كتابات | آراء

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 100)

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 100)

كما ذكرنا سابقاً بأن المقيم البريطاني بعدئذ  أرسل خطاب للإمام المؤرخ 23رمضان 1351هجرية الموافق 26يناير 1933م الذي يوافق فيه على ما جاء بالمأدة الثالثة في مشروع المعاهدة

بخصوص الحدود أما بالنسبة للجزر فإنه يريد تسوية أوضاعها بالعدل ويريد أن يدرج فقرة (في المعاهدة ) تحفظ حقنا في تلك الجزر إلى الأبد ونرى أنه بحكم مسئوليتنا لا نقر أي تغيير فيه إجحاف في حكومتنا  في الحاضر أوفي المستقبل ونريد أن نصيغ عبارة تحقق هذا الغرض ولا شيء غير ذلك.
وقد ردت وزارة المستعمرات إلى المقيم برأيها بشكل عام في خطاب الامام وقد جاء فيه بخصوص الجزر أن حكومة جلالة الملك لا يمكن أن تضم للمعاهدة أية إشارة للجزر وينبغي للمقيم أن يخير الامام أنه بعد عقد تلك المعاهدة وعندما يصبح مستقبل هذه الجزر التي عند النهاية الجنوبية للبحر الأحمر والتي تشملها المادة (16) من معاهدة لوزان وعندما يكون موضوعها معروضاً للبحث سيؤخذ بالاعتبار جميع آراء الإمام التي يرغب في وضعها بهذا الخصوص وأنهت وزارة المستعمرات برقيتها بأن على المقيم أن يخبر الامام أنه ليس هناك أية تنازلات لدى حكومة جلالة الملك لتتقبل أراء الإمام فيما جاء بمشروع المعاهدة عموماً وأنه إذا حاول الضغط  بمقترحاته أبعد من ذلك فإن المراسلات سوف تتوقف.
ويلاحظ أن وزارة المستعمرات قد تعمدت ألا تُسمي الجزر المقصودة بل حددتها بالموقع وبارتباطها بالمادة من معاهدة لوزان ولعل هذا يرجع إلى ملاحظة المقيم البريطاني رايلي الذي أشار إلى أن الامام لم يذكر أسماء الجزر التي يطالب بها وذلك كما ذكرنا من قبل وعندما رفضت الحكومة البريطانية إضافة أية إشارة إلى هذه الجزر بين نصوص تلك المعاهدة وضع الإمام في نهاية تلك المعاهدة المعروضة عليه ملحقاً سرياً تضمن أيضاً الإشارة إلى تلك الجزر وقد ذكر في هذا الملحق أن جزر اليمن يجب أن تعود اليها وهي الآن التي لم ترجع إلى أصحابها منذ الحرب العظمى ويجب أن تتعهد حكومة جلالة الملك أن تحافظ على هذا الحق وعلى ألا تساعد في خلق أية صعوبات أمام حقوق اليمن الأساسية والطبيعية، وقد رفضت الحكومة البريطانية إضافة الملحق إلى نصوص المعاهدة وإزاء هذه المحاولات جميعها عمد الإمام في يوم 20شوال 1352هـ الموافق 11فبراير 1934م وهو يوم توقيع المعاهدة في صنعاء بينه وبين المقيم البريطاني رايلي أن يوجه إليه خطاباً باسمه يطلب منه رفعه إلى الحكومة البريطانية وجاء فيه بعد الديباجة والحمد لله الذي وفق الطرفين إلى عقدت هذه المعاهدة فإننا نسرع بأخبار سعادتكم بأن الحقيقة  بأنه طالما لم يكن هناك مناقشات أو إشارات في المعاهدات التي عقدة ألآن إلى تلك الجزر التي سبق احتلالها أثناء الحرب العظمى والتي لم ترجع أو تسلم لليمن أمها الحقيقي فإن هذا لا يضعف ولا ينقص من حقوق ملكيتنا الأساسية والطبيعية لهذه الجزر ولا يضر بحقنا الكامل والتام في استرجاعها واسترجاع هذه الحقوق وسيستمر حقنا الواضح والمنطقي ثابتاً إلى الأبد وقد رد عليه المستر رايلي في نفس اليوم بأنه تسلم خطابه