سيناريوهات السلم والحرب في اليمن
بالرّغم ممّا حمله الوفد العمانيّ من مؤشّرات تقدم في جولته الاخيرة لتثبيت الهدنة والوصول إلى حلٍّ نهائيٍّ وشاملٍ للعدوان من الرّياض وما لقاه من حرصٍ وتجاوبٍ من قيادة أنصار الله
إلّا أنّ إدارة بايدن قابلت ذلك بالمزيد من التعنّت والمراوغة بالإصرار على تجميد المشهد اليمنيّ وإبقاء الوضع على ما هو عليه ويدلل ذلك على عجز القيادة السعودية عن اتخاذ قرارها وعدم امتلاكها القدرة على الحسم نتيجة المراوغة الامريكية بالتزامن مع تسابق الخيارين الحربيّ والسلميّ. ففي الوقت الذي طالبت به الرّياض بضماناتٍ أمنيّةٍ من أنصار الله تُبدّد وتُسقط المخاوف السّعودية من أيّ تهديدٍ أمنيٍّ يمنيٍّ للمملكة وهو مطلبٌ قوبل بإيجابيّةٍ من قيادة أنصار الله التي أبدت استعدادها وتجاوبها لتبديد تلك المخاوف والتّعاون في سبيل الوصول إلى حلٍّ نهائيٍّ وشاملٍ معلنة شروطها الأساسيّة التي تقضي برفع الحصار ودفع التّعويضات وعدم التّدخل بالشّؤون الدّاخليّة لليمن والانسحاب السّعودي من الأراضي اليمنيّة.. شروط صنعاء الأربعة قابلتها الرّياض بمرونةٍ وإيجابيّةٍ لإدراكها بوجوب الوصول إلى حلٍّ بعد إخفاق العدوان على اليمن وعجزه عن تحقيق أهدافه بعد ثماني سنوات من الحرب التي حوّلت حلم السّيطرة على اليمن إلى كابوسٍ ولعنةٍ أسقط عاصفة حزمهم وحوّل عاصفة أملهم إلى يأسهم من إمكانيّة السيطرة على اليمن وشعبه الذي تجاوز بقوّته العسكريّة حدود اليمن بل أصبح يشكّل قوّةً إضافيّةً وأساسيّةً وكبيرةً في قوّة محور المقاومة وصلت أصداء قدراتها إلى عمق تل أبيب خلال العدوان وهو أمر يدركه محمد بن سلمان والقيادة العسكريّة السعوديّة ودول العدوان التي دفعت ثمناً باهظاً نتيجة عدوانها وفي مقدّمتها السّعودية التي أصبحت اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما:
1 - الحرب التي تحاول فرضها إدارة البيت الأبيض على السّعودية وابتزازها وتدفيعها ثمناً باهظاً لها
2 – السِّلم الذي سينعكس إيجاباً اقتصاديّاً وصناعيّاً واجتماعيّاً على السّعوديّة أولاً وعلى المنطقة بالدّرجة الثّانية
في الحرب يدرك محمد بن سلمان بعد ثماني سنوات من العدوان على اليمن أنّه لم يجنِ سوى الهزائم المتراكمة بالرّغم من عدم توازن القوى العسكريّة فمجرد صمود صنعاء في وجه العدوان هو انتصارٌ بحدّ ذاته رغم تجاوز الجيش وأنصار الله مرحلة الصّمود خلال العدوان والانتقال من مرحلة التّصدّي إلى مرحلة الهجوم والتّحرير الذي حرّر العديد من المناطق والمحافظات لتتسع دائرة اشتباكاته ويصنع المعادلات التي فرضت الهدنة من خلال نقل المعركة إلى العمقين السّعودي والإماراتي واليوم أيضاً هو على يقينٍ أكبرَ بأنّ أيّ عدوانٍ على اليمن لن تكون نتائجه كما في السّابق لا سيّما في ظلّ الرّسائل الحاسمة التي وجّهتها قيادة أنصار الله على لسان قائدها السّيد عبد الملك الحوثي خلال لقائه بالوفد العُمانيّ في صنعاء قائلاً: (سنستخدم كلّ ما لدينا من إمكاناتٍ لرفع الحصار عن الشّعب اليمنيّ للاستفادة من موارده وثرواته ولن نسمح بتجويع الشّعب اليمنيّ بعد الآن) رسالة السيد عبد الملك الحوثيّ الجليّة والواضحة ترافقت مع رفع سقف الجهوزيّة العسكريّة بالتّزامن مع زيارة الرّئيس مهدي المشاط لجبهات القتال في رسالةٍ تحمل الكثير من المؤشّرات على جهوزيّة أنصار الله العالية في ميادين القتال كما في جولات المفاوضات التي أبدوا فيها حرصهم على الوصول إلى اتفاق لإنهاء العدوان المتمثّل بالحصار إضافةً إلى ما شهدته المحافظات اليمنيّة من مسيراتٍ مليونيّةٍ رفضاً للحصار. و في ظلّ التعنّت الأمريكيّ المتجه نحو التّصعيد وفرض خيارات الحرب مجدّداً فإنّ نوعية المواجهة وشموليتها وتعدّد جبهاتها ستنعكس على العالم بأكمله وستفرض حصاراً عليه من خلال استهداف البحر الاحمر وباب المندب وشركات النّفط في الإمارات وأرامكو في العمق السّعودي والشّركات التابعة لدول العدوان في ظلّ تنامي القدرات العسكريّة اليمنيّة لا سيّما على مستوى الصّواريخ البالستيّة الدّقيقة والطّائرات المسيّرة والصّواريخ البحريّة التي عرضت القوّات المسلّحة اليمنيّة بعضاً منها خلال الاستعراضات العسكريّة في الأشهر الماضية. حيث أظهرت تلك العروض قدرة اليمنيين العسكريّة التي فرضت الهدنة على العدوان
وفي حالات الحرب والسّلم والحصار ثمّة مبدأ يقول إنّ اليمنيين يخوضون حرب دفاعٍ مقدّسة عن أرضهم وكرامتهم وعزّتهم واستقلالهم فلا تختبروا قدراتهم ولا جديّتهم ولا عزمهم الذي تجلّى صموداً وانتصاراتٍ. وإزاء ذلك على الرّياض أن تبادر لإنهاء الحصار والوصول إلى حلٍّ نهائيٍّ يخدم اليمن والسعوديّة وعلى ولي العهد استغلال الفرصة والوقت قبل ساعة الصّفر ليقدّم مصلحة بلاده على مصالح الولايات المتحدة الأمريكيّة وأن يخوض حربه للتحرّر من هيمنتها لا بالعدوان على اليمن الذي لن يجني منه إلّا الخيبات والمزيد من الهزائم.
#كاتب واعلامي لبناني