اليمن يبدأ معركة تحرير العالم العربي
يرزح العالم العربي منذ قرون تحت الحكم الاستبدادي والاستعمار الصريح أو المقنع، فالسلطة الدينية فيه تابعة كلياً للسلطة السياسية، والسلطة السياسية بدورها تابعة للنفوذ الأميركي والغربي بحسب موقع الدولة وتأثيرها،
وبالتالي فإن الغرب أصبح المرجع الفعلي للسلطتين الدينية والسياسية في العالم العربي.
وصل الأمر مؤخرا إلى درجة أن يفتي الأميركي لنا بمن هو مسلم ومن هو غير مسلم، ويملي على الدول العربية التابعة له كيف يتم تعليم الدين في المدارس والجامعات، وأي من آيات القرآن يجب أن يحذف!!
الهيمنة الغربية على العالم العربي تلقت دفعة قوية من انتصار الغرب في الحربين العالميتين، وبعد تلك الحروب التي أظهر فيها الغرب إجرامه حتى في دياره، وهزيمة الدولة العثمانية، أنشئ الكيان الصهيوني كتتويج للهيمنة الغربية على المنطقة، وهنا يكمن سر الاستنفار الغربي لنصرة الكيان بعد أن تلقى ضربة موجعة هزت كيانه في أراض تعتبر جزءًا منه منذ سنة 1948م، ولذلك يجب فهم الدفاع عن الكيان الصهيوني اليوم، بوصفه دفاعاً عن الهيمنة الغربية على المنطقة، والحزام العربي المتأمرك، الذي يحرس هذه الهيمنة ويغذيها بالدعم الظاهر والخفي للكيان الصهيوني، سواء بالتطبيع السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي أو الثقافي.
العلاقة في الحقيقة جدلية بمعنى أن كل ضعف يصيب إسرائيل فإنه ينعكس ضعفًا للهيمنة الغربية من جهة، وللحكومات العربية التابعة للغرب من جهة أخرى. وعلى مدى عقود تمت حراسة الكيان بهالة من الوهم، سواء من قبل آلة الدعاية الصهيونية الضخمة أو من قبل الأنظمة العربية التي تريد أن تبرر استسلامها وخنوعها أمام أملاءات السيد الأميركي.
تعاون الصهيوني والأميركي وتوابعهم من العرب على إحاطة الكيان الصهيوني، بأحزمة الحماية فسخر المال الخليجي لتدمير دول الطوق في حروب مذهبية عبثية، وإنشاء دول فاشلة مشغولة بمشاكلها الداخلية ولا قدرة لها على المبادرة في معركتها مع الكيان، حتى ولو كانت تعتبر إسرائيل عدوة، ومن جهة أخرى تم بناء السدود والحدود بين الأطر الوطنية والقومية والإسلامية، وتغذية الصراعات بين هذه التيارات بحيث أصبح الصراع مع العدو مسألة ثانوية.
ولما ظهرت إمكانية نشوء قوى بديلة عن الحكومات المرتهنة، كالمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، والحشد الشعبي في العراق، أو حتى مزيج بين دولة ومقاومة كما هو الحال في سوريا، أطلقت ماكنة الحروب الطاحنة، وأعيد استخدام الإسلام الأميركي والإرهاب التكفيري بتمويل سخي من دول الخليج ضد حركات المقاومة.
اليمن كان حالة فريدة في هذه الحروب الشعواء، حين أعلنت عليه الحرب من قبل تحالف عربي ودولي بل وإسلامي، لأنه أرسل بثورته، وبشعبه الحي، رسالة تحرر حقيقية.
تميزت الثورة اليمنية بالأصالة والجدية والرغبة الحقيقية في الانعتاق من سجون التخلف والتبعية والاستبداد، وكان الالتفاف الشعبي حول الجيش اليمني واللجان الشعبية منقطع النظير في تاريخ التجارب العربية ولا يزال، يزداد تألقاً وصلابة رغم المحن.
وبفضل هذا المركب الصلب، والعزيمة الإيمانية، والمسيرة القرآنية التي أصبحت قاموس الثقافة اليمنية، ولدت من رحم المآسي دولة عربية متحررة عاصمتها صنعاء، يقودها سيد شريف عميق الثقافة واضح الرؤية صادق الخطاب، تمكن من تحويل الأزمة الناتجة عن العدوان إلى فرصة لبناء ترسانة عسكرية غير مسبوقة بجهود وطنية استفادت من دعم الحلفاء دون أن تتزعزع استقلالية القرار.
نعم "استقلالية القرار" كلمة أصبحت غريبة في قاموس الحكومات والدول العربية، وهناك شيء غريب آخر، في اليمن على العرب، وهو حكومة وثيقة الصلة بالشعب، تمثله بحق، ويدعمها بصدق، المشهد اليمني غريب على ليل العرب، الذي تحكمه ممالك المحميات، أو سجون الديكتاتوريات.
أصبح اليمن اليوم وبعد حرب ضروس استهدفت كل شيء فيه: دولة عربية مستقلة، تتخذ قراراً وتنفذه من دون استشارة أي جهة أجنبية، وقد جاء قراره الأخير في المشاركة في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة العزة، عسكرياً بالصواريخ والمسيرات، ليضيف ظاهرة جديدة أخرى على المشهد العربي.
ينطلق الصاروخ اليمني إلى شمال فلسطين المحتلة عابراً 2300كيلومتر، والبحر الأحمر يعج بالبوارج الأميركية والمتعددة الجنسيات، فتهتز أركان الأنظمة العربية المرتهنة وتهب لنجدة من يحرسها، ويغذي هوانها، ويحرس تخلفها السياسي، وتبعيتها الخسيسة.
وفي طريقه إلى إيلات يخترق الصاروخ اليمني كل حواجز الخوف مستنداً إلى ثقافة قرآنية عميقة، وإيمان صادق. ويعبر كل الحواجز المذهبية والوطنية والإقليمية التي بنيت لمنع العالم العربي والإسلامي من الحد الأدنى من التكامل في مواجهة مؤامرات الغرب، ومن مواجهة وردع جرائم الكيان الغاصب بحق المدنيين والمستضعفين من النساء والولدان.
وراء هذا القرار مسيرة تحرير للعالم العربي من الخوف والركون إلى الظالمين، ويقين بنصر الله وتأييده في مسيرة يقود فيها اليمن الحر حقيقة، شعوب العالم العربي إلى الدرب الصحيح للانعتاق من مهانة المذلة والتبعية.
وفي النهاية نحن على يقين من أن هذا اليمن الاصيل، سيحرر المحميات الأميركية، ويشركها في مسيرته القرآنية، رغمًا، عن أنف الظالمين، وصناع الحروب والفتن، والمراقص.
قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).