نافذة:نحتفل بالاستقلال في ظل الاحتلال ..!
يصادف اليوم الاثنين الموافق 30 نوفمبر 2020 م مرور 53 عاما على خروج آخر جندي بريطاني من عدن .. لكن من المؤسف ان نحتفل بهذه الذكرى المجيدة وقد أعاد العملاء والمرتزقة بريطانيا الى الجنوب اليمني
من النافذة عبر ادواتها في المنطقة ممثلة في السعودية والإمارات بعد ان كان الوطنيون الأحرار قد أخرجوها من الباب الواسع تحت ضغط الكفاح المسلح ومقاومة الاستعمار البريطاني بفضل الخلفية النضالية التي وفرتها لهم ثورة 26 سبتمبر بعدقيامها في صنعاء عام 1962 م .. وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه : كيف يرضى المناضلون الذين ما يزال الكثير منهم على قيد الحياة أمد الله في اعمارهم بهذا الوضع القائم ولا يعترضون عليه حتى ببيان استنكار بل وصل الحال ببعضهم ان رضوا بالعيش تحت كنف الدول المحتلة للمحافظات الجنوبية التي أصبحت فنادقها تعج بهم لاسيما في الرياض وأبوظبي ولندن وهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل اخراج المستعمر البريطاني من جنوب اليمن وطرد أذياله الذين كانوا يتعاونون معه وكونوا دولة بعد خروج المستعمر استطاعت ان توحد 22 محمية وسلطنة تحت علم واحد هو علم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية والتي تغير اسمها فيما بعد الى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وظلت هذه الدولة الفتية على مدى اكثر من عقدين من الزمن تشكل مصدر ازعاج للدول الرجعية المرتمية في حضن الامبريالية خاصة السعودية التي كان يصفها الاعلام التقدمي في عدن بالعدو التاريخي لليمن الطبيعية شمالا وجنوبا.
فليس من المعقول ان يقبل المناضلون الأحرار على أنفسهم وهم من وقف في وجه الاستعمار البريطاني وقاوموه حتى جعلوه يرحل ان تحتل بلدهم من جديد خصوصا انهم يعلمون الحقيقة التي لا تقبل الجدل والتي نقف أمامها للتأمل والمتمثلة في أن هناك توجهاً إقليمياً ودولياً يمنع اليمنيين من بناء دولتهم القوية الحديثة .. وهو توجّه ليس بالجديد لأن من يعود إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي ويستقرئ ما مرّ به الوطن العربي من أحداث في تلك الفترة سيعرف السبب المباشر الذي جعل قوى إقليمية ودولية لا تسمح ببناء دولة قوية وحديثة في اليمن وتريد له ان يظل ممزقا وأهله يتصارعون فيما بينهم تحت ذرائع وحجج واهية تزرع الأحقاد في النفوس ضد بعضهم البعض.
