بوح اليراع:تحيُّزات «الناتو» الفجَّة ومعاييره المزدوجة
بالرغم من حداثة المسميات، فإن العالم الغربي ما يزال متخندقًا في خندقه التعصبي الصليبي. فقد تأسس التكتل العسكري «الأوروأمريكي» المسمى «حلف شمال الأطلسي»
المنضوية تحت قبته «الماسوصهيونية» أغلبية البلدان الغربية الصليبية على أساس من العصبية العرقية والدينية التي يُضحى -في سبيل التحيُّز لها تحيُّزًا مفرطًا في الأنانية- بكافة القيم والمبادئ الإنسانية التي تُتخذ مجرد شعارات مفرغة من المحتوى تتوارى أنظمة هذا التكتل خلفها كلما اقتضت مصالحها إسقاط نظام حكمٍ بالغَ في الاستعصاء عن الاحتواء.
وهو من منطلق تعصبه العرقي والديني يتعامل بمعايير مزدوجة سواء مع الأنظمة المحسوبة ضمن قوامه أو مع أنظمة لم تزل خارجه، فبالإضافة إلى ما ثبت -على مدى سنواتٍ من تسعينيات القرن الماضي- من استخفاف الحلف بل الأحلاف بالدم «البوسني» بفعل التأثير الخطير للعامل الديني، نتبين استمرار التعاطي النفاقي واللاأخلاقي لـ«حلف شمال الأطلسي» من منطلق ديني عبر نظرة متأنية إلى ما يلي:
1 - خذلان تركيا العريقة العضوية فيه:
لعل انتشاء الدب الروسي الناتج عن التفرد في التعربُد في النطاق الجغرافي للقطر العربي السوري قد حمله على التخبط وانتهاك سيادة بعض بلدان شرق المتوسط، من ذلك الانتهاك ما حدث-في 24/11/2015- من اختراقٍ مقاتلة روسية للمجال الجوي التركي وعدم اكتراثها بالتحذيرات التي أطلقها ضباط المراقبة الأتراك، فلم تجد الدفاعات الجوية التركية بدًّا من إسقاطها، فدخلت علاقة أنقرة بموسكو في تأزم صاحبهُ تقاطع كاد يتطور إلى صراع أو تصارع على نطاق واسع، وفي غضون ساعتين أو أقل من حدوث الحدث الجلل كانت أنقرة -بالاتكاء على عراقة عضويتها في «الناتو»- قد أبلغت مقر الحلف في العاصمة البلجيكية بروكسل بما يحصل، ومع أن الحلف قد عقد قمة طارئة في الحال، فقد جاءت نتائج تلك القمة التي عقدت بناء على طلب تركي شديد الاستعجال مخيبة للآمال، إذ لم تحوِ أي مؤشر على إمكانية تفعيل جانب الدفاع المشترك إذا فرض على تركيا خوض أيِّ معترك.
وإزاء ما منيت به أنقرة في هذا الشأن من قبل الحلف من خذلان ظاهر للعيان، وبعد أن تأكدت أن «الناتو» يتعامل مع قضايا الدول الأعضاء وفق معايير شتى بواعث فعاليتها دينية وعرقية بالدرجة الأولى، رمت القيادة التركية بكل ثقلها للعمل -وببراعة سياسية استثنائية- على تلطيف الأجواء مع نظيرتها الروسية، فلم تلبثا أن توصلتا -بصورة ثنائية- إلى حلول منطقية لتلك الإشكالية، مؤسستين -في ذات الحين- لمرحلة جديدة من التعاون المثمر والفعال، لما من شأنه تخييب مساعي وآمال الأطراف الدولية التي دفعت بالبلدين إلى حافة الاقتتال.
2 - دعم فنلندا والسويد ضد أيِّ تهديد:
مع ما نال البلدان الإسكندنافيان السويد وفنلندا -طيلة فترة حيادهما- من احترام روسي لسيادتهما، فإن الهجوم الروسي الأخير على أوكرانيا أثار قلقهما من أن يكونا هدفًا بوتينيًّا قادما، فسارعا في التقدم بطلب الانضمام إلى «الناتو» الذي ما يزال البت فيه معلقًا بسبب ما اتخذته أنقرة ضده من فيتو.
ومع أن الحماية العسكرية من حلف «الناتو» -وفقًا لنصوص ميثاق تأسيسه- مكفولة -فقط- للبلدان الأعضاء، ولم يشمل بند الحماية أيَّ بلد مرشح للانضمام، فقد سارع الحلف -انطلاقًا من اعتبارات عرقية ودينية- إلى التعهد للقطرين الإسكندنافيين بالحماية قبل حصولهما على العضوية التي ما تزال المشاورات في إمكانية تمتعهما بها في طور البداية، وفي هذا المعنى ورد في سياق تقرير إخباري بعنوان [تركيا تساوم فنلندا والسويد على انضمامهما لحلف «الناتو»] نشره موقع «Middle East Online» يوم الأحد الـ15 من مايو الجاري النص الآتي: (وخلال الفترة الانتقالية الممتدة بين طلب الترشح والانضمام والتي تستمر عدة أشهر، أبدى الحلف استعداده لتعزيز الضمانات الأمنية للبلدين من خلال ترسيخ وجود «الناتو» فيهما).
كما تأكد المعنى بنبرة أشد في سياق مقالٍ تحليلي للكاتب الصحفي «عبدالناصر العايد» بعنوان [من يشتري الفيتو التركي على انضمام السويد وفنلندا للناتو؟] نشر في موقع «المُدن» يوم الأحد الموافق 22 مايو الجاري من خلال ما يلي: (وحتى يحين موعد الاستحقاق النهائي، أي التصويت بنعم أو لا، فقد تعهدت عدد من دول الحلف، بالدفاع عن السويد في المرحلة الانتقالية، فيما لو شنت روسيا هجومًا انتقاميًا. فأصدرت النرويج والدنمارك وأيسلندا، بيانًا مشتركًا لإعلان الالتزام بالدفاع عن الدولتين المرشحتين خلال مرحلة الانتظار، فيما وقع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اتفاقيات أمنية مع البلدين تُلزم بلاده بتقديم المساعدة التي يطلبانها إذا ما حدث هجوم عليهما.
ودعمًا لدول الحلف التي تعهدت بمساعدة السويد، أعادت واشنطن نشر قوة كانت تتمركز في إيطاليا، وأرسلتها إلى دول البلطيق، ودعمتها بطائرات F-35 المتطورة وحوّامات أباتشي الهجومية، كما ضاعف «الناتو» حجم قواته في إستونيا وبلغاريا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا ولاتفيا وليتوانيا. ما يعني دخول «الناتو» حربًا محتملة دفاعًا عن السويد وفنلندا).