
ومضات متناثرة: ثلاثية الظلم وخيمة..!!
الظلم عاقبته وخيمة.. ولو استمر آلاف السنين، لابد أن يخذل الله الظالمين، وينتصر للمظلومين.. فالظلم في الدنيا بلاء وشر مستطير.. فكم من شعوب وقرى ودول هلكت ودمرت بسببه، فتلك بيوتهم خاويةٍ بما ظلموا، وتجبروا، وطغوا.. فأخذه أليم شديد..
وإذا رجعنا قليلاً الى صفحات التاريخ، وفي سجلات الحروب القديمة منذ القرن التاسع عشر وما قبله، ونقارن حاضرنا المأساوي الراهن، وما يحدث في أرض الرافدين ولبنان وسوريا واليمن والسودان وليبيا بسبب الصراعات الطائفية المقيتة، والنعرات المذهبية الشعواء، إضافةً الى الصراع الإثني والقبلي في البلدان العربية والإسلامية، كل هذه الأنماط من الصور تدل على الروح المعطوبة، والذاكرة المدمرة، التي ساقها لنا الاستعمار القديم- الحديث، لكي يُمزق العالم العربي أرضاً وإنساناً، ويجعلوا أطفاله وشبابه مشردين في فيافي المنافي والضياع تكسو وجوههم الحسرات الناقمة، والنظرات الهائمة في عالم يُكرّس العنف، والظلم، وينبذ قيم التسامح والتصالح، ويسعى لقمع الحريات، وثقافة الحوار، وتجهيل الأجيال القادمة.. في ظل هكذا رؤى متداخلة.. وأفكار متصارعة، وجهل حاقد أسود، سعى العملاء والمرتزقة يؤججون الصراع بين أبناء الوطن الواحد، ولاذوا بالفنادق الفاخرة متناسين صراخ الجياع، وأنين الأرامل، ونواح الأمهات اللائي فقدن فلذات أكبادهن في فيافي الجوع والتشرد والضياع.. ما كان ذنبهم الوحيد إلا أنهم كانوا يحلمون ببيت عائلي دافئ، وعيش كريم، وينامون في أسرَّة أحلامهم الطفولية البريئة..
هكذا شاء لهم القدر.. فالعودة الى الماضي، والرجوع الى الذكريات ضرب من المستحيل، ولكن تبقى رحمة الله هي الملجأ الوحيد، والملاذ الذي لا مفر منه في ظل واقع مأساوي أليم.. ويبقى السؤال: هل يا ترى: نحن جديرون بأن نصنع ذواتنا وحاضرنا ومصيرنا؟!.. هل نستطيع تجاوز كل الجراحات والمآسي والفواجع والهزائم التي نعيشها اليوم؟!..
أما الذين غادروا المشهد، وتاهوا في ظلال أفياء المنافي، وخانوا الوطن أرضاً وإنساناً، لا أدري كيف يعيشون الحياة في ظل نفوسهم الهشة، وضمائرهم الخربة التي ذبحتها القسوة والجفاء الإنساني.. وهكذا تظل جرائم وجرائر المفسدين في الأرض تلاحقهم في حلهم وترحالهم، وتنزع الأمن والسكينة من نفوسهم، فظلم الناس، والاستيلاء على حقوقهم بقوة النفوذ والسلطان من الذنوب التي لا تغتفر، ولا تكفرها لا الصلاة ولا الصيام، ولا الحج ولا الصدقة، بل ولا حتى التوبة والاستغفار في جوف الليل، حتى تُرد الحقوق الى ذويها وأصحابها، ويتسامح الظالم ممن ظلمه.. دون ذلك يظل الظالم مطوقاً من سبع أراضين يوم القيامة جزاء ظلمه وجبروته، ويكون من الخاسرين ديناً ودنيا وآخرة، حتى لو امتلك القصور الشاهقة، والدّور الفارهة، فعاقبته الخسف أو النسف ولو بعد حين..
كما جاء في قوله تبارك وتعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين)..
فالظالمون يمهلهم الله لحكمةٍ يعلمها هو، ويستدرجهم ليزداد لهم العقاب والعذاب، كما قال عزوجل: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).. وجاء في الحديث النبوي الشريف: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".. ودعوة المظلوم قاصمة للظهر، وناسفة للدور، ومزلزلة الأرض تحت أقدام الظالمين المستبدين، وجاء في المأثور: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً، ففجوره على نفسه"..
فلنتأمل واقع المستبدين وعاقبة ظلمهم ونهاية سلطانهم ومصيرهم المحتوم عند وقوفهم يوم المشهد العظيم أمام قاهر السموات والأرض، إنه موقف تذوب من هوله القلوب، وتتمزق من فظاعته الأحشاء، وتقشعر من بأسه الجلود والأبدان، ألا بعداً للقوم الظالمين الذين غرتهم الحياة الدنيا، وفتنتهم مناصبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.. وأضلهم عن الصراط المستقيم..
فالظلم ظلمات.. فالظلم يخرب البيوت العامرة، ويقصف الأعمار، ويبدد الأموال، ويهلك الحرث والنسل..
صفوة القول:
مهما صال وجال الظالمون فعاقبتهم كارثية في الدنيا والآخرة.. كفى الظالمين ذلةً ومهانةً واحتقاراً وعذاباً وانتقاماً أن الله عز وجل يبغضهم، وملائكته تلعنهم، ورسوله محمد عليه وآله الصلاة والسلام يتبرأ منهم، والناس تدعو عليهم ليلاً ونهاراً..
وسرعان ما يستجيب الله دعاء المظلومين ولو بعد حين.. وصدق المولى القدير القائل: (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآيةً لقوم يعلمون)..
فالظلم عاقبته وخيمة.. كم دمر من قرى، وشعوب.. وكم محا آثار حضارات عريقة، ودول كانت تناطح السحاب.. فصارت أثراً بعد عين.. (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)..!!.