بوح اليراع: قناة السويس رمز عزة مصر.. هل يتملَّك ابن زايد المشروع المصري الرائد؟!
لطالما أطلقت على جمهورية مصر تسمياتٌ تبعث على الاعتزاز والفخر من مثل «أرض الكنانة» و«بيضة الإسلام» و«مصر العروبة»، وهلمَّ جرَّاء من النعوت والأسماء، وقد كانت أهلًّا لتلك التسميات على الرغم من الكبوات التي تكبوها في بعض الأوقات.
بيد أنَّ بداية انحدارها السلبي الذي أخرجها -لما يقرب من عقدين زمنيين- عن إطارها العربي العام هي خطيئة توقيع أول اتفاقات «أبراهام» قبل أربعة عقود وأربعة أعوام.
وبالرغم من اقترافها تلك الخطيئة المسيئة، فقد استعادت قدرًا من مكانتها الريادية العربية بصورة نسبيّة، لكنها لم تلبث أنْ تفرط بمكانتها -بشكلٍ أساسي- وربما تفقد سيادتها إلى مستوى قياسي منذ أن آلت مقاليد الأمور فيها إلى «عبدالفتاح السيسي» الذي اعتلى ما لا يناسبه من منصبٍ سيادي بتواطؤ [إماراتي سعودي]، ليباشر في السنوات الأولى من حكمه التفريط بحقوقٍ مصريةٍ سيادية مهمة، وقد كانت فاتحة مسلسل ذلك التفريط هي توقيعه -مطلع أبريل ٢٠١٦- على وثيقة نقل ملكية جزيرتي «تيران و صنافير» ذواتي الموقع الاستراتيجي الخطير اللتين قيل -حينها- أنَّه تقرّب بهما للنظام السعودي، أعقب ذلك التفريط الهدَّام -بعد عامين ونصف العام- إعلانُ السلطات السيساوية الشراكة الاستراتيجية في ملكية قناة السويس ذات الأهمية الملاحية العالمية بين ما يسمى «هيئة قناة السويس» المصرية، و«شركة دبي للموانئ» الإماراتية، فأصبحت «دبي للموانئ» -في ضوء ذلك الإعلان- شريكة في القناة بنسبة ٤٩٪، تلا تينك الصفقتين المشبوهتين التوقيع - مع حكومة اليونان- على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تنازلَ السيسي -بموجبها- لليونان بحوالي عشرة آلاف كيلومتر مربع من المياه الإقليمية المصرية، بالإضافة إلى كل ما يُشاع -من وقتٍ إلى آخر- عن صفقة سرية أبرمها فخامته مع رئيس وزراء إثيوبيا الدكتور «آبي أحمد» ترتب عليها تنازُل «السيسي» بنسبةٍ من الحصة المصرية في مياه «النيل» لصالح إنشاء وملء «سد النهضة» بعد أن ظلت قضية إنشائه وملئه قضيةً خلافية طيلة العقود الماضية.
بيد أنَّ المثير في الأمر هو مضي السلطات الإماراتية -بعد استحواذها على ما يقرب نصف رأس مال القناة البحرية- في شراء الأصول المصرية بحماسٍ جنوني، حتى بدأ المراقبون يخمنون أن «أبوظبي» مجرَّد واجهةٍ تقوم بما تقوم به لحساب حاضر ومستقبل الكيان الصهيوني.
والجدير بالتذكير أنَّ «الإمارات» ممثلةً بـ«دبي للموانئ» تحرص أكثر فأكثر على أحكام سيطرتها على الممرات والموانئ المتصلة والمطلة على البحر الأحمر، ولا يُستبعد أنَّ الحرص الشديد على تحقيق تلك السيطرة لغايةٍ صهيونيةٍ مستترة.
ولعل إنشاء السلطات المصرية ما أسمته «صندوق هيئة قناة السويس» الذي وافق البرلمان المصري -يوم الإثنين الـ١٩ من ديسمبر- بأغلبية نسبيّة- على قانون إنشائه بعد اطلاعه على ما منح الهيئة الإدارية لذلك الصندوق من صلاحيات واسعة تمكنه -بحسب ما ورد في سياق التقرير الخبري المعنون [قناة السويس: ما حقيقة ما أشيع عن القانون المتعلق ببيع قناة السويس؟ وهل حقًّا وافق عليه البرلمان المصري؟] الذي نشره موقع «BBC عربي» في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي- (من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها) مجرَّدُ تمهيدٍ لطرح ما تبقى من أسهم القناة في ملكية الدولة المصرية في البورصة بطريقةٍ صورية، فلا تفتأ الصفقة ترسو -من خلال تدابير إجرائية افتئاتية- على الشركة الإماراتية، وبذلك يستولي النظام الإماراتي -ومن ورائه النظام الصهيوتوراتي- على «قناة السويس» رمز عزة مصر الحديثة التي كاد حدثُ تأميمها -في يوليو من العام ١٩٥٦- من قبل الرئيس «جمال عبدالناصر» أنْ يعرِّض أرض الكنانة لأكبر عدوانٍ عسكريٍّ معاصر.
فمنذ الشروع في صياغة وإنشاء مواد هذا القانون المنطوي على سوءِ نيةٍ مسبق والذي يوشك -بعد تمريره على البرلمان السلطوي- أن يطبق، والشعب المصري يشعر بالكثير من القلق، وحقَّ لهُ أن يقلق إزاء ما تتعرض لهُ مشاريعه الاستراتيجية وأصوله السيادية -على يد هذا النظام الأخرق- من تفريطٍ مطلق.
وبالمجمل قد قوبل تمريرُ البرلمان الشديد الإذعان مشروعَ هذا القانون الذي سيتمكن -عبره وعلى إثره- الحكام الإماراتيون من تقديم خدمةٍ سياسية واقتصادية نوعيةٍ لحلفائهم من «آل صهيون» بسخطٍ عارم وانتقاداتٍ حادَّة وتوجساتٍ كبيرة، جرَّاءَ احتشائهِ -بحسب قادة الرأي المصري وعموم جماهيره- بمضامين تشريعيةٍ وإجرائيةٍ تفريطيةٍ وتنازلاتيَّةٍ خطيرة.