
حديث الإثنين: سر التخلص من يحيى المتوكل وجارالله عمر
بعد أكثر من ثلاثة عقود على إعادة تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو عام 1990م بات معروفا للجميع بأن قيادتي شطرا اليمن آنذاك لم تكن قناعتهما في تحقيق الوحدة
بهدف بناء دولة يمنية حديثة قوية وعادلة وإنما كان الهدف هو الهروب من مصير محتوم سيؤدي إلى سقوطهما فشكلت الوحدة لهما طوق النجاة، فعلي سالم البيض الذي كان الرجل الأول والقوي في عدن كان يخشى بعد أن تخلى الاتحاد السوفيتي قبل تفككه بفترة قصيرة عن منظومة الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلكه من مصير الزعيم الاشتراكي هونيكر في المانيا الشرقية وكانت ليلة سقوطه حسب ما علمت من مصدر موثوق قد شكلت لعلي سالم البيض كابوسا فظل ساهرا ولم ينم وهو ما جعله يتخذ قرارا لا رجعة فيه هروبا إلى الوحدة ضمانا لبقائه في السلطة وعلي عبد الله صالح رئيس الشطر الشمالي في صنعاء كانت علاقته قد تأزمت مع مرجعيته السعودية وداعمته منذ أول يوم وصل فيه إلى السلطة بسبب انضمامه إلى مجلس التعاون العربي المكون من مصر والعراق والأردن واليمن وهو ما أزعج السعودية فقللت دعمها له ولذلك فقد خشي أن يتهاوى حكمه فقبل بشروط علي سالم البيض التعجيزية مثل تحقيق الوحدة الاندماجية الفورية واقترانها بالتعددية الحزبية والسياسية والصحافية وهو مالم يكن يسمح به سابقا في الشطرين حيث كان المواطنون اليمنيون مكممي الأفواه وكان أي مواطن معرض للسجن أو الإخفاء القسري لمجرد أن تصدر منه زلة لسان تفسر على أنها نقدا للنظام فكان قراره هو الآخر أيضا الهروب إلى الوحدة لاستمرار بقائه في السلطة مستغلا مع شريكه البيض عاطفة الشعب اليمني والمطلب الجماهيري المنادي بإعادة تحقيق الوحدة كونها بين شعب يمني واحد.
ولأن نية صالح والبيض كانتا خاسرة وكان كل منهما يتربص بالآخر ويتحين الفرصة للانقضاض عليه فقد بدأت الخلافات بينهما تظهر منذ الأيام الأولى التي أعقبت إعلان إعادة تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية وتحديدا منذ وصول الملك حسين ملك الأردن إلى مطار صنعاء للتهنئة فقد أتفق الرئيس ونائبه للذهاب معا في موكب واحد إلى المطار لاستقباله ولكن صالح خدع البيض وتوجه إلى المطار بمفرده بينما كان البيض منتظرا له في منزله للمرور عليه ومن حسن حظ البيض أن طائرة الملك حسين تأخرت عن موعدها وهو ما جعله يلحق إلى المطار ويصل إليه قبل وصول الملك فحدثت مشادة بينه وبين صالح رفع خلالها البيض صوته ليسمع كل من كان حاضرا فتقدم منهما الشيخ سنان ابولحوم وعنفهما وقال لهما لقد حققتما عملا كبيرا ودخلتما التاريخ من أوسع أبوابه فحافظا على هذا المنجز المرتبط باسميكما وقدما استقالتكما لتتحولا إلى رمزين وطنيين وتاريخيين ولكنهما سخرا من كلام الشيخ سنان ابولحوم ، بعد هذا الموقف فقد كل منهما الثقة في الآخر فاشتدت الخلافات بينهما وكل طرف منهما كان يراهن على نجاحه في إقصاء شريكه وعند التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في الأردن برعاية الملك حسين وحضور ممثلين عن كل القوى السياسية الموقعة عليها استبشر اليمنيون خيرا ولكن كانت الصدمة كبيرة عندما غادر البيض عمان عقب التوقيع إلى السعودية ثم إلى عدن بدلا من عودته إلى صنعاء وغادر سالم صالح محمد الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي وعضو مجلس الرئاسة إلى الكويت وانفجرت الأوضاع الأمنية في محافظة أبين لتعود الخلافات أشد مما كانت عليه سابقا وبسبب وصولها إلى طريق مسدود اندلعت حرب 1994م المشؤومة التي انتهت لصالح بقاء الوحدة بسبب إعلان علي سالم البيض الانفصال الذي لم يعترف بخطوته هذه احد رغم رهانه على السعودية ومصر ودول الخليج التي وقفت إلى جانبه باستثناء دولة قطر حيث كانت آنذاك على خلاف مع السعودية، وهنا شعر سكان المحافظات الجنوبية بأن الوحدة قد تحولت من مشروع توافقي إلى ضم وإلحاق خاصة بعد أن تمت منتجة لقطة فيديو رفع علم الوحدة في عدن ليظهر فيه علي عبدالله صالح بمفرده وكأنه الوحيد بطل الوحدة وهذا الإجراء تم بمقترح من وزير الإعلام حينها الأستاذ محمد سالم باسندوة ثم أعقبت ذلك إجراءات ظالمة استبعدت القيادات الجنوبية الفاعلة خاصة من أوساط القوات المسلحة والأمن.
بعد هذا التهميش للقيادات الجنوبية وانفراد قيادات شمالية بمصدر القرار اضطرت القيادات الجنوبية بمن فيه من عرفوا بمجموعة الستة عشر الذين تمت محاكمتهم وصدرت بحقهم أحكاماً أن ينشطوا ويطرحوا قضيتهم على المجتمع الدولي، وعند اجتماعهم بأعضاء في مجلس اللوردات البريطاني تم الطلب منهم بأن يرشحوا شخصيتين إحداهما من المؤتمر الشعبي العام والأخرى من الحزب الاشتراكي اليمني شرط أن يكون عليهم إجماع من الشمال والجنوب لتشكل قيادة سياسية يمنية جديدة وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل حرب 1994م فوقع الاختيار على اللواء يحيى المتوكل من المؤتمر الشعبي وجارالله عمر من الحزب الاشتراكي بحيث يكون الأول رئيسا والثاني نائبا ومن حق علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض أن يقودا حزبيهما ومن يفوز منهما بالأغلبية في الانتخابات من حقه أن يشكل الحكومة، لقي هذا التوجه تأييدا ودعما دوليا، لكن بمجرد أن وصل تقريرا سريا للرئيس علي عبدالله صالح آنذاك طار صوابه فأمر بإخفاء التقرير برئاسة الجمهورية والتكتم عليه وتم التخلص من الشهيدين جار الله عمر ويحي المتوكل خلال أسبوعين وهنا تنفس صالح الصعداء وبدأ يعد نفسه من جديد للتمسك بالسلطة في شخصه وعائلته بعد التخلص من حلفائه الذين كان لهم الفضل في بقائه رئيسا وفتح صفحة جديدة مع السعودية بعد أن باع لها المناطق الحدودية جيزان وعسير ونجران ووثق علاقته بالملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي خلف أخاه الملك فهد وقبل بكل شروطه لتقديم الدعم له وهو ما سنتحدث عنه في مقال قادم بإذن الله.