أبناء حضرموت يرفضون مشاريع التقسيم
في الستينيات حاولت السعودية أن تضع يدها على محافظتَي حضرموت والمهرة بموجب اتفاق رعته بريطانيا في الثالث من أيار/ مايو من العام 1965م، وتم توقيعه بين ممثل الحكومة السعودية وممثل السلطنة القعيطية في الجنوب،
بناءً على طلب المملكة السعي في إقامة الاتحاد الشرقي بين كلّ من السلطنات القعيطية والكثيرية والمهرية، مقابل قيام الحكومة البريطانية بمنح الاتحاد الشرقي الاستقلال الفوري. ونص الاتفاق، وفق الوثائق التاريخية، على أن يراعي الاتحاد الشرقي المصالح البريطانية في الاتحاد المزمع، وأن يدمج الاتحاد الشرقي في اتحاد كونفدر إلى مع الحكومة السعودية.
ومنذ بدء العدوان على اليمن حرص العدوان السعودي على إبقاء حضرموت، الوادي والصحراء بعيدة عن الصراع، لإدراكه أن القوات الموجودة هناك موالية له، وأن لا صعوبات بالنسبة إليه في نشر أي قوات عسكرية هناك، على عكس المهرة التي ترفض ذلك الوجود وتصفه بالاحتلال، ومع اتساع نطاق تحركات «المجلس الانتقالي» وتوعّده بالسيطرة على الوادي والصحراء دفع الاحتلال السعودي بقوات عسكرية ضخمة مطلع العام الجاري إلى مدينة سيئون، عاصمة وادي حضرموت.
والآن يحاول الاحتلال السعودي العودة إلى تحقيق تلك المطامع التوسّعية القديمة بموجب اتفاق جدة الذي رعته الرياض بين حكومة الفار هادي وما يسمى «المجلس الانتقالي» الموالي للإمارات، والذي يمنح الرياض حق التدخل الكامل في شأن تلك المحافظات أمنياً وعسكرياً، حيث انسحبت قوات إماراتية من مديريات ثمود الواقعة في نطاق محافظة حضرموت ومديرية رماة الواقعة في نطاق محافظة المهرة، وأخلت أبوظبي وجودها العسكري من عدة مواقع ومعسكرات كانت توجد فيها منذ أكثر من عامين ونصف، وسلّمت مواقعها لقيادة المنطقة العسكرية الأولى الموالية لحكومة المرتزقة، وغادرت صوب المكلا عاصمة المحافظة، وعلى إثر ذلك دفعت الرياض بقوات إلى معسكر القيعان في منطقة ثمود الصحراوية التي تقع شمال حضرموت، وتعدّ جغرافياً امتداداً للربع الخالي، ومن المتوقع أن تعزز الرياض وجودها العسكري في ثمود، لا لسدّ فراغ انسحاب القوات الإماراتية، بل إن الاحتلال السعودي حاول مطلع ستينيات القرن الماضي إلحاق ثمود النفطية بأراضيها، بعد أن أثبتت شركة «بان أميركان» عام 1961م وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود، وهو الأمر الذي أثار رغبة السعودية في ضم المديرية إليها ودفعها إلى اختلاق خلافات مع اليمن –حينذاك- وعلى إثرها توقفت الشركة، إلا أن الرياض لم تتوقف عن محاولات ضم المديرية وإلحاقها بها بهدف الاستحواذ على الثروة النفطية، ووفقاً للمصادر التاريخية فقد أوعزت الرياض إلى أحد تجار حضرموت الحاملين الجنسية السعودية، ويدعى أحمد سعيد بقشان، بالقيام بعملية شراء أراض واسعة في ثمود، وبعد ذلك، حاولت الرياض فصل منطقة ثمود عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها الجبهة القومية عام 1967م، ولكن على مدى العقود الماضية وقفت السعودية عبر أياديها المختلفة أمام عدم استخراج الثروة النفطية في ثمود، كما سبق لها أن أوقفت أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شروره وحضرموت طيلة العقود الماضية، وها هي اليوم تعود إلى حضرموت تحت ذريعة إعادة "الشرعية".
عندما حاول الاحتلال الإماراتي مواصلة التوسع نحو وادي حضرموت والتموضع بالقرب من الحدود السعودية بغطاء مشروع الانتقالي اتخذ السعوديون موقفاً أكثر حزماً ولوحوا باستخدام الطيران الحربي إلى جانب الجيش لمواجهة أي استمرار في التصعيد وهو ما دفع الإمارات لتهدئة حملتها، فيما جاءت أحداث شبوة المتوالية مؤشراً مخيباً للسعوديين الذين شعروا أن الإمارات لم تكتفِ بإسناد المحسوبين عليها بل كبلت أبرز المحسوبين على الرياض وبطريقة اتصال مباشرة وفّر خلالها العليمي بشكل أو بآخر غطاءً للإمارات لتحقيق هدفها في شبوة.
