حديث الإثنين: السياسة السعودية وأحلام الأفاعي في اليمن ( 1-2)
على مدى العقود الماضية وتحديداً مُنذ أسست بريطانيا مملكة آل سعود في 23 سبتمبر عام 1932م مرت العلاقات اليمنية – السعودية بمراحل مضطربة أتسمت بالعنف والشك حيناً والمهادنة أحيان أخرى
فقد كان يغلب عليها طابع الحساسية المذهبية أولاً حيث كان المذهب الوهابي يعتبر ما سواه من المذاهب خارجة عن الدين الإسلامي الصحيح ، ثم انتقلت إلى حساسية حدودية بعد معاهدة الطائف الموقعة بين الإمام يحيى حميد الدين والملك عبدالعزيز عام 1934م ثم إلى حساسية وحدوية بعد إعادة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن سابقا في 22 مايو عام 1990م فبعد احتلال الملك عبدالعزيز لجبل شمر والحجاز بدأ يولي اهتماماً متزايداً نحو جيرانه في الجنوب حيث كان محاطا بفئة كبيرة من ذوي النفوذ داخل نجد وخارجها الذين كانوا يرون أن ضم اليمن إلى دولته السعودية أمراً منطقياً ومرغوباً فيه ، وقد ظل عبد الله فيلبي (جون) سابقا المستشرق البريطاني الذي أصبح بعد إعلان إسلامه المشكوك فيه من أكبر مستشاري الملك عبدالعزيز وقبل اندلاع الحرب اليمنية السعودية الأولى يكتب مقالات يلمح فيها إلى أنه يجب على الملك أن يضم اليمن إلى بلاده بل إنه صرح في أحد مقالاته تلك بأنه يود أن يرى جلالته يلبس التاج المثلث لمكة والرياض وصنعاء ، وأنضم إلى محرضي الملك عبد العزيز لضم اليمن المؤرخ المشهور أمين الريحاني ، فبعد أن استولى عبد العزيز على جبل شمر والحجاز عن طريق الغزو وصل أمين الريحاني إلى الرياض لتهنئته على ذلك النجاح المتحقق معبرا عن أمله القوي في أن تكون زيارته التالية لتهنئته في عدن .
ورغم تحريض تلك القوى المتنفذة في نجد وخارجها للملك عبدالعزيز على ضم اليمن إلى مملكته إلا أنه رفض ذلك التحريض وقال إن اليمن ليست لي ومع ذلك لم يثن هذا الرفض المحرضين عن مواصلة تحريضهم له وإقناعه على الأقل بضم الأجزاء القريبة : جيزان ونجران وعسير وملحقاتها ويروى عن عبدالعزيز أنه رأى حلماً قصه على خاصته وكان كما يلي :-
( كنت في غرفة في بيت قديم مهجور وكانت الغرفة حالكة الظلام لا يُرى فيها بصيص نور وفجأة لاح لي في زاوية من زوايا الغرفة شبح على شكل أفعى تتلوى وتتلمظ وتتحفز للانقضاض ثم انكشف فكاها عن نابين كأنهما خنجران يقطران سماً في دمي فهجمت على الأفعى كلمح البرق وأمسكت بها من عنقها وضغطت بأصابعي عليه بشدة حتى تغلبت عليها وفي تلك اللحظة استيقظت وأدركت أن الخطر الذي كان قد أحدق بي كان مجرد حلم فحمدت الله على السلامة) والمغزى من قصة الحلم هذه معروف فقد وقعت الحرب بين السعودية واليمن وأمسك عبدالعزيز بالأفعى واجتزأ مناطق جيزان وعسير ونجران وضمها إلى مملكته بالقوة وفسر الحلم بالطريقة التي أرادها وبعد الاحتلال دخلت العلاقات اليمنية – السعودية مرحلتها الثانية المتمثلة في التفاوض على الحدود التي نتج عنها التوقيع على معاهدة الطائف عام 1934م المجحفة بالحقوق التاريخية والقانونية لليمن وقد شُكلت لجان متعددة لبحث فحوى هذه المعاهدة بهدف ترسيم الحدود إلا أنها لم تنجح في مهماتها بسبب غياب حسن النية لدى الطرف السعودي فتم تحديد مدة معاهدة الطائف بعشرين عاماً قابلة للتجديد حتى يتم الاتفاق على الترسيم النهائي للحدود وأرفقت بهذه المعاهدة ملاحق سرية تقدم تسهيلات للعمالة اليمنية وتسمح لهم بالتنقل في مناطق المملكة بدون عوائق وكذلك بالتملك وإعفاء الحجاج اليمنيين من الرسوم ودخولهم إلى الحجاز بدون تأشيرات في مقابل بقاء المناطق التي كان يحكمها الأدارسة والمعروفة بالمخلاف السليماني تحت السيطرة السعودية ومواصلة التفاوض حولها وهي الملاحق التي تنازل عنها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح عند التوقيع على معاهدة جدة الحدودية بحجة أنه لا يستطيع أن يبني جيشا وملاحق التسهيلات موجودة حيث يفضل المواطن اليمني الاغتراب على أن يلتحق في الجيش .
وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر في صنعاء تحولت حساسية العلاقات إلى عداء سافر ومواجهة بين البلدين بحجة التدخل المصري في اليمن الذي كان يستهدف السعودية وإسقاط نظامها ,وفي 22 مايو عام 1990 م دخلت العلاقات اليمنية – السعودية مرحلتها الثالثة فقد تم في هذا التاريخ توحيد اليمن شماله وجنوبه فأضيف عامل هام إلى العاملين السابقين الحساسية المذهبية والحساسية الحدودية وهو العامل الوحدوي ليشكل الحساسية الوحدوية فنظرت السعودية إلى وحدة اليمن بريبة وشك رغم إعلانها الظاهري مباركتها وتأييدها لها كونها وحدة بين أبناء شعب واحد كما صرح بذلك الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز في حفر الباطن أثناء لقائه بالرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قبل أيام قليلة من إعلان إعادة تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية ، وقد مثلت الوحدة بمحتواها الديمقراطي عاملا مقلقاً للسعودية فاتخذت السعودية قرارها بقتل الوحدة بأي ثمناً كان وعليه فقد كانت الفترة الواقعة بين عامي 1993 - 1994م هي الفترة التي وجد فيها النظام السعودي ضالته في الخلاف القائم بين شريكي إعادة تحقيق الوحدة المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني فأذكى نار تلك الخلافات ليصل به الحال إلى تشجيع أحد الطرفين بافتعال أزمة سياسية طاحنة انتهت بحرب صيف 1994م والتي حسمت لصالح بقاء الوحدة ... يتبع .