وهنا لن نتحدث عن الفترة التي أعقبت قيام ثورة 26 سبتمبر و 14 أكتوبر قبل مايقارب ستة عقود وتحوّلت حينها الساحة اليمنية إلى ساحة صراع لتصفية حسابات سياسية بين قوى إقليمية ودولية دفع اليمنيون ثمنها باهظاً ولم يتوقف ذلك الصراع المرير إلا عقب نكسة يونيو - حزيران عام 1967 م وبعد تحقيق المصالحة الوطنية التي أجهضت وهج الثورة والجمهورية وتجمدت عندها أهدافها الستة لتبقى حبراً على ورق إلى يومنا هذا ولم يتبق من الجمهورية إلا اسمها نرفعه كشعارونزايد به ونحن لم نطبّق دولته على أرض الواقع كما أراد لها أن تكون ثوّار سبتمبر وأكتوبر قبل أن يستولي على ثورتهم ثوّار ما بعد الثورة كما أكد ذلك القاضي عبد الرحمن الإرياني، رحمه الله في مذكراته والذي قال حرفيا : ( لقد ثرنا على امام واحد وأتينا بأربعين امام أي صرفناه مثل الريال الفرانصي اربعين بقشة ) وحتى نوضح اكثر الأهمية التي يكتسبها موقع اليمن الجغرافي واستقلال دولته نشير الى انه في حرب 6 أكتوبر عام 1973 م التي خاضها الجيشان العربيان المصري والسوري ضد الجيش الصهيوني وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين خلال الساعات الأولى من بدء الحرب كانت القيادة المصرية آنذاك قد نسّقت مع القيادتين في شطري اليمن سابقاً لإرسال قوات بحرية مصرية للسيطرة على مدخل مضيق باب المندب الذي تشرف عليه اليمن لمنع أية سفينة متجهة إلى إسرائيل فتم حصارها تماماً وقد شكّل ذلك الحصار ضربة قوية لإسرائيل جعل القادة الصهاينة يومها يتوقفون عن المطالبة بأسراهم من الضباط والجنود وما أكثرهم وتفرغوا لممارسة الضغوطات والتفاوض من أجل فك الحصار المحكم عليهم من مضيق باب المندب الذي تشرف عليه اليمن .. وبعد فك الحصار جعلت إسرائيل اليمن وباب المندب تحديدا من أهم قضاياها الاستراتيجية حيث ظلت عينها منصبّة على اليمن تراقبه.. وعندما شعرت أن هناك توجهاً لبناء دولة حقيقية في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي قامت إسرائيل عام 1976 م بتوجيه ضربة جوية إلى باب المندب وهو الأمر الذي جعل الرئيس إبراهيم الحمدي يدعو إلى عقد مؤتمر عاجل للدول المطلة على البحر الأحمر ، وقد تم له ذلك حيث عقد المؤتمر في تعز بحضور رؤساء السودان والصومال وشطري اليمن سابقاً وأمتنعت السعودية عن الحضور .. وكان هدف هذا المؤتمر هو جعل البحر الأحمر بحيرة عربية والوقوف ضد محاولات الهيمنة للسيطرة على مضيق باب المندب من قبل الدول الاستعمارية خاصة بعد الضربة الجوية الإسرائيلية .. وقد عجّل ذلك التوجه بالتخلّص من الرئيسين الشهيدين إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي في أقل من عام كل على حده بسبب سياستهما ومبادئهما الوطنية والتي اعتبرتها إسرائيل والدول الكبرى تجاوزاً للخطوط الحمراء.
ومن يومها تم اتخاذ قرار خارجي يجعل من اليمن دولة تقودها القوى التقليدية والمشيخية التي ليس لديها مشروع سوى التصارع على مراكز النفوذ ونهب ثروات الشعب اليمني وخيراته وارتباط هذه القوى بالخارج ليسهل السيطرة على اليمن شعبا وقيادة .. وكان الاخوة في قيادة الشطر الجنوبي سابقا هم اكثر وعيا بهذه الحقيقة فازدادت مقاومتهم لهذا التوجه حفاظا على سيادة اليمن واستقلاله .. لكن مع الأسف الشديد جاء جيل جديد في الفترة الأخيرة ليرتمي في احضان العدو التاريخي لليمن ويرضى باحتلال جزء من بلده ضاربا بتضحيات الأباء والأجداد عرض الحائط .. ولولا ان ثورة 21 سبتمبرالشعبية وقفت في وجه العدوان الكوني الذي تم شنه على اليمن وشعبه العظيم وما يزال مستمرا للعام السادس على التوالي والا لكان اليمن بالكامل قد اصبح محتلا من قبل اناس هم اعجز عن الدفاع عن أنفسهم لأنهم أساسا يستعينون بمن يحميهم ويحمي انظمتهم وحدودهم وهذا عيب في حقنا كيمنيين ان نسلمهم رقابنا ونسمح لهم باحتلال بلدنا ونحن اصحاب التاريخ العريق وما يؤسف له اكثر ان نتحدث عن الاستقلال في ظل الاحتلال .