فالأطماع السعودية القديمة والراهنة تتجدد في حضرموت بحكم قربها من حدودها الشرقية، وكونها المحافظة الأغنى ثروةً والأكبر مساحةً في اليمن وأن اطماعهم المعلنة لا تخفي الأطماع الغربية والأمريكية والصهيونية الخفية الذين جعلوا من الاحتلالين السعودي والإماراتي لجنوب اليمن واجهة لهم، لم تكتف دولتا الاحتلال السعودي والإماراتي بتأسيس مجالس التفكيك، بل قامتا بتشكيل المليشيات التابعة لها وتسليحها بهدف إثارة الصراعات وإطالة أمد الحرب وتوسيع دائرة الانقسامات العشائرية والمناطقية وتفكيك وحدة اليمن وفرض مشروع الانفصال، فتصاعد الخلافات بين الكيانات والمليشيات المدعومة من تحالف العدوان في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة تنذر بمواجهات مسلحة أكثر حدة خلال الأيام القادمة حسب ما تمليه مخططاتهم الاستعمارية، والتي تنعكس آثارها على حياة المواطن أمنياً واقتصادياً واجتماعيا، وبإنهاء تواجد الاحتلال السعودي والإماراتي وحل المليشيات التابعة لها.. فممارسات الاحتلال السعودي والإماراتي في المحافظات الجنوبية المحتلة وما يتم نهبه من ثروات البلاد النفطية والغازية وتعمد الاحتلال في العبث بجغرافية الجزر اليمنية وصراع المحتلين السعودي والإماراتي إنما هو صراع مصالح لتقسيم اليمن ونهب ثرواته وما تخطط له دول العدوان، وفي مقدمتها السعودية والإمارات في جنوب اليمن المحتل، وتمارسه على الواقع، يثبت عدم الرغبة والجدية نحو السلام والخروج من اليمن.
ومع نهاية عام منصرم وبداية عام جديد يبدو أن مساحة الصراع على المستوى التنفيذي بين الدولتين في الملف اليمني ستظل تتصاعد بأشكال مختلفة، وتتخذ أشكالاً غير مباشرة على الأرض أن تشكل ما يسمى بمجلس حضرموت الوطني بدعم من دولة الاحتلال السعودي كيان مشوه خارج عن الإرادة الشعبية ومحاولة لفرض وصاية جديدة في الوقت الذي ترزح فيه حضرموت والمناطق الجنوبية تحت الاحتلال ونهب الثروات والاضطهاد وقد رفض الأحرار في حضرموت والمناطق الجنوبية المحتلة.. هذا المجلس ووصفوه بأنه كيان غير شرعي ولا يمثلهم وإنما هو عبارة عن مجلس للوهم والسراب ولا فائدة منه وان وجوده مثل عدمه ولا يمثل حضرموت الأرض والإنسان.
فالصراع بين المحتلين السعودي- الإماراتي على المحافظات الجنوبية والشرقية وتجزئتها والجري المحموم في مناطق الطاقة في المنطقة الشرقية (حضرموت المهرة)، تتهم السعودية الإمارات بأنها من تقود مشروع تفكيك اليمن، حيث دفعت مؤخراً بمليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي للسيطرة على سيئون، رداً على إخراج المليشيات الاماراتية من مطار الريان واستبدالها بمليشيات سعودية، فيما تهدد الإمارات السعودية بكشف تنظيماتها الإرهابية بالجنوب، فيما تمضي هي نحو سياستها الموصوفة بالتشطيرية بالجنوب المحتل، والتي تهدف الى فك ارتباط الجنوب عن الشمال ومن ثم تجزئة الجنوب إلى دويلات يسهل الاستيلاء عليها وقد شرعت بالاستيلاء على أرخبيل سقطرى بالفعل، فالسعودية لا ترفض التقسيم من حيث المبدأ، ولكنها ترفض أن يكون التقسيم إماراتي من حيث التخطيط والتنفيذ والنتيجة وتتسع دائرة الصراع بين السعودية والإمارات لتتضح اكثر فأكثر ملامح المؤامرة الكبرى التي باتت تشهدها اليمن ووحدته.
وهنا فإن أبناء حضرموت يؤكدون أن مثل هذه المشاريع فاشلة ومنتهية وإنهم لن يسمحوا بتمرير مثل هذه المخططات الجهنمية التي تستهدف أبناء حضرموت في المقام الأول للسيطرة على الثروات وتسخيرها للمحتل والغازي وحرمان أبنائها منها وان هذا المشروع الخطير يأتي في إطار مشاريع التقسيم والتفتيت والتوسع التي تسعى لتحقيقها دول الاحتلال، ولن يكتب له النجاح في ظل صمود الأحرار ومواجهات المخططات الخطيرة التي تستهدف اليمن وحضارته وان تأسيس مجلس حضرموت الوطني هو بمثابة قطع الطريق على مشروع الانتقالي في محافظة حضرموت الغنية بالنفط، ويمثل حجر عثرة أمام مشروعه الانفصالي، وانطلاقا من أن حضرموت أكبر محافظات البلاد، ويمكن أن تدفع خطوتها هذه إلى أن تحذو حذوها محافظتا شبوة والمهرة اللتان تشكلان مع حضرموت الإقليم الشرقي لليمن، وهو في حال حصل سيمثل إجهاضا لمشروع الانتقالي، لأن هذه المشاريع تؤسس لمنح المجتمعات المحلية حقها في تقرير المصير، لا سيما وأن حضرموت تمتلك مساحة كبيرة، ويقع في نطاقها الجغرافي حقول غنية بالنفط، ما قد يجعلها تفكر مليا بتأسيس دولة مستقلة، وهو ما سبق ولوح به لقاء سيئون، الذي خلص إلى أن حضرموت ستكون إما دولة مستقلة في حال الانفصال أو إقليما مستقلا في إطار الدولة اليمنية.
فاليوم ينبغي على القوى والمكونات الجنوبية أن تتنبه للمؤامرات التي تحاك ضد المحافظات الجنوبية والشرقية وضد اليمن ككل وأن عليهم أن يدركوا أن صراع دول تحالف العدوان وفي مقدمتها السعودية والإمارات إنما هو صراع المصالح لتقسيم اليمن ونهب خيراته وليس حبا في خير اليمن وأبنائه.