الذي به إشارة إلى الجزر وأنه عند عودته إلى عدن سوف يرسل خطابه بدون تأخير إلى حكومة جلالة الملك، ولا ندري السبب الذي دفع الإمام يحيى إلى عدم ذكر أسماء الجزر التي طالب بها حتى انتهى  من عقد المعاهدة رغم الصعوبات التي وضعتها الحكومة البريطانية أمامه, ورفضها الإشارة إلى مسألة الجزر بين نصوص المعاهدة أو حتى في ملاحقها  السرية بل اكتفى في الإشارة إليها: بأنها الجزر التي احتلت أثناء الحرب العظمى فهل يرجع ذلك إلى أنه كان يجهلها أم أنه يقصد التعميم فاستعمل تلك العبارة لأنها كانت جزر كثيرة وتحتوي على صخور وجزيرات؟ أم لأنه يعد نفسه خليفة العثمانيين وأنه يجب أن يرث كل ما خلفوه براً وبحراً؟ أم كان يدرك أن بريطانيا كانت تعرف ما يقصده من وراء تلك العبارة؟
وكيفما كان الأمر فقد سُميت هذه الجزر من قبل على لسان مستشاره للشئون الخارجية القاضي راغب بك غالب وبحضور صالح جعفر الوكيل السياسي لبريطانيا في الحديدة الذي استدعاه الامام إلى صنعاء فحضر اليها مرتين بموافقة المقيم البريطاني في عدن للمشاركة في شرح بعض بنود مشروع المعاهدة وقد أكد راغب بك أثنا المحادثة أن عبارة "الجزر" لم يقصد بها جزيرة بريم (ميون) وقال أنها تشير إلى مجموعة فرسان وكمران وحنيش والجزر الأخرى الأصغر في البحر الأحمر وقد شُرح للإمام كما جاء في تقرير مستر رايلي  إلى وزارة المستعمرات أن بريطانيا لا تستطيع أن تعقد اتفاقاً منفرداً خاصاً بتلك الجزر دون الرجوع إلى باقي دول الحلفاء الموقعين على معاهدة لوزان.
غير إن صالح جعفر لم يستطع أن يقنع الإمام وأمل أن ينجح مستر رايلي في إسقاط موضوع الجزر من المعاهدة عندما يأتي إلى صنعاء وهذا ما حدث عملياً كما رأينا وكان القاضي راغب بيك مستشار الإمام يحيى والذي كان بمثابة وزير خارجيته دائم الإشارة  في أحاديثه مع عناصر أوربية إلى هذه الجزر وإلى غيرها من مشاكل الحدود مع بريطانيا فقد صرح في وقت مبكر بالنسبة لعقد المعاهدة في رسالته إلى مسئول الماني بالنسبة لعلاقاتنا مع جيراننا (ويقصد بريطانيا) نحن مستعدون للتوقيع على كل ما يريدون ويأمرون به ومستعدون لقبول الوضع بكامله كما هو عليه الآن وعلى المدى الطويل ولكن بشرط واحد وهو أن يعترفوا لنا بأن الأراضي اليمنية جغرافياً وتاريخياً وهل نستطيع أن نفعل أكثر من هذا ؟ أن الشيء المفقود حتى الآن هو النية الطيبة والرغبة الصادقة.
هكذا يتضح موقف اليمن الرسمي في مطالبتها بحقها في جزرها في البحر الأحمر منذ إعلان استقلالها حتى عقد معاهدة الصداقة مع بريطانيا عام 1934م غير أن بريطانيا ظلت في موقف متعنت مع الإمام يحيى حميد الدين بحكم أنه حاكم غير صديق لبريطانيا ثم ما جاء في نص المادة "16" من معاهدة لوزان ويرجع هذا وذاك إلى مصالحها الخاصة في عدن وما حولها من محميات وإلى موقفها من حلفائها إيطاليا وفرنسا بالنسبة للجزر اليمنية وقد سبق وأن أشرنا إلى التنافس الاستعماري بين بريطانيا وإيطاليا في البحر الأحمر وازداد التنافس حدة عندما أحتلت إيطاليا الحبشة في عامي 35/1936م فأسرعت بريطانيا إلى عقد معاهدة معها في 1938م.. يتبع إن شاء الله تعالى.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا