تأهّب صنعاء يرعب تل أبيب
منذ اللّحظة الأولى للعدوان الأمريكيّ السّعوديّ على اليمن كان الرّهان على حسم المعركة لصالح دول العدوان والقضاء على أنصار الله والجيش اليمنيّ والدخول إلى صنعاء خلال شهرٍ واحد.
لكنّ رياح قوّات صنعاء عصفت بعكس أمنيات واشنطن والرّياض التي واجهت استبسالاً وصموداً وشراسةً في القتال والتّصدي لعدوانها في لحظةٍ مفصليّةٍ أغرقت قوى التّحالف العدوانيّ في المستنقع اليمنيّ قرابة ثمانية أعوام لم يخفق خلالها العدوان في تحقيق أهدافه وحسب بل فشل فشلاً ذريعاً في منع الجيش واللّجان الشّعبيّة من نقل المعركة إلى عمق عواصمهم والفشل الأكبر كان بعجز منظومات الباتريوت الأمريكيّة وأحدث ترساناتها العسكريّة في صدّ هجمات الطّائرات المسيّرة والصّواريخ البالستيّة وحماية شركة أرامكو وغيرها من شركات النّفط والأهداف الدّقيقة في عمق جدّة والرياض وأبو ظبي ممّا أدّى إلى وقوف دول التّحالف العدواني موقف العاجز المهزوم الذي لم يجد مفرّاً من التوصّل إلى الهدنة التي أعلنت في نيسان من هذا العام، هدنة لم تغفُ فيها عين الجيش واللّجان السّاهرة على اليمن ولم يأخذوا فيها استراحة المحارب بل شكّلت لهم فصلاً جديداً من فصول المواجهة والإصرار على إظهار قوّتهم وصلابتهم وبأسهم وثباتهم في الدفاع عن اليمن مستهلّين كتابة ذلك الفصل بالاستعراضات العسكريّة والأمنيّة في الحديدة وصنعاء وبعض المناطق. استعراضات أقلقت واشنطن والرّياض وتل أبيب وأبو ظبي التي تقاسمت رعبهم في مواجهة قوّة اليمن التي كشف عن بعضها في عرض صنعاء العسكريّ من صواريخ دقيقةٍ يكشف عنها للمرّة الأولى وصواريخ وزوارق بحريّة وطائرات مسيّرة حملت رسائل أربكت تحالف العدوان والكيان وكشفت مدى هواجسهم وتخوفهم من اليمن فجاء الرّد على العرض العسكريّ بما يلي :
1 _ مسارعة كيان العدوّ الصّهيوني المؤقّت لبيع الإمارات منظومة رافائيل المتطوّرة للدّفاع الجوي بعد رفضه سابقاً رفضاً قطعيّاً بيعها لهم بطلبٍ رسميٍّ من الإمارات
2 _ تفعيل دور ما يسمّى بالتحالف الدّفاعي الخليجيّ أو ما سمّي بالناتو الخليجيّ كخطوةٍ استباقيّةٍ للتصدّي لأيّ هجومٍ يمنيٍّ على الكيان الصّهيوني.
3 _ إدانة الولايات المتحدة وبريطانيا والسّعودية والإمارات للأنشطة العسكريّة لأنصار الله كمقدّمة لإنهاء الهدنة وشنّ عدوانٍ جديدٍ يضعف قوّات صنعاء
4 _ عدم السّماح بالاستقرار في اليمن الذي طوّر قدراته العسكريّة في ظلّ العدوان والحصار
إذ يدرك العدوّ أنّ ما ظهر من صواريخ ومسيّرات في العرض العسكريّ في صنعاء هو من نتاج اليمنيين تحت القصف والغارات والحصار فماذا سيصنعون في حال تمّ تثبيت وقف إطلاق النّار وإلى أي مستوى ستصل الصّناعات العسكريّة في ظلّ الهدوء ووقف العدوان، ذلك هو ما يرعب دول العدوان وتل أبيب التي لم تغب عينها منذ بدء العدوان عن مراقبة حركة أنصار الله وتنامي قوّتها وقدراتها الصّاروخيّة. وقد دأبت المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة والسّياسية ومركز دراسات الأمن القوميّ في الكيان الصّهيوني والمراكز الأخرى إلى وضع حركة أنصار الله(الحوثيين) تحت مجهرهم بعد ما حقّقته من انتصارات في اليمن وتخطّيها الحدود اليمنيّة وبروزها كقوّةٍ أساسيّةٍ كبيرةٍ ومؤثّرةٍ في محور المقاومة ممّا يستدعي تسليط الضّوء الاسرائيلي عليها ووضعها ضمن قائمة المنظّمات التي تشكّل خطراً وجوديّاً على الكيان الصّهيوني مع حزب الله وحماس وفيلق القدس وكتائب حزب الله وسيّد الشّهداء وغيرها من فصائل المقاومة بل إنّ دورها يشكّل تهديداً أكبر نتيجة وجودها على البحر الأحمر وبالتالي فإنّ مجرد وجودها يشكّل تهديداً