اللواء محمد بن محمد صلاح الدين .. فارس يماني يترجل عن صهوة جواده!!
في لحظات كئيبة من الذهول يطغى ويخيم عليها الشعور بالصدمة والمرارة وهول الفاجعة ويسودها جو من الصمت الرهيب ومنطق الحزن والألم والدهشة الذي يفرض نفسه على كل شيء فيها وعلى من يعيشونها والذهول والوجوم.
والعبوس لسان حالهم في حضرة مصاب جلل حضر خلالها وبقوة وألقى بظلاله القاتمة عليها , نبا إلى مسامعنا حيارى محزونين كالصاعقة نبأ رحيل اللواء المناضل الجسور محمد بن محمد صلاح الدين , الذي غيبه عنا الموت.فجر السبت في احد مستشفيات صنعاء إثر مرض عضال ألم به بعد رحلة كفاح ونضال طويلة دامت تسعة عقود من الزمن عاشها الرجل صوالا.جوالا في ميادين النضال والكفاح الكثيرة التي عرفته في فترات مختلفة من تاريخ اليمن الحديث منذ انخراطه في صفوف القوات المسلحة والأمن قبل أكثر من خمسة عقود .
ويعد اللواء المناضل محمد بن محمد صلاح الدين المولود في محل علول بعزلة دمام من مديرية جبل الشرق - آنس بمحافظة ذمار عام 1937 م , من الضباط القلائل ومن الرعيل الأول الذين كان لهم شرف صنع فجر السادس والعشرين من سبتمبر 1962 م , وممن أسسوا النظام الجمهوري في اليمن وأنتصروا في أحلك الظروف وأصعب وأدق المراحل التاريخية الفارقة لإرادة الشعب اليمني الحرة ولبوا نداء الواجب الوطني بلا تردد أو تخلف أو بخل , وظلوا على عهدهم ووعدهم حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم الحافلة بالعطاء والتضحيات الجسام وله رصيد من النضال والكفاح الذي نذروه خالصا لهذا الوطن والشعب بمنتهى الجود والسخاء والإيثار .. ورحيل هامة وطنية كاللواء محمد بن محمد صلاح خاصة في مثل هذه الظروف العصيبة والإستثنائية التي يمر بها الوطن اليوم في ظل ظروف الحرب والعدوان التي تقوده وتموله على اليمن منذ أكثر من ست سنوات مملكة آل سعود , يعد خسارة فادحة للوطن وكل أبنائه لاسيما الجيل الذي عرف منهم فقيد الوطن الغالي اللواء صلاح وما قدمه من تضحيات من أجل حرية واستقلال وطنه ورفعة شأنه خلال الستة العقود المنصرمة التي خدم فيها الراحل في السلك العسكري كضابطً , وقائد عسكري أوكلت وأسندت إليه العديد من المهام التي أداها بإقتدار ونجاح في فترات مختلفة من تاريخ اليمن الجمهوري على سبيل التحديد والمثال .
ولم يكن فقيد الوطن الغالي اللواء محمد صلاح ممن يتجمجمون ويترددون قط عن اداء الواجب الوطني في مختلف الظروف والمراحل , وقد سطر رحمه الله ملاحم وطنية في السنوات الأولى لإندلاع شرارة الثورة اليمنية وكان أحد رموزها وأبطالها ويعد واحدا من مؤسسي الجيش اليمني الحديث وبناة قواته المسلحة وأحد أعلام النضال والكفاح الوطني الذين لايشق لهم غبار .
الجدير بالذكر أن الوالد اللواء المناضل محمد بن محمد صلاح الدين الذي أنتقل إلى جوار ربه فجر السبت بصنعاء إثر مرض عضال ألم به وهو في العقد التاسع من عمره تربطني به وبأسرته الكريمة علاقات وطيدة وحميمة وقد عرفته منذ الصغر بحكم انتمائي أنا وهو إلى منطقة واحدة .
وكان رحمه الله يشدني ويبهرني كثيرا بهندامه المميز ومظهره الجذاب وبرستيجه الذي ظل محافظا عليه حتى النفس الأخير , وكنت أجد نفسي دائما منجذبا بإنبهار وإعجاب إلى شخصيته الكارزمية القوية , وأكبر في هذا الرجل الإستثنائي شجاعته وقوة شكيمته وجرأته في قول الحق ومناصرته له في مختلف المواقف والظروف غير مداهن ولا مجامل أو يخشى لومة لائم وبدا لي كل ذلك جزء من طبيعته وسجاياه وخلاله الحميدة أو ضمن مبادئه السامية التي عرف بها وظل متمسكا بالالتزام بها , بل إنها تعتبر بحق شيمة خاصة به وله.
وكنت أنظر إلى فقيد الوطن اللواء محمد صلاح دائما بإعجاب وإكبار وأخصه بالإحترام والتقدير .لاسيما وقد تميز الرجل بما لم يتميز به أقرانه في كل شيء وبدا بذلك فريد عصره ونسيج وحده ووحيد زمانه بمميزات وصفات عدة تحمد له .
فضلا عن.ذلك فمن عاش في تعز خلال فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي لايمكن أن يجهل اللواء محمد صلاح الذي كان منزله بحي المطار القديم مقصدا لأبناء منطقته ذمار وغيرهم من أبناء المحافظات الأخرى , حيث كان ملجئا للكثيرين ممن يقصدونه إلى بيته بتعز ليساعدهم في حل مشاكلهم واصلاح ذات البين بينهم , وكان الرجل مبادرا إلى ذلك وبحماس شديد حتى ذاع صيته في أرجاء الحالمة تعز وغيرها كمصلح اجتماعي وحلال للمشاكل بين المتخاصمين في فترة ضعفت فيها الدولة والقبيلة معا عن اداء مهامها المناطة في هذا الجانب ووجدته رحمه الله أنسب من سد الفراغ وقام بمهام الإصلاح بين الناس بكفاءة وإقتدار ونزاهة .
ومن.عرفوا محمد صلاح لايمكن إلا أن يقولوا : رحم الله الرجل كم له من أفضال على الناس ? وهو الذي ظل حتى المحطة الأخيرة من حياته باذلا لخدماته للناس , متكفلا بحل مشاكلهم واصلاح ذات بينهم , ثم إن رحيل مثله وأفوله كنجم.خسارة عظيمة على الجميع ومثله لايمكن أن يعوض أو يقاس ويقارن بغيره.
فأي مناضل ورمز وطني وفارس يماني جسور وشجاع كمي ترجل عن صهوة جواده وغاب عن أعين رضانا ?!..
العزاء لنا جميعا وللوطن ولأسرته الكريمة وأبنائه النجباء ابتداء بنجله الأخ العزيز العميد عبدالله محمد صلاح وانتهاء بأصغرهم سنا بوفاته وغيابه عنا ورحيله بصمت منتقلا إلى رحمة الله وجواره الذي أختاره , وعلى مثل من فقدنا تبكي البواكي وسلام الله على روحه الطاهرة !.