قمة حوارة تسقط شرم الشيخ
لو كنتُ زعيمًا عربيًا فلن أُوقّع أيّ اتفاقٍ مع (إسرائيل) على الإطلاق، فهذا طبيعيّ، نحن أخذنا بلدهم منهم، صحيح أنّ الله وعدنا بها، ولكن كيف من المُمكِن أنْ تُثير اهتمامهم فإلههم ليس إلهنا فلماذا يتقبّلون هذا؟
تلك العبارة لم تكن لرئيسٍ أو ملكٍ عربيٍّ مناهضٍ للصهيونية وكيانها بل إنّ من صاغ تلك الكلمات هو أحد أركان الحركة الصّهيونيّة ومن كبار مؤسّسي الكيان الصّهيوني المؤقّت الذي شغل منصب أوّل رئيس وزراء للكيان دافيد بن غوريون. لم تكن تلك الكلمات مقنعة لبعض العرب المهرولين طلباً (للسّلام) آخر أسلحة الكيان الصّهيوني وأكثرها فتكاً بالأنظمة التي وقعت في شراكه ولم تستخلص العبر من اتفاقيّة كامب ديفيد مروراً بوادي عرباه و أوسلو و قمّة شرم الشيخ الأولى والاجتماع الخماسي الذي انعقد في مدينة العقبة جنوبي الأردن في شهر شباط المنصرم بين الجانبين الفلسطيني (والإسرائيلي)، وبحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأردن ومصر وصولاً إلى اجتماع شرم الشّيخ أمس الذي يهدف إلى إنجاز الآتي:
1 - خفض التّوتر الذي تشهده الضّفة الغربيّة منذ بداية العام الجاري، وبمعنى آخر وضع حدّ لتصعيد المقاومة الفلسطينيّة وإنهاء عمليّاتها التي اتسعت برقعتها الجغرافيّة ضدّ الاحتلال الصّهيوني حتى وصلت إلى تل أبيب.
2- شرعنة إعادة احتلال الضّفة الغربيّة وإلغاء حدود 1967 والقضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينيّة وهو ما أكّده رئيس وزراء السّلطة الفلسطينيّة محمد اشتية.
3 - تحصين الكيان الصّهيوني داخليّاً في ظلّ تصاعد عمليّات المقاومة بالتزامن مع ارتفاع وتيرة حركة الاحتجاج ضدّ نتنياهو فيما يخصّ الإصلاحات القضائيّة.
4 - تكبيل وتقييد الشّعب الفلسطينيّ ومحاولة وتحقيق الأهداف للكيان الصّهيوني الذي عجز عن تحقيقها على مدى سنوات الصّراع والمواجهة .
5 - لجوء العدو لتبريد جبهة الضفة في شهر رمضان واستعادة هيبته من خلال فرض معادلات وقواعد اشتباك جديدة تجلّت بإغتيال القائد في الجهاد الاسلامي في دمشق علي اسود ليلة امس رغم محاولة الاطراف الخمسة المشاركة في اجتماع شرم الشيخ تحاول استباق الامور لتثبيت قاعدة تنص على عدم التصعيد ضد الإحتلال الذي لم ولن يوفر اي فرصة سياسية وديبلوماسي او عسكرية للإنقضاض على المقاومة في فلسطين وما عملية اغتيال القيادي في حركة الجهاد الاسلامي علي اسود امس في دمشق سوى شاهد اضافي على عدوانية الاحتلال وارهابه في الداخل والخارج هذا الارهاب الذي سيدفع ثمنه العدو في شهر رمضان وغيره من الشهور على ايدي المقاومين الذين لم ولن يمسكوا عن المقاومة التي استقبلت لقاء شرم الشيخ باستهداف مستعمرات غلاف غزة بقذيفة صاروخية وتنفيذ أحد المقاومين عملية اطلاق نار في حوارة القريبة من نابلس لتثبت المقاومة انها الحل الوحيد لتحرير كل فلسطين وهو استنتاج لا يحتاج الى بذل الكثير من الجهد لكي نصل اليه خاصّة وأنّ التاريخ القريب حافلٌ بالشّواهد الحيّة على ما حققته اجتماعات واتفاقات التّسويات المذلّة وقمم المساومة وما أنجزته خيارات الشّعوب في المقاومة ليس فقط في منطقتنا بل على مستوى العالم. ولو أجرينا مقاربةً بسيطةً بين معسكر المقاومين ومعسكر المساومين لوجدنا