قمة الأمتين خرجت بـ(خفي خنين)
لم يعد انعقاد قمم جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي المتحورة عن منظمة المؤتمر الإسلامي اللتين تأسستا على التوالي في منتصف خمسينات وأواخر ستينات القرن الميلادي المنصرم بأية فائدة تذكر، بقدر ما تعكس رغبة الحكام في الالتقاء -من وقت إلى آخر- بهدف التمظهُر.
قدم صورية وعدم فعالية القمم
لعل أهم ما يعكس نمطية بل صورية وعدم فعالية قمم عشرات الحكام وعجزها التام عن خدمة القضايا العربية أو قضايا أمة الإسلام أنَّها تستضيف -على الدوام- بعض رؤساء أو وزراء أنظمة الغرب الصهيوصليبي الذي يناصب العروبة والإسلام العداء، بل إنَّ بياناتها الختامية تسبق -في المعتاد- مواعيد الانعقاد، لتعرض على سيد البيت الأبيض، فيقرّ من محتوى البيان ما يتوافق مع مصالح الأمريكان وحلفائهم الأوروبيين، ويشطب منه ما يتصادم معها، ويضيف فيه ما يعزز ولاء الأنظمة المنوط بها انعقاد القمة لأمريكا وبقية دول غرب أوروبا، بينما تقتصر مهمة المؤتمرين من حكام العرب والمسلمين على حضور الفعاليات الصورية والتقاط الصور التذكارية، وعلى إمهار نص البيان الختامي المعتمد من الإدارة الأمريكية بإمضاءاتهم المبجلة قبل إرساله للنشر في وسائل الإعلام المفضلة التي تكون -غالبًا- شريكة فاعلة في الترويج لتلك المهزلة.
قمة مشتركة واضحة الأمركة
إذا استثنينا ما تضمنته كلمات أميري قطر والكويت والرئيسين التركي والإيراني من انتقاد حاد لسكوت المجتمع الدولي وتحييد ضميره الإنساني عمَّا يرتكبه الكيان الصهيوني من مجازر وحشية يومية في حقِّ أطفال ونساء «قطاع غزة» الفلسطيني، فقد اتسمت كلمات معظم المسؤولين الذين شاركوا في إحياء فعالية القمة العربية الإسلاميّة المشتركة بالنمطية المعتادة التي لا تتجاوز -في نمطيتها- دعوة المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته في الضغط على الكيان الصهيوني للقبول بقرار وقف إطلاق النار وإنقاذ حياة سكان قطاع غزة من الموت وإيقاف ما تتعرض له بنيته التحتية من دمار، ودعوة جميع الدول لوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى الكيان متحاشين ذكر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وكأنهم ليسوا على علم بوضع أمريكا -منذ اليوم الأول لـ«طوفان الأقصى- كل مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة والذخائر تحت تصرف رئيس حكومة الكيان ومجلس حربه، فضلًا عن حشد الإدارة الأمريكية حاملتي الطائرات "جيرالد فورد" و"أيزنهاور" محاطاتين بعشرات السفن وعشرات الفرقاطات وعشرات الزوارق الحربية ومعها عشرات وربما مئات القطع الحربية الأوروبية إلى شرق المتوسط بالقرب من سواحل غزة، وكأنَّ هذا الغرب الخالي من الآدمية يتهيأ لخوض حرب عالمية.
التغافل عن أي إجراء فاعل
من المفترض أنَّ في تعرُّض أطفال غزة -منذ ما يزيد على 38 يومًا- لحرب إبادةٍ جماعية بنيران أسلحة الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب الماسوني بشكلٍ جنوني دافعًا قويًّا لبلورة موقف عربيٍّ إسلاميٍّ موحد من شأنه إيقاف الصلف الصهيوماسوني عند حد، فقد كان جدير بأصحاب الجلالة والفخامة والسمو الذين شاركوا في القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عقدت يوم أمس في الرياض أن يتفلتوا من أغلال الأمركة المدركة وغير المدركة، فتتمخض قمتهم الموسعة عمَّا يأتي من القرارات الناجعة:
١- إصدار قرار بفتح معبر رفح بشكلٍ مستدام والمسارعة بإدخال كل ما يحتاجه الغزيون هذه الأيام من الدواء والطعام، وحصر الإشراف والتحكم في المعبر في المصريين والفلسطينيين، كونه يربط بين قطرٍ عربيٍّ مستقل وبين ترابٍ فلسطينيٍّ محرر.
٢- الإعلان عن استئناف نظام المقاطعة الاقتصادية ضد دولة الكيان وكافة الدول المساندة لها الذي كان قائمًا قبل توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر السادات وكيان الإفك والافتئات، على أن تستمر المقاطعة حتى ينفذ البند رقم «13» من قرارها التأريخي والمتمثل في التوصل -بشأن الصراع الفلسطيني الصهيوني- إلى حلولٍ عادلة، استنادًا إلى القرارات الأممية ذات الصلة.
٣- الإعلان عن شروع الدول العربية المنتجة للنفط والغاز في تخفيض صادراتها إلى الدول الغربية المساندة للكيان الصهيوني في شرائح يومية مقدارها 10% في كل يوم يمرُّ من دون الوقف الناجز لإطلاق النار وإزالة الحصار عن القطاع الذي يتعرَّض للقصف الشديد الفظاعة على مدار الساعة.
٤- التلويح بالتدخل العسكري، ومباشرة حشد القوات من عشرات البلدان ووضع سقفٍ زمنيٍّ لتموضعها في الجبهات استعدادًا لخوض معركة تحرير القطر العربي الفلسطيني واستنقاذ أبناء فلسطين ممَّا يعانونه من مظالم وتحرير عشرات المقدسات التي تهم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم.
فلو أنَّ بيان القمة تضمن هذه الفقرات ذات الإيقاع القوي، لارتدعت واشنطن وأخواتها عمَّا هي فيه من غي مجبرةً دولة الكيان على المضي في السراط السوي، أمَا وقد اقتصر بيانها الفضفاض على الكثير من الألفاظ الخالية الوفاض، فما أجدرنا أن نتحدث عنها -من منطلق يأسنا منها- قائلين: (قمة الأمتين خرجت بـ«خُفَي حُنين»).