بوح اليراع: مافيا الصرافة واستغلال الظرف للتلاعب بالصرف
مهنة الصرافة التي لا يحتمل العمل فيها أيَّة مجازفة هي واحدة من المهن التي يمتصُّ الأقوياء -بواسطتها- دماء الضعفاء، ويضاعف -عبرها- الأغنياء ثرواتهم على حساب أقوات الفقراء.
مع أنَّ عملتنا النقدية الوطنية لم تعرف في وقتٍ من الأوقات منذ أواخر عقد السبعينات -بفعل الفساد المالي والإداري الذي فشا واستشرى في كافة المؤسسات- أيَّ نوعٍ من الاستقرار أو الثبات، وقلَّما تمضي سنة من السنوات دون تراجع قيمتها الشرائية والحسابية أمام العملات النقدية الأجنبية، إلَّا أنَّ مافيا الصرافة تسمح لها -بين الحين والحين- بقدر من المراوحة والأرجحة التي تترجم من قبل رجالاتها إلى صفقاتٍ مافوية مالية مربحة.
لعبة النقص والزيادة في المواسم المعتادة
لأنَّ التحكم بخيوط هذه اللعبة المافوية المهمة يتم في غرف مظلمة وتدار بدقة متناهية وفق خطط استغلالية جهنمية، فإنَّها تحرص كل الحرص على ترجمة كل المحطات الموسمية السنوية والشهرية والأسبوعية وربما اليومية إلى مكاسب مالية متنامية، فهم يعمدون -على سبيل المثال- في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل وفي التسع الأوائل من شهر ذي الحجة ذي القدر الجليل وفي كل المناسبات التي تشهد ارتفاعًا استثنائيًّا في منسوب التحويل من قبل المغتربين إلى خفض سعر العملات الأجنبية، لا لشيء، إلَّا لإدراكهم التام باضطرار المواطن المحتاج على الدوام للتعجل في صرف ما يحوَّل له من بعض أهله من مبالغ مالية بأيٍّ من العملات الأجنبية حتى يتمكن من تلبية المتطلبات الأسرية ا لضرورية بما يتناسب وأهمية الطقوس الاحتفائية العيدية التي تليق بمكانة أعيادنا الدينية.
وما إن يؤذن موسم التحويل بالأفول أو بالرحيل –إذا جاز لي القول-، وتكون –إذ ذاك- مافيا الصرافة قد استكملت استقطاب مبالغ الحوالات التي بدأت في استقطابها منذ ساعات الوصل، حتى يعاود سعر العملات الأجنبية ما كان عليه من تصاعدات مكوكية يوازيها ارتفاع جنونيٌّ في أسعار السلع الاستهلاكيّة.
ترويج شائعة المرتبات لتعويم العملات
ما أكثر ما يستثمر إخطبوط الصرافة الأحداث الحقيقية والمتخيلة في مضاعفة مكاسبه على حساب المواطنين الذين تنطلي عليهم ألاعيبه وحيله في كل مرحلة.
وغالبًا ما تتفنن عناصره المموَّهة وأياديه الخفية المنوط بها لعب الأدوار الدعائية الترويجية بأساليب احترافية ذكية في نسج الشائعات المثيرة التي تُوهم كلَّ مؤمل وكلَّ حالم بوشوك أحداث ومتغيرات سياسية كبيرة من شأنها التأثير في مجريات الواقع القائم بشكلٍ بالغ، حتى إذا ما بلغت تلك الشائعات المدى المخطط لها، سارعت محلات الصرافة المرتبطة بالقيادات المافوية الخفية بالهبوط بأسعار العملات النقدية الأجنبية إلى أدنى مستوى متقبل من قبل عوام المجتمع على الأقل، فيسارع المواطنون السذَّج بصرف ما بحوزتهم منها على عجل ظنًّا منهم أنَّ أسعارها -في ضوء ما يصاحب تلك الشائعة من منطقٍ ترويجيٍّ فضفاض- سيواصل ما بدأه من انخفاض، وما إن تنطلي على المستهدفين من المواطنين تلك الحيلة فيسارعوا -باستثناء أعدادٍ ضئيلة- إلى صرف ما بأيديهم من عملات صعبة بأسعار قليلة حتى تأخذ أسعارها -من جديد- بالارتفاع بصورة متسارعة، وربما تجاوزات -بارتفاعها- أسعار ما قبل سريان الشائعة.
فها هم يستغلون تنامي شائعات وصول الأطراف اليمنية إلى تفاهمات بشأن صرف المرتبات بالمسارعة في خفض سعر تلك العملات بصورة مبالغ فيها، وها هم أغلب المواطنين اليمنيين الذي تلقفوا شائعات صرف المرتبات كانَّها خبر يقين يقبلون على محلات الصرافة للتخلص ممَّا لديهم من مبالغ نقدٍ أجنبي بسعر متدنٍ معوِّلين على ما سيتحقق للريال اليمني -راهنًا ومستقبلًا- من ثباتٍ واستقرار بعد أن يتم صرف مرتبات جميع الموظفين والموظفات -في ضوء ما يتردد من شائعات- بالدولار.
ومن المفترض بالموظف اليمني -في مقابل هذا النوع من التحايل- أن يتعامل مع هذه الشائعة بنوع من الريبة، فهي -شأنها شان ما سبقها من شائعات غريبة- جديرةٌ بشكهِ وتكذيبه، وستظل عارية عن المصداقية مهما تلاعب المتلاعبون بأسعار الدولار دون أن يلمس المستهلك أيَّ انخفاضٍ أو حتى استقرار في أسعار المواد الأساسية التي بلغت -في هذه الظروف الشديدة الحساسية- أرقامًا قياسية.