قائماً لموانئ البحر الاحمر وباب المندب وبحكم ذلك فإنّ الحدود الجنوبيّة للكيان الصّهيوني المؤقت باتت غير آمنة لوجودها تحت مرمى الصّواريخ البالستيّة والطّائرات المسيّرة اليمنيّة. تهديد أكّده قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي في خطاباتٍ ومناسباتٍ متعدّدة في السّلم والحرب حيث أعلن عن استعداده وجهوزيّة حركة أنصار الله للقتال ضدّ الكيان الصّهيوني في أيّة معركةٍ قادمةٍ إضافةً إلى ما كشف عنه الرّئيس المشاط مؤخّراً بأنّه لدينا القدرة على استهداف أيّة نقطة في البحر الأحمر. تهديدات رفعت منسوب القلق والخوف الصّهيوني لا سيّما بعد العرض العسكريّ الأخير الذي شهدته صنعاء حيث حمل رسائلَ متعدّدةً للدّاخل والخارج أوّل من تلقفها كيان العدوّ الصّهيوني المؤقّت وطرح العديد من التّساؤلات التي أقلقت قادته حول جهوزيّة (الجيش الاسرائيليّ) ومنظوماته الدّفاعيّة لمواجهة أيّ هجومٍ نوعيٍّ مثل الهجوم الذي استهدف أرامكو؟ وكيف يمكن تطوير مجالات الدّفاع والتصدّي لهجمات الصّواريخ والطّائرات المسيّرة؟ وهل ستنجح منظومة تحالف الدّفاع التّطبيعي الخليجيّ في التصدّي للهجمات التي تستهدف الكيان الصّهيوني بينما فشلت في الدّفاع عن نفسها؟ أسئلة كثيرة طرحها قادة العدوّ نتيجة مخاوفهم التي رفعت حدّتها العروض العسكريّة إذ أظهرت قوّة اليمن العسكريّة وقدرته على التّطوير حتى في ظلّ العدوان والحصار وحول ذلك يقول الباحث في معهد دراسات الأمن القوميّ (الاسرائيليّ ) آري هيستين (إنّ لأنصار الله القدرة على إحداث أضرار واسعة النّطاق في عمليات السّفن بالمنطقة، وعرقلة الإمدادات العالميّة عبر قناة السويس، وإلحاق الضّرر بنظام نقل النّفط ورفع فوائد التأمين، وفضلاً عن ذلك، قد تتخذ الجماعة التّجارة البحريّة الإقليميّة "رهينة" لممارسة الضّغط على "إسرائيل" بشأن القضايا السّياسيّة المتنازع عليها وإن مهاجمتهم للسّفن في شواطئ البحر الأحمر و باب المندب أو خليج عدن وممرّات النّقل البحريّ هو تهديد (للأمن القوميّ الاسرائيلي) وفي دراسةٍ صادرةٍ عن نفس العهد شارك فيها هيستين إلى جانب واليش ستوان طرح فيها الباحثان( تعاظم حركة أنصار الله وامتلاكها عدداً من الصّواريخ التي يمكن في أيّة لحظةٍ أن تصيب الجبهة الدّاخلية الاسرائيليّة لا سيّما أنّ نيّة أنصار الله بضرب (إسرائيل) قائمةٌ بحسب تعبير وزير الدّفاع لدى أنصار الله لكن القرار لم يتخذ بعد رغم امتلاك أنصار الله بنكاً من الأهداف العسكريّة والحيويّة داخل الكيان)
أمّا الباحث في الشّؤون العسكريّة والأمنيّة في معهد واشنطن لسياسات الشّرق الأدنى مايكل نايتس فقد حذّر من تطوّر قدرات أنصار الله في ظلّ ما نفذته من هجومات بالصّواريخ البالستية والمسيّرات ممّا يؤكّد وجود قطاعٍ متطوّرٍ لصناعة الصّواريخ والطّائرات من دون طيار وينذر بصناعاتٍ عسكريّةٍ أخرى وتطوير لمدى الصّواريخ ممّا يتيح لهم توسيع دائرة أهدافهم لتصل إلى (إسرائيل) عدوّهم الأوّل. فأنصار الله أصبحوا نسخةً جنوبيّةً عن "حزب الله" في تطوير صناعاتهم العسكريّة وتطوير قدراتهم القتاليّة
إذاً هو اليمن المرعب سلماً وحرباً، وهو اليمن الذي يصنع سلامه بالنّار خطّ صفحات مجده بنجيع الشّهداء وصاغ عزّته على حواشي الجرحى بأبجدية الأسرى الذين كسروا قيد السّجان وبعزم شعبٍ قام من الأنقاض يرسم حياةً مكلّلة بالإباء والانتصار. هذا اليمن الذي أرعب بعرضه العسكريّ الأخير في ذكرى ثورة 21 سبتمبر أعتى طغاة الأرض وعتاتها وشياطينها ونماريدها يحمل تباشير الانتصار المحتوم والوعد اليقين بهزيمة الشّيطان الأكبر وزوال الكيان الصّهيوني المؤقّت.
#كاتب واعلامي لبناني