خارطة الانتشار وعدد القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة
أبدأ بالقول أنه وللأسف تكاد لا تخلو دولة عربية من وجود أو أنتشار عسكري أمريكي عدا قلة من الدول العربية منها الجزائر وموريتانيا،
أما معظم الدول الأخرى فينتشر فيها الامريكيون وفقا لاتفاقات صريحة مع الدولة أو بوضع اليد أو فرض الأمر الواقع عبر تطوير الوجود الشرعي الى وجود غير شرعي, تتراوح أهداف هذا الوجود بين الرمزي الاستشاري والعملي القتالي مروراً باللوجستي والتدريبي وما إليه.
وقد بلغ مجموع القوات الامريكية في المنطقة اليوم وفي قواعد معلنة, هذا غير الوجود السري ما يقارب 45 ألف عسكري منتشرون في 54 قاعدة أساسية, طبعاً هناك قواعد ثانوية قد يصل عددها الى 80 قاعدة في المنطقة.
هذه القواعد متفاوتة الحجم بين الصغيرة التي تزيد على 150 عسكريا، والكبيرة التي يتجاوز عددها من 5 آلاف الى 8 آلاف عسكري يضاف إليها الاساطيل البحرية الدائمة، أو القطع البحرية ذات الحركة الدورية في البحر المتوسط كما هو حال الاسطول السادس، أو الخليج كما هو حال الاسطول الخامس، وما بينهما البحر الأحمر الذي يعتبر شريانا رئيسيا للبحرية العسكرية الامريكية.
أما الانتشار في تجزئته المعلن منه، وهذه الأرقام التي سأذكرها هي المعلنة لأن أمريكا تعلن شيئا وتخفي شيئا اخر.
في العراق يوجد 2,500 عسكري, في الكويت 15 الفا، في الامارات 2,500، في قطر 12 الفا، وفي عمان 2000 عسكري.
وفي الأردن 5 آلاف وفي الأردن ولبنان والعراق يطور الامريكيون فيها السفارة لتصبح قلعة عسكرية تتجاوز في دورها ومهامها السفارات العادية ثلاث سفارات كبرى ستكون في المنطقة أو بدأت تتكون في المنطقة- لبنان معسكر السفارة يسمونه، وفي العراق معسكر السفارة، وفي الأردن أيضاً معسكر السفارة. في سوريا 900 عنصر معلن، وفي لبنان 200، إضافةً الى هذا الانتشار طبعاً في اليمن لم أذكر الانتشار لأنه متحرك.
إضافةً الى هذا الانتشار الدائم فإن أمريكا تلجأ في المهام الاستثنائية الكبرى الى نشر قوات قتالية قد تصل في المنطقة الواحدة الى 400 الف عسكري أمريكي أو حليف، وهي في ذلك تقيم تحالفات عسكرية تكون نواتها أمريكية, وتنتظم فيها دول أخرى كما حصل يوم غزوها لأفغانستان حيث أنها شكلت حلف دولي شرعه مجلس الأمن.
بلغ الذين شاركوا في هذا الهجوم أكثر من 400 الف عسكري، وكذلك في العراق حيث قامت بإنشاء حلف دولي خارج موافقة مجلس الأمن، وقامت بغزو العراق بقوى بلغت 350 الف عسكري. كما أنها في قدراتها العسكرية قادرة على إنشاء الجسور الجوية العسكرية التي تربط أراضيها في أمريكا أو أماكن انتشارها في أوروبا بقواعدها في الشرق الأوسط وغرب اسيا لإمداد القوات القتالية باحتياجات حربية تمكنها من القتال الدائم والمستدام يعني عندها قدرة لبناء الجسور الجوية التي تمكنها من نقل القوى أو نقل الاحتياطات اللوجستية أو التموين بما يمكنها من خدمة أهدافها القتالية لشهور طويلة في الحرب.
إن جميع القدرات العسكرية الامريكية في البر هي على بنية الأسلحة التقليدية، ولم يسجل حتى الآن خرق أمريكي لهذا المجال خاصةً وأن المعاهدات الدولية والقانون الدولي يمنع على أمريكا نشر أسلحة نووية خارج أراضيها، إلا أن هذا الأمر غير قائم في البحر أو في الجو بالنسبة الى القطع البحرية الامريكية التي تبحر عابرة أعالي البحار أو الطائرات التي تنطلق من الأرضي الامريكية. يعني بين يوم ويوم نسمع أن طائرة B15-2 بعدد كذا رحلة انتقلت وهذه حاملات قنابل نووية، وأيضاً الغواصات النووية التي تأتي وتذهب وطبعاً لا يوجد هناك رقابة على حركتها.
نظمت أمريكا أنتشارها العسكري خارج أراضيها في مناطق عسكرية متعددة, هناك منطقة عسكرية لأوروبا، ومنطقة عسكرية للشرق الأقصى, ومنطقة عسكرية للشرق الأوسط، وجعلت منطقة الشرق الأوسط الذي يشمل غرب اسيا وبعض من أواسط اسيا, وشمال أفريقيا جعلته في منطقة عسكرية اسمها المنطقة العسكرية الوسطى، والتي تنتظم فيها دول المنطقة بقيادة أمريكية.
طبعاً المنطقة هي منطقة أمريكية، وليس لها تنظيم شرعي في الدول، وفي هذه المنطقة العربية ينتشر 45 ألف عسكري كما ذكرت، وهم في قواعد عسكرية متنوعة في هذه المنطقة، ويساندهم الأسطولان في هذه المنطقة.
في الآونة الأخيرة أدخلت أمريكا العدو الإسرائيلي ضمن نقاط عمليات المنطقة الوسطى كان العدو الإسرائيلي قبل اتفاقات التطبيع “إبراهام”, تابعا في نقاط العمليات العسكرية الامريكية للمنطقة الأوروبية, لمنطقة أوروبا الامريكية, وبعد اتفاقيات التطبيع “إبراهام”, نقلت إلى نطاق المنطقة الوسطى.
هذا النقل حصل بهدف توفير فرص دمج إسرائيل في المنطقة, ولتعمل مع جيوش المنطقة خاصةً من خلال المهام التي تتولاها القوات الأمريكية في انتشارها في المنطقة, وسنجد ذلك واضحا ضمن المهام.
المهام التي تمارسها أو تطلع بها القوات العسكرية المنتشرة في منطقتنا في المنطقة الوسطى، على النحو التالي:
المهمة الأولى:
وهي المركزية والاستراتيجية الكبرى, هي السيطرة والهيمنة على المنطقة لأن أمريكا تعتبرها منطقة نفوذ أمريكي مغلقة بوجه الغير, تسيطر أمريكا على المنطقة وتمنع دخول عامل أجنبي إليها آخر.
إن أنتشار أمريكا في الشرق الأوسط هو لجعلها بحيرة أمريكية، ومنطقة نفوذ أمريكي مغلقة لأمريكا، وهذه المهمة تذكرنا بما أطلقته كونداليزا رايس في عام 2006 عندما اعتدت إسرائيل على لبنان وجاءت كونداليزا رايس لتروج للمسألة, وقالت بالفوضى الخلاقة نعمل لإنشاء شرق أوسط جديد، وما هو الشرق الأوسط الجديد الأمريكي هو شرق أوسطٍ تستعمره أمريكا هذه المهمة المركزية الأولى التي تتفرع عنها مهام أخرى ولكن أذكرها وفقاً لما يلي.
ثانياً وضع اليد على المنطقة ومعابرها، وتأمين إمداد NA وتأمين دوام إمدادات النفط وحرية الملاحة في المعابر المائية الأساسية
هذه الحرية المضمونة للغرب، والتي ينبغي أن تكون حركة الشرق مراقبةً لها، ونعلم أن هذه المنطقة فيها المعابر المائية التجارية الكبرى فيها قناة السويس, وباب المندب, وبينهما البحر الأحمر وفيها مضيق هرمز, حيث يمر أكثر من نصف من احتياط النفط العالمي.
ثالثاً حماية إسرائيل:
وهي مهمة أساسية لهذه القوى فيها تراقب حيث تنتشر وتتدخل لمنح العدو الإسرائيلي القوة الإضافية لحماية نفسه.
رابعاً تأمين مخزون لوجيستي عسكري واحتياطي لإمداد الجبهات عند اللزوم:
يعني خذوا اخر شيء مثلا عندما احتاجت أوكرانيا لبعض الذخائر التي تبعد أمريكا في مخازنها في أمريكا عن توفيرها بسرعة, فأمرت أمريكا إسرائيل التي تخزن لديها الذخيرة بإمداد الجيش الأوكراني بهذه الذخائر على وجه السرعة وحددت لها أسبوعا في حدٍ أقصى.
خامساً تدريب القوات المسلحة في الدول التي تنتشر فيها، وضبط مسارات عسكرية لتلك الدول حيث تتمركز.
ولذلك تجري مناورات وفقاً لأهميتها ومستوها، وهنا تأتي أهمية نقل العدو الإسرائيلي من نطاق منطقة أوروبا الى نطاق المنطقة الوسطى ليصبح العدو الإسرائيلي قادرا بعد هذا النقل على المشاركة في المناورات التي تنظمها أمريكا لجيوش المنطقة.
ويجد العدو الإسرائيلي نفسه في خندق واحد في عمل عسكري تدريبي واحد مع دول المنطقة سواءً كانت هذه الدول تقيم علاقات مع إسرائيل وتعترف بها وفقاً لسياسة التطبيع, أو بدون سياسيات وبدون اتفاقات.
سادساً تشكيل النواة لأحلاف عسكرية دائمة أو مؤقتة من شأنها خدمة المصالح الاستراتيجية الامريكية أو السياسية الامريكية العلياء.
من ينظر في الانتشار العسكري الأمريكي والمهام الوكلة لتلك القوى والاعمال التي قامت بها أمريكا عبر قواتها يجد أن الوجود العسكري الأمريكي في منطقتنا هو احتلال مكتمل الوصف، وهيمنة وسيطرة تنتهك السيادة الوطنية، وتصادر الاستقلال، وتثير الفتن والنعرات التقسيمية.
وفي الأصل كما يعلم الجميع أن استراتيجية أمريكا قائمة على السيطرة إثر الفتن إثر الانقسامات إثر التناحر، أمريكا تخلق الصراع حتى تتدخل, وهذا ما أفصح عنه في العام 2006 القائد السابق أو المدير السابق لـCIA رئيس المخابرات المركزية الامريكية السابق حيث قال في محاضرة نشرت, أنه علينا (يقصد على أمريكا) أن نصنع لهم إسلاماً يناسبنا, نصنع أهل المنطقة في الشرق الأوسط فيقتتلون حوله وينقسمون ويتأكلون ثم يستغيثون بنا ونذهب إليهم لننجدهم وننصرهم بين قوسين (ونسيطر عليهم).
أليس هذا ما يصنعون، وعليه إذا كان العمل في الفضاء الخارجي أو في أعالي البحار متروكا ومفتوحا حرا لأيٍ كان, فإن التمركز والانتشار على البر بحاجة لموافقة الدولة ذات الصلة، وأمريكا حتى تحصل هذه الموفقة تخلق للدول عدواً وهمياً من أجل أن تحملها على اللجوء إليها, وتوقيع اتفاقيات الإذعان معها, اتفاقات تتيح لها وضع اليد.
وهي تتطور وتنشر قواتها على أراضي هذه الدول, وتدعي أنها هنا من أجل التدريب ومن أجل تمتين العلاقات, لكنها سرعان ما تتخطى تلك المهمة المعلنة أو المحددة في الاتفاقات لتمارس أعمالا حربية عدوانية كما حصل في العراق عندما وضعت اتفاقية الاطار في 2011, ثم رأينا كيف أن أمريكا أنشأت حلفا دوليا بذريعة قتال داعش وعادت وانتشرت في العراق بقوة عسكرية كبرى، ثم عادت ونظمت احتلالها بالادعاء, بأنها انسحبت قتالياً وأنها هناك من أجل التدريب وهذا غير صحيح.
هناك مقولة نحن نعتمدها في النظرة الى الوجود الأمريكي أنه حيث تدخل أمريكا ينعدم الاستقرار, وتنتفي السيادة والاستقلال، وأين ما يتواجد جيش أمريكي ستعرف أنه لن يكون هناك استقرار, لأن أمريكا تبرر وجود هذا الجيش بعدم الاستقرار فتخلق عدم الاستقرار حتى يبقى جيشها من أجل ممارسة المهمة الأولى التي هي الهيمنة والسيطرة، وهذا ما تفعله في سوريا حالياً بالقول بمحاربة داعش, وهي التي اختلقت داعش, وهي التي صنعت داعش. إن المعادلة الثابتة تقول إذن, حيث تدخل أمريكا يهرب الاستقرار, وتنتفي السيادة والاستقلال، ونحن نرى أن من أهم تطبيقات هذه المعادلة ما يجري في اليمن, وفي سوريا والعراق حالياً, حيث أن أمريكا بوجودها العسكري, وضبطها السياسي تمنع تلك الدول من العودة الى حياتها الطبيعية.
ولذلك أقول أن ما ذكره وما أطلقه السيد عبد الملك الحوثي أطال الله بعمره بأن الوجود الأمريكي في اليمن هو عدوانٌ عليها سيتم التعامل معه على هذا الأساس هو قولٌ موضوعي وواقعي ومشروع ويقع في مكانه الصحيح، وأن لليمن الحق بأن تنظم قواتها لمقاومة هذا العدوان الاحتلالي، كما أن لكل دولة تنتشر على أراضيها قوات أمريكية الحق بأن تمارس كل أنواع المقاومة لتطهير أراضيها من السيطرة والاحتلال الأمريكي.
#خبير استراتيجي وخبير عسكري لبناني
*ورقة عمل للندوة الإعلامي التي نظمها اتحاد الإعلاميين اليمنيين