أنّ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة التي تشكّل رأس حربة محور المقاومة قد أصبحت قوّةً إقليميّةً بل عالميّة رغم الحصار والعقوبات الامريكيّة والمؤامرات التي تعرّضت لها إلّا أنّها ازدادت قوّةً وصلابةً وصموداً حتّى على المستوى الاقتصادي في حين أنّ جمهورية مصر العربية التي كانت تشكّل قوّةً كبيرةً وتلعب دوراً عربيّاً وإسلاميّاً وإقليميّاً قد خارت قواها وأضعف دورها حتى باتت لا تملك قرارها وتشهد اليوم تدهوراً اقتصاديّاً بعد سنواتٍ طويلة لتوقيعها على اتفاق كامب ديفيد. أمّا سوريا قلعة المقاومة وحصنها فلم تسلم من تآمر ذوي القربى قبل الأمريكي والصّهيوني خرجت منتصرةً بإرادة بفضل الشّرفاء من جيشها وشعبها ومقاوميها داحرة كلّ القوى الظّلامية وإماراتهم الإرهابيّة من داعش وغيرها لم يثنِها إرهاب ولم ينل من عزم أبنائها وصمودهم عقوبات أمريكيّة ولا إرهاب صهيوني أسقطت كلّ المتآمرين وبقيت شامخةً في حين أنّ النظام الأردني المطبّع سخّر قوّته لحماية الكيان الصّهيوني المحتلّ في فلسطين وهو الغارق في أزماته الاقتصاديّة التي زادت الشعب بطالةً وافتقاراً. أمّا اليمن الشامخ بإبائه رغم سنوات العدوان الثّمانية وحصارها والقائم من أنقاضٍ كالمارد المنتفض الذي فرض حصاره على العالم بصواريخه التي طوّرها رغم الحصار والعدوان فهو يختصر مشاهد العزّ والإباء والصّمود في تاريخ المقاومة التي أثبت من خلالها أنّ إرادة الشّعوب والأحرار هزمت أعتى قوى الاستكبار والطّاغوت الشّيطاني المتمثّل بالولايات الأمريكيّة المتحدة وتحطم أحدث الترسانات والمنظومات العسكريّة المتطوّرة بعزمها وإرادتها وتنتصر. تلك هي المعادلة التي أرساها القائد الأممي المقاوم الشّهيد عماد مغنية حين قال إنّ الرّوح هي التي تقاتل فينا، تلك الرّوح هي نفسها التي قاتلت في لبنان وهزمت العدوّ الصّهيوني وهي التي قاتلت في سوريا والعراق واليمن وهي الرّوح الخالدة التي تتقمّصها الأجيال جيلاً بعد جيل وهي التي تقاتل في فلسطين ولن يهزمها حصار ولن تنال منها أعتى الجيوش ولن تسكتها عن حقّها سجونٌ ولا اعتقالاتٌ ولن تنل من عزمها اتفاقيات (السّلام) أو (معاداة السّامية) ولن تحدّ من بأسها مؤتمراتٌ ولا قممٌ لأنّها روحٌ ساميةٌ مخلصةٌ متجذّرة بالحقّ كتجذّر شجر السّنديان في الأرض. هذه الرّوح التي لم ولن تعرف اليأس ولا الهزيمة والاستكانة وهي تدرك يقيناً إنّ ما عجز الصّهاينة عن تحقيقه منذ احتلال فلسطين حتى اليوم لن يحققوه بمؤتمرٍ خماسيٍّ أو سداسيٍّ أو أممي وإنّ فلسطين لن تتحرّر إلّا بسواعد المقاومين والشّرفاء وليس بالقمم والاتفاقات وما استقبال المقاومين لمستعمرات غلاف غزّة بصاروخٍ عشية انعقاد اجتماع شرم الشيخ سوى رسالة تجديد لخيار المقاومة التي اشعلت صافرات الإنذار في مستعمراتهم مذكّرة بقرب وحتمية زوال الكيان الصّهيوني المؤقّت الذي أدخل للعناية الفائقة باجتماع شرم الشيخ الذي لم يكن لينعقد هو أو غيره من القمم إلّا لتحصين الكيان الغاصب ومحاولة إعطائه جرعات لإحيائه وسيفشلون كما فشلوا في كلّ مؤتمراتهم وقممهم واتفاقاتهم المذلّة وكيانهم الذي قام بقرارٍ أمميٍّ فهو أوهن من بيت العنكبوت وسيزول بقرارٍ خطّه المقاومون بالنّار والدّماء.
#كاتب واعلامي لبناني