حديث الإثنين: فتنة «2» ديسمبر الموءودة
أعترف بأني كنت من الذين طبلوا للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح كوني كنت من المقربين إلى مطبخه الإعلامي .. وكنت مثل غيري نحسن الظن فيه حتى ثبت العكس ومع ذلك كانت لي مواقف معارضة لسياسته لاسيما فيما يتعلق باعتماده على بطانة سيئة تزين له كل شيء حتى لو لم يكن جميلا ..
وآخر موقف لي معارض ومنتقد له شخصيا ولسياسته تمثل في مقال نشرته في صحيفة "26" سبتمبر يوم 7 إبريل 2011 م بعنوان : اختصار للحقيقة المغيبة وقد أعادت نشره صحيفة الجمهورية التي كانت تصدر في تعز وهو ما يزال في أوج قوته ذكرت فيه بكل صراحة انه لا يحسن التعامل مع قضايا الوطن وخاصة تعامله مع شباب الساحات الذين خرجوا يطالبون بإسقاط نظامه وانه يعتمد على ما تزين له بطانته .. وذكرت أيضاً كيف أن سلطان البركاني أعلن عن تصفير العداد بحيث يصبح مخلداً في الحكم وإقصاء كل القوى السياسية الأخرى .. وقد دفعت الثمن غاليا حيث تم استبعادي من العمل وأقصيت منه لمدة ثمانية أشهر ولم اعد إليه إلا بعد أن تغيرت قيادة دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة وقيادة تحرير صحيفة 26 سبتمبر .
على العموم من خلال متابعتي للأحداث منذ منتصف التسعينيات إلى أن انتهت بفتنة 2 ديسمبر عام 2017 م ومقتل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح أستطيع التأكيد أن علي صالح كان يعتمد في تصرفاته على حسابات فلكية لأنه كان يؤمن بالتنجيم حتى من قبل أن يصل إلى رئاسة الجمهورية .. وبعد نجاحه في شق حزب الحق عقب حرب 1994 م المشؤومة بحجة أن رئيسه القاضي احمد محمد الشامي رحمه الله وقف الى جانب علي سالم البيض وغرر على مجموعة من الشباب للانشقاق عنه ثم بعد ذلك تشكلت ما عرف بجماعة الشباب المؤمن بقيادة الشهيد حسين بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليه وأستغلهم في صراع مذهبي لإضعاف جماعة الشيخ مقبل الوادعي في صعدة المدعومة سعوديا فلت الزمام من يده لأنه أصبح يلعب لعبة خطرة لم يعد يوجد لها طرف يتمسك به وهذه طبيعته في إذكاء المشاكل والفتن بين المشايخ والقوى السياسية وكل من يشعر انه قد أصبح له ثقلا يمكن ان يؤثر عليه .. ولذلك فقد كان يقود هو بنفسه الخطاب الإعلامي ضد مناوئيه وما على المطبخ الإعلامي إلا أن ينفذ دون مناقشة بما في ذلك من تم الاعتماد عليهم من الكتاب العرب للإشراف على دسك اليمن في الخارج عبر مختلف الوسائل الإعلامية التي تم تخصيص موازنة لها بعملة الدولار لتمجيد سياسته وجعله بطلاً قومياً لاسيما عندما كان يزايد حول القضية الفلسطينية ويقدم المبادرات للم شمل العرب وجعل القمم العربية دورية .
تقوت جماعة الشباب المؤمن بفضل فكر قائدها الشهيد حسين بدر الدين الحوثي ودعوته لتحرير القرار السياسي اليمني من الارتهان للخارج وبناء دولة وطنية حديثة تعتمد على نفسها وعلى ثروات الأرض اليمنية المعطاة وهذا التوجه الوطني أزعج القوى المهيمنة على القرار السياسي اليمني وفي مقدمتها أمريكا والسعودية وبدأت الضغوطات تمارس على الرئيس الأسبق للتخلص من هذه الجماعة قبل أن تتقوى أكثر وأكثر ويلتف الشعب اليمني حولها .. فما كان منه أولاً إلا أن ذهب إلى عرافة في تعز فقالت له : ستخرج جماعة من شمال اليمن وتحديدا من صعدة وستدخل معها في حرب وستنتهي أنت ونظامك على يدها ولأنه يؤمن بالتنجيم فقد أخذ هذا الكلام على محمل الجد واعتقد أن جماعة الشباب المؤمن هي المقصودة بذلك فأستخدم كل الوسائل للقضاء عليها ولكنها كانت تزداد قوة حتى بعد استشهاد قائدها ومؤسسها .. ومن المفارقات العجيبة انه قبل اندلاع الحرب الأولى في صعدة عام 2004 م كنت في مهمة إعلامية في السعودية وكانت ملازم الشهيد حسين الحوثي قد بدأت تنتشر رغم حظرها وتسرب الكثير منها إلى العلماء السعوديين الذين كانوا منزعجين منها ويراهنون على جماعة الشيخ الوادعي في صعدة للوقوف ضد جماعة الشباب المؤمن الذين كانوا يعتبرون إن فكرها مستورد وأنها تروج للمذهب الإثني عشري على حد زعمهم .. يومها دعيت إلى مأدبة عشاء حضرها بعض العلماء وأثناء تناول الطعام كانوا يستفزونني بأسئلة حول ما يجري في صعدة وكنت حذرا من الجدال معهم في هذا الجانب .. وفجأة سمعت احدهم يقول : الحمد لله أن هذه الجماعة خرجت في هذا الوقت المبكر للقضاء عليها فانتبهت وقلت له : ماذا تقصد .. فقال : عندنا في الكتب القديمة انه في آخر الزمان ستخرج فئة من شمال اليمن ثم رفع إصبعه السبابة وقال سيكون لها شأن عظيم وسنختلف معها عقائدياً ونحاربها ونعتقد أنها جماعة حسين الحوثي .. لم أكترث كثيراً بما قال لكن بعد عودتي إلى اليمن ومتابعتي للحروب الستة في صعدة التي شاركت فيها السعودية بكل ثقلها واستخدمت حتى الأسلحة المحرمة دوليا ولم يتم القضاء عليها .. هنا صدقت ما ذهب إليه الرئيس الأسبق وكذلك ما كان يعتقده السعوديون وآمنت بأن نصرا إلهيا سيتحقق لإنقاذ اليمن من هيمنة الخارج وأن علي عبد الله صالح كان مؤمناً فعلاً بتلك الحسابات الفلكية ولذلك فقد حاول المستحيل لاختراق مكون أنصار الله للتآمر عليه من داخله ولكنه لم يفلح حتى وهو متحالف معهم في المجلس السياسي الأعلى فكانت آخر ورقة انتحارية لجأ إليها لعل وعسى هي إعلان الحرب عليهم متحالفا مع أعداء اليمن التاريخيين يوم 2 ديسمبر 2017 م فخسر نفسه وخسر ما تبقى من نظامه لينتهي إلى الأبد ويرتاح الشعب اليمني من مراوغاته .. أما السعودية فلا تزال مصرة على استمرار عدوانها ضد اليمن وشعبه العظيم وهي تعرف رغم مكابرتها بأن مصير نظامها لا يستبعد أن يكون مثل مصير نظام علي عبدالله صالح .. وهناك نبوءة تقول : بأن النظام السعودي سيسقط مائة في المائة والمقدمات خير شاهد على ما يقدره الله للانتقام من الظالمين حيث لكل ظالم نهاية .