دقيقة أو ثانية إلا وتستغل للاستفادة منها، بينما نحن في اليمن وإن كنا جزءاً لا يتجزأ من المنظومة العربية لا نعطي للوقت قيمة تذكر ولا نشعر بمروره فنهدره ونتركه يمر بالساعات الطوال دون الحرص على الاستفادة منه, فعلى سبيل المثال الموظف اليمني الذي يقضي ساعات في   مقيله ليمضغ فيها القات أكثر من تلك الساعات التي يقضيها في عمله إذا كان ملتزماً وقد يتمرد على العمل بحجج وذرائع واهية معطلاً مصالح الناس ويضيع أوقاتهم في المراجعة فتتراكم معاملاتهم فيجلب المتاعب لنفسه ولغيره ونعتقد أن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة واللامبالاة بمرور الوقت وعدم استغلاله هي من العوامل الرئيسية لتأخرنا ورجوعنا إلى الخلف وإن كنا نفتقر إلى شجاعة الاعتراف بعجزنا وفشلنا في إدارة أمورنا بطريقة سليمة  بل تدفعنا المكابرة أحياناً إلى اتهام الآخرين بالباطل وتحميلهم مسؤولية ما نعاني منه ونجعلهم شماعة نعلق عليها فشلنا وعجزنا بدلاً من أن نحاسب أنفسنا كما كان النظام السابق يجعل من نظام ما قبل ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وكذلك من سبقه من أنظمة شماعة يعلق عليها فشله في بناء الدولة وتبريراً لرهن اليمن وقراره السياسي للخارج بل وجعل الشعب اليمني تحت الوصاية وكأنه لم يبلغ أشده بعد ,والأمثلة التي يمكن أن نستشهد بها على ذلك كثيرة وإن تحسس البعض من إيرادها وذكرها بكل وضوح بسبب عدم تعودهم على النقد الذاتي والإصرار على تنزيه أنفسهم من ارتكاب الأخطاء وهو ما يجعل قضايانا السهلة تتحول إلى قضايا معقدة يصعب حلها في غياب وجود إرادة قوية, فاليوم عندما نتأمل وضعنا الذي نعيشه والذي لا يحسدنا أحد عليه بل ويجعلنا محط شفقة ممن حولنا سنجد أنه قد مضى ما يقارب ستة عقود على قيام ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وما تزال تلك الأهداف التي قامت الثورتان من أجل تحقيقها مصلوبة على الورق نتغنى بها إعلامياً لأنه لم  يتم تطبيقها على أرض الواقع ، وبدل ما نقف أمام ما قدمته الأنظمة السابقة للشعب اليمني من خدمات خلال هذه الفترة الطويلة جداً ونقيم تجربتها لإزالة ماعلق فيها من شوائب سنجد أننا انشغلنا بمحاكمة عهد ما قبل الثورة سواءً كان متمثلاً في حكم الأئمة في شمال اليمن أو في حكم الاستعمار والسلاطين في جنوب اليمن سابقاً وتحميلهما مسؤولية تخلفنا وتأخرنا عن الركب .
كم هو مؤسف أن يعتقد البعض أنه من خلال هذا التوجه الإعلامي والدعائي لتحميل عهد ما قبل ثورة «سبتمبر واكتوبر» مسؤولية تخلفنا قد أدى المهمة التي عليه وفي نفس الوقت للتبرؤ من مسؤولية مشاركته في نشوء وخلق الوضع الذي نعيشه  مع أن هذا النهج في خطابنا السياسي والإعلامي هو للهروب من الحقيقة و يهدف في الأساس إلى تضليل الجيل الجديد وخداعه وهو أيضاً محاكمة فعلية للنظام الجمهوري الذي حل محل عهدي الأئمة والاستعمار والسلاطين من حيث لا نشعر وكشفاً لفشله في تحقيق ما كان يصبو إليه الشعب اليمني من تطلعات ، وعليه فإن من تبقى من كبار السن أمد الله في أعمارهم ممن عاصروا تلك الفترة يسخرون من هذا الخطاب السياسي والإعلامي التضليلي ,لأنهم يعرفون الحقيقة جيداً وعندما يقارنون وضعنا السياسي الحالي بما كنا عليه في الماضي يخرجون بنتيجة تصب في صالح عهد ما قبل الثورة على الأقل من حيث وجود هيبة الدولة ووجود الأمن والاستقرار الذي كان يتمتع به المواطن اليمني في الشمال والجنوب آمناً على نفسه ودمه وعرضه وماله بغض النظر عن الفارق المعيشي بين ما كان عليه المواطن قبل ستة عقود وما هو عليه اليوم في القرن الواحد والعشرين الذي أصبح فيه العالم كله من حيث التطور عبارة عن قرية واحدة  وإن كانت المقارنة ظالمة في هذا الجانب، لأن دخل الشعوب حينها كان محدوداً جداً بحسب ظروف تلك الفترة وكان جيراننا في المنطقة أكثر سوءاً منا بدليل أن الشعب اليمني كان يعمل وينتج ويدفع  وأصبح بعد الثورة يقبض ولا يعمل ولا ينتج ويجري وراء اقتناء السلاح وحمله فتسبب ذلك في تدميره لنفسه وقد أكد هذه الحقيقة الأستاذ محسن العيني - رحمه الله-  في مذكراته  والذي شكل أربع حكومات في عهدي الرئيسين الراحلين القاضي عبد الرحمن الإرياني والشهيد المقدم إبراهيم الحمدي رحمهما الله .
و لو قارنا وضع مدينة عدن التي أصبحت بعد قيام الوحدة العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن الواحد واليوم محتلة من قبل أعراب السعودية والإمارات من حيث مكانتها وأهميتها قبل أكثر من نصف قرن فإن المقارنة ستكون لصالح ما نعتبره الماضي البغيض، لقد كانت ترسو آنذاك في ميناء عدن الذي عطلناه اليوم أكثر من ستة آلاف وخمسمائة سفينة في العام الواحد  كما كان يعد ثاني ميناء في العالم بعد نيويورك إضافة إلى أنه كان يطلق على مدينة عدن «لؤلؤة الجزيرة والخليج» وقد سبق أن تحدثنا عن وضع  عدن في عهد الاستعمار في مقال سابق لما كانت تشكله لدول الجزيرة العربية والخليج من قبلة اقتصادية يتجهون إليها لجلب احتياجاتهم منها وكانت هذه المدينة الساحرة التي أصبحت اليوم كاليتيمة ومحتلة لا تجد من يحمي أهلها من القتل اليومي تنعم بالكهرباء على مدار 24 ساعة بينما يتمنى سكانها حالياً أن يستمر التيار الكهربائي فقط لعدة ساعات متواصلة دون انقطاع في ظل سيطرة الدول الغنية عليها.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا