كتابات | آراء

حديث الإثنين: مشروع اليمن الوطني

حديث الإثنين: مشروع اليمن الوطني

أتاحت لي فرصة قراءة الجزء الثالث من مذكرات القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله التعرف على تاريخ مرحلة مهمة من تاريخ الشعب اليمني المعاصر

وإن كان ما يتعرض له الوطن اليوم من عدوان غادر يشكل امتداداً لتلك المرحلة لاسيما وأن المتسبب في معاناة اليمنيين هو طرف واحد يتمثل في الجارة الظالمة السعودية ومن ارتموا في أحضانها من العملاء والمرتزقة المحليين ، وما تضمنه الجزء الثالث من مذكرات القاضي الإرياني يعتبر شهادة حق من عالم وسياسي محنك وضعته الأقدار ليكون الرجل الأول في اليمن فترة سبع سنوات تعامل خلالها مع كل المتناقضات ورفض الوصاية الخارجية على الشعب اليمني رغم كلما كان يمارس عليه من ضغوط داخلية وخارجية لدرجة أنه فضل أن يقدم استقالته على أن يبقى دمية في يد الخارج  ويكون اليمن  مقاطعة تابعة  للنظام السعودي وقبل ذلك كان قد عاصر كل مراحل النضال الوطني السابقة وتعرض للسجن ورفع السيف من على رقبته بعد أن كان مسلطاً عليها لقطعها ولم يثنه كلما مربه من أحداث ومواقف عن قول الحقيقة بإنصاف وأن يكشف ما كان يتجنب الآخرون قوله خشية من إحراج هذا الطرف أو ذاك وافتقارهم لشجاعة قول الحقيقة وعليه فإن ما سأتناوله في مقالي هذا الأسبوع قد يكون له ارتباطاً بالمراحل التي مر بها الشعب اليمني خلال العقود الماضية.
لوعدنا قليلا إلى الوراء ووقفنا أمام الحركات الوطنية وكيف انطلقت وما تلاها من ثورات لوجدنا أنها كانت بإيعاز خارجي ولم تكن يمنية خالصة تترجم إرادة شعبية ولذلك لم يكتب لها النجاح لأن أغلبية أبناء الشعب اليمني كانوا يقفون ضدها ، على سبيل المثال  الحركة الوطنية التي أسسها مجموعة من الرعيل الأول في عدن ضد حكم الإمام يحيى حميد الدين رحمه الله وكان على رأس هذه الحركة الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان والأمير إبراهيم ابن الإمام يحيى هذه الحركة انطلقت من عدن وتبنتها بريطانيا التي كانت تحتل الجنوب اليمني ودعمتها بهدف إسقاط حكم الإمام يحيى حميد الدين لأنه رفض أن يعترف لها باحتلال عدن وقد تمخض عن هذه الحركة التي كانت تسمى وطنية انقلاب فبراير عام 1948م الذي بدأ بقتل الإمام يحيى وبعض الأمراء من أبنائه وأحفاده ورئيس وزرائه عبد الله العمري وتزعمها عسكريا الضابط العراقي جمال جميل وكان مفتيها الإخواني الجزائري الفضيل الورتلاني وتم تنصيب عبد الله الوزير إماماً دستورياً خلفاً للإمام يحيى ، لكن لأنها حركة ارتبطت بالخارج وتحديدا بجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي كانت عينها حمراء على اليمن ومتحالفة مع الملك السعودي عبدالعزيز فلم يكتب لها النجاح فقد استطاع ولي العهد أحمد حميد الدين أن ينطلق من تعز ويحاصر صنعاء ويسقط الانقلاب في أقل من شهر ونصب نفسه إماما وملكا على اليمن .
وفي العام 1955م اعتدى الجنود في تعز على المواطنين فقام الإمام أحمد حميد الدين بمعاقبتهم فأعتبر العقيد أحمد الثلايا ذلك إهانة للعسكر وهو الأمر الذي دفعه للتنسيق مع الأمير عبد الله بن يحيى حميد الدين المدعوم أمريكياً للقيام بانقلاب على الإمام أحمد وإجباره على التنازل لأخيه عبد الله وقد نجح الانقلاب في تحقيق هدفه حيث تم انتزاع التنازل من الإمام أحمد وتنصيب عبد الله إماما وملكا ولكنه لم يصمد إلا ثلاثة أيام وتم إفشاله وبقية القصة معروفة ,وفي عام 1961م كان ضابط مستشفى الحديدة العلفي مصاباً بمرض استعصى علاجه في اليمن فطلب من الإمام أحمد منحة علاجية إلى إيطاليا ولكن الإمام لم يلبي له طلبه فحقد عليه وأتفق مع زميلين له هما اللقية والهندوانة لإطلاق الرصاص على الإمام أحمد أثناء زيارته لمستشفى الحديدة وقد أصيب إصابة مباشرة ظل الإمام أحمد يعاني منها حتى توفاه الله في تعز يوم 19سبتمبر عام 1962م  وقد تم القبض على الهندوانة واللقية وتمت محاكمتهما وإعدامهما أما العلفي فقد انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه ، وفي يوم 26سبتمبر عام 1962م قام الضباط الشباب بانقلاب على الإمام محمد البدر في صنعاء الذي خلف والده ملكا على اليمن ولم يمر على توليه الحكم سوى أسبوع واحد وقد تحول هذا الانقلاب إلى ثورة بعد مشاركة الجماهير فيها ,لكن الإعدامات العشوائية لرجالات اليمن وبدون محاكمة التي شهدتها الأيام الأولى للثورة لمن كانوا يعتبرونهم رجالات العهد البائد وهي صفة أو تهمة تنطبق حتى على الثوار أنفسهم فقد كانوا جميعا من رجالات الإمام وتعلموا في عهده  وكذلك التدخل العسكري المصري المباشر أفقد الثورة زخمها وأنشق الكثيرون عنها لينضموا إلى الملكيين احتجاجاً على التدخل المصري  وعلى الإعدامات فاندلعت حرب أهلية استمرت ثمان سنوات كان الجانب المصري طرف فيها بجيشه وطائراته ودباباته لمدة خمسة أعوام وقد حوصرت صنعاء عقب انسحاب الجيش المصري من اليمن على إثر هزيمة مصر من إسرائيل في 5يونيو عام 1967م ، ولولا اختلاف الإمام البدر مع السعودية الذي رفض أن يعترف لها بتبعية جيزان وعسير ونجران رسميا كما فعل الرئيس الجمهوري علي عبد الله صالح في 12 يونيو عام 2000م  لكانت صنعاء قد سقطت في أيدي الملكيين لكن السعودية بقيادة ملكها الراحل فيصل سحبت الدعم عن الإمام البدر الذي ذهب مغاضبا ليعيش في لندن وفتحت خط مباشر مع الجمهوريين فحققوا للسعودية مقابل اعترافها بالنظام الجمهوري ما لم تستطع تحقيقه من الملكيين وقد كان الملك فيصل يتفاخر في مجالسه الخاصة بهذه الحقيقة مدعيا أنه قهر جمال عبدالناصر وجير الثورة في اليمن لصالح النظام السعودي وهذا ما حدث فعلا فقد ارتمى الجمهوريون في أحضان النظام السعودي ليجعلوا منه هو الحاكم الفعلي لليمن ، وعندما قامت حركة 13 يونيو عام 1974م  بزعامة الشهيد إبراهيم الحمدي حاول قائدها أن يخرج باستحياء من تحت العباءة السعودية ودعا إلى اجتماع في تعز لمناقشة وضع البحر الأحمر فأستفز الدول الكبرى بهذا الاجتماع فقتلوه لتبقى بعد ذلك اليمن أسيرة للخارج ما يقارب الأربعة عقود حتى قيام ثورة 21سبتمبر الشعبية عام 2014م التي مثلت المشروع الوطني الحقيقي للشعب اليمني كونها ثورة يمنية خالصة ليس لها أي ارتباط بالخارج كما كان يحدث مع الثورات السابقة فعملت مُنذ أول يوم لقيامها على إعادة الاعتبار للشعب اليمني ولثورته الأم  (سبتمبر وأكتوبر) وتحرير القرار السياسي من هيمنة الخارج ، ولأنها تمثل إرادة الشعب اليمني التي ترجمتها على أرض الواقع فقد تحالف ضدها أعداء اليمن التاريخيون فشكلوا تحالفاً عدوانياً كونياً على اليمن ما يزال مستمرا للعام الثامن على التوالي شاركت فيه دول كبرى على رأسها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل عبر أدواتهم في المنطقة السعودية وما يعرف بالإمارات ولكن رجال الرجال من الجيش اليمني واللجان الشعبية تصدوا لأشرس عدوان عرفه التاريخ من حيث حجمه وإمكانياته على شعب فقير لم يعتدي على أحد وإنما يكن لجيرانه كل احترام وتقدير رغم ما ألحقوه به من ظلم ليس له ما يبرره سوى ما يحملونه من حقد وغل ضده لأنه أراد أن يفك عن نفسه القيود التي فرضها عليه جيرانه لحاجة في أنفسهم.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا