البحر الأحمر وباب المندب نعمة الجغرافيا.. أم لعنتها؟!
سيظل الساحل الغربي لليمن مطمعاً للغزاة والمتآمرين والطامعين .. فهي في ذات الوقت نعمة الجغرافية ولعنتها في آنٍ واحد..
فهذه الإطلالة المهمة والإستراتيجية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، وعلى أهم مجرى ملاحي عرف على ر مدى التاريخ والعصور.
وكانت مثار اهتمام الإمبراطوريات والقوى الدولية الكبيرة ودول النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي.. وهذه شهادة التاريخ المدون والتاريخ المروي شفاهة وفي ذاكرة الدول العظمى وإمبراطورياتها الممتدة عبر حقب التاريخ.. فمن هنا مرت سفن اليونانيين والبريطانيين والبرتغاليين والفرنسيين والألمان، ومن هنا تواجدت سفن الدول الآسيوية الكبيرة- تجارة ونفوذاً.. ومن هنا امتدت الأطماع الأمريكية التي سعت الى إزاحة الجميع والاستئثار بالنفوذ العسكري والجيوستراتيجي والنفوذ الاقتصادي في العالم من خلال المجرى الملاحي للبحر الأحمر.. وتحت المظلة الأمريكية توسع النفوذ الصهيوني سواء العسكري أو التجاري أو الملاحي..
ومن هنا وإلى هنا وصلت سفائن الصين والهند وأخيراً اليابانيون الذين وضعوا البحر الأحمر في عمق اهتماماتهم الإستراتيجية.. ومؤخراً كان للروس حضورهم في هذا المجرى الملاحي الذي يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب.. هذا المجرى الملاحي بقدر ما يمثل نعمةً عظيمةً من الخالق الكريم وحلقة وصل تجارية وملاحية المفروض ان تفيد دوله المطلة عليه, تحول الى لعنة جغرافية حملت الى دوله والى مشاطئيه لعنات التدخلات السافرة وتدافعت إليه كل الأطماع، وتحول البحر الأحمر الى بؤر من الصراعات الدامية والمحتدمة وبالتالي أوجدت هذه الصراعات بؤراً من النفوذ الإقليمي - امتد من النفوذ الإثيوبي قبل ان تنكمش أثيوبيا الى الداخل جراء استقلال اريتريا عنها وجراء تنامي النفوذ الدولي في جبوتي، وفي الشمال الصومالي وفي الجزر القريبة من مداخل البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب.. ومن المؤلم جداً ان تصل أضرار هذا المجرى الملاحي الى تدخلات سافرة من الأعراب الأجلاف من أبو ظبي ومن الرياض ومنهما يتغلغل النفوذ الصهيوني الذي تضاعفت مخاطره مؤخراً حتى تواجد في جزر وأرخبيلات البحر الأحمر من شمال هذا المجرى الملاحي حتى مداخله الجنوبية.. ومن المؤسف والثقيل على القلب ان يصبح هذا البحر مرتعاً ومنطقة جيوبو لتيكية للإطماع الصهيونية الخطيرة.. ولم يأت من فراغ أن يسمى هذا المجرى الملاحي البحري بحيرة صهيونية حيث تفرض البحرية الصهيونية نفوذها عليه بماركة أمريكية وبريطانية وبإسناد سعودي وإماراتي..لذلك فإن لعنة الجغرافية قد أحاطت بهذا البحر المغلق الواسع والممتد في آن واحد من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب بحيويته وأهميته وأبعاد النفوذ المتصارع عليه وحوله.. وغير خاف على متابع حصيف ما قامت به الرياض من استحواذ على جزيرتي صنافير وتيران في شمال البحر الأحمر وكذا استحواذها على أرخبيلات بحرية أخرى منها جزر فرسان وغيرها.. ووصل الأمر ان تمكنت الأذرع الإماراتية وكيلة الصهيونية في المنطقة من الاستحواذ على أرخبيل حنيش وزقر وعلى جزيرة ميون وجزيرة سقطرى وبذلك تكون الصهيونية قد استكملت حلقات سيطرتها الكاملة على البحر الأحمر مما ينذر بدخول المنطقة حالة مضطربة من الصراعات ومن التنافس ومن الفوضى الخفية والمعلنة، ومن الاستقطابات وهذا ما نراه في التدافع الدولي نحو البحر الأحمر سواء من الروس أو من العثمانيين الجدد أو من البريطانيين أو من الصين التي وجدت لها مساحة من التواجد في تسهيلات للمهمة في جبوتي.. بمعنى ان الإعداد لمسرح صراع قادم وراهن يجري على قدم وساق والنشاطات الاستخباراتية الإقليمية والدولية متواصلة دون توقف وان ذرائع التدخلات قائمة بدءاً من توليد حالات من القرصنة بكل مستوياتها الى الاتجار بالبشر وتهريبهم الى نشاطات المنظمات الإرهابية من داعش وقاعدة وإخوانهما والتي تجري استنساخها بصمت وريبة في قادم الأيام.. وقد بدأت تلوح في آفاق الصراعات الدولية والإقليمية في هذا المجرى الملاحي ملامح صراع قادم مدمر ومميت، وما نراه من عدوان على اليمن من أهدافه الرئيسية استكمال حلقات السيطرة على المنافذ البحرية المطلة على هذا المجرى الملاحي الحيوي- البحر الأحمر ومضيق باب المندب.. ومن غير المستبعد ان نشهد نفوذا أوروبياً عسكريا من خلال الاتحاد الأوربي الذي سوف يسعى الى إيجاد موطئ قدم له وتحديداً الدور الألماني القادم أو نرى اندفاعاً آسيوياً عنوانه اليابان وكوريا الجنوبية والهندية والباكستانية التي يمثل لها البحر الأحمر فضاء جيوبولوتيكيا غاية في الأهمية والحيوية وخاصة بعد أن بدأت تلوح في الأفق اهتماماتهم ولاسيما بعد ان تأكد لها ان الأتراك لهم تحركاتهم المريبة والباحثة عن السيطرة أو تواجد دور استرالي من خلال المظلة البريطانية..
(نواصل في الحلقات القادمة قراءة هذا الملف)..