
قراءة في نجاحات الرؤية الوطنية..الابتكار والبحث العلمي بوابة التنمية والتطور
الابتكار والبحث العلمي أهم عنصرين في بناء وتطوير مستقبل البلدان، من خلال رسم ملامح المستقبل، وجعل الإنسان محور الارتقاء والتطور في مختلف المجالات.
وانطلاقاً من كون البحث العلمي من الركائز الأساسية لتحقيق النمو والتقدم، فقد أولت الدول البحث العلمي الدور الأكبر للابتكار والبحث عن حلول عملية لكافة الإشكالات، فأصبحت عظمة وهيبة الدول تقاس بمدى اهتمامها بالبحث العلمي والابتكار، الأمر الذي جعل العالم اليوم يوجه البحث العلمي نحو بحث الظواهر وإيجاد الحلول لها، من خلال الأبحاث العلمية، وتخصص موازنات ضخمة من قبل الدول الكبرى من ناتجها القومي لصالح الأبحاث العلمية وتطويرها، بعكس بلدنا العربية والإسلامية التي أغفلت هذا الجانب المهم وحرمت نفسها من عوائد وفوائد تطور وفيض العقل الإنساني، فأضحت قابعة في ذيل سلم التطور العالمي ضمن الدول اللانامية بل والمتخلفة. ومع ولوج بلدنا الحبيب اليمن مرحلة التحرر والانعتاق من كل أشكال التبعية والوصاية الخارجية التي حرمت شعبنا من استغلال موارده لعقود من الزمن، وبالتوازي مع المعركة العسكرية، جاء مشروع الرؤية الوطنية المجسد لتطلعات اليمنيين في بناء دولة قوية ينشد التطور والعيش الكريم لكل أبناء اليمن، وبالتالي فقد أولت الرؤية الوطنية جانب الابتكار والبحث العلمي اهتماماً كبيراً وبعداً وهدفاً استراتيجياً ترجم إلى الواقع العملي من خلال إنشاء الهيئة العليا للعلوم والابتكار إدراكاً من قيادتنا الحكيمة بأهمية البحث العلمي والابتكار، واحتضان المبتكرين والمبدعين من شبابنا الواعد والمعمول عليه الكثير للنهوض بالواقع وتحقيق التطور والتقدم المنشود.
ومن خلال وثيقة الرؤية الوطنية نجد أنه تم تخصيص محور خاص بالابتكار والبحث العلمي، باعتبارهما من منظور مستقبلي من أهم وسائل التقدم في جميع المجالات، خاصة وشعبنا اليمني غني بالثروة البشرية المبدعة والمبتكرة، وهذا ما أثبته الواقع حيث نشاهد تميز اليمنيين في العديد من الدول وحصدهم أعلى المراكز العلمية والتقنية، بالإضافة إلى مساهمتهم الفاعلة في إعمار وتشييد وبناء اقتصاديات العديد من الدول ومنها دول الخليج.
وفي المرحلة الراهنة فقد أثبت العقل اليمني قدرته الفائقة على التصنيع العسكري النوعي والمتطور، على الرغم من شحة الإمكانيات المادية وحالة الحصار الخناق التي يفرضها تحالف العدوان براً وبحراً وجواً ويمنع دخول السلع الضرورية والمشتقات النفطية فما بالكم بالمواد الأولية للتصنيع المدني والعسكري.
لذا لابد من التوجه الجاد للاهتمام بالعنصر البشري وصقل مهاراته وقدراته العملية وتنمية مداركه العلمية في مختلف المجالات، لأن الإنسان اليمني بطبيعته مبدع ومبتكر، ولكنه يحتاج إلى البيئة الحاضنة والملائمة. ومن خلال عملية تحليل الوضع الراهن لمؤشرات الابتكار والتي سبقت إعداد الخطة المرحلية الثانية (2021-2025م)، فقد ظهرت اليمن من ضمن الدول المتدنية في مؤشر الابتكار، والسبب عدم وجود جهة راعية ومهتمة بالمبتكرين المبدعين، ولكن وبعد إنشاء الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار كمنجز يحسب للرؤية الوطنية ، ومن خلال رصد ومتابعة المؤشرات، تمكنت بلادنا من إحراز تقدم في مؤشر الابتكار العالمي للعام 2022م بتجاوز ثلاثة مراكز عن العام الماضي ليحل اليمن في المرتبة (128) بعد أن كان في المرتبة (131) من بين دول العالم، كما نلاحظ بروز مبتكرين يمنيين لمشاريع عملاقة، وصناعات تعتمد على مدخلات محلية، ومعظم تلك المشاريع لها أهمية عظمى في مجالات الزراعة والصحة والأدوية والطاقة البديلة وغيرها من المشاريع التي ستكون فاتحة خير للانطلاق نحو تنمية حقيقية بأياد يمنية.
كما كان للرؤية الوطنية أيضاً دور بارز في مؤشر التصنيفات العالمية للجامعات حيث تقدمت الجامعات اليمنية في بعض المؤشرات والتصنيفات العالمية للجامعات، وبرزت جامعات يمنية ضمن تلك التصنيفات، بعد ترجمة الرؤية الوطنية إلى خطط تنفيذية اعتمدت من أجراءتها التوجه والاهتمام بالتقنيات والأتمتة الالكترونية. وهناك تساؤلات يمكن طرحها لماذا تعد الدول الكبرى في مقدمة الدول الصناعية ووصلت إلى ما وصلت إليه من تطور؟ الجواب لأنها اهتمت بالعنصر البشري، وجعلت الاستثمار في الإنسان على رأس اهتماماتها.
في المقابل.. لماذا الدول العربية وبالأخص اليمن أصبحت بيئة طاردة للمبتكرين والأكاديميين؟ لأنهم لم يجدوا البيئة المناسبة والحاضنة.. علماً بأننا نعرف كيف كان وضع الدول الأوروبية مثلاً وكيف أصبحت اليوم، وظروفها التي كانت أسوء من ظروف اليمن.. ببساطة لأنها انتهجت الرؤى والخطط الابتكارية، والبحث العلمي أمامنا اليوم ومن خلال الرؤية الوطنية فرصة ثمينة يمكن لكل يمني على مستوى كل المؤسسات استغلال الاهتمام والتوجه الإيجابي الذي تنتهجه قيادتنا الثورية والسياسية، والرفع بمبادرات ومشاريع ليس فقط في محور الابتكار والإبداع والبحث العلمي، وإنما في كل المجالات والتخصصات، وتبنى مشاريع ابتكاريه في كل مؤسسات الدولة المختلفة.
* أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي المساعد بجامعة صنعاء