القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «60»
بعد قيام الثورة انجذبت بعض القبائل إلى الجانب الجمهوري وأكثرهم من الذين غالباً ما كانوا يمتلكون الأراضي في جنوب اليمن ومن الصعب أن نفكر في مشايخ ملكيين من القبائل الجمهورية،
وعلى الجانب الجمهوري سرعان ما لعب كبار المشايخ دوراً من نوع مختلف تماماً عن زملائهم الذين كانوا مع الملكيين حيث حصلوا على مناصب حكومية رسمية وقام مجموعة من السياسيين الليبراليين والضباط الثوريين والشيوخ الجمهوريين بصياغة دستور مؤقت قدموه إلى السلال وأعلنوا شروطه في 13 أبريل 1963م وتمثلت هذه الشروط في أن يصدر الرئيس فقط تلك القوانين التي وافق عليها مجلس الرئاسة وأن يتم تشكيل مجلس تنفيذي من الوزراء للإشراف على أعمال الحكومة وأن يتم تشكيل مجلس من المشايخ للتعبير عن رغبات القبائل الكبرى ورد السلال ورعاته بإرسال قادة هذه المجموعة إلى المناطق المتنازع عليها بعيدا عن صنعاء وفي سبتمبر/أيلول 1963م قامت نفس المجموعة التي صاغت دستور أبريل/نيسان بمحاولة جديدة للحصول على قدر من السيطرة وتمركزت هذه المرة في عمران وقد عقد اجتماع من قبل بعض المشايخ الجمهوريين ولاسيما الأحمر وأبو رأس اللذين اجتذبا مندوبين من المناطق المعلنة ملكيتها ومن بين القبائل الملكية التي حضرت عيال يزيد ولكنهم انسحبوا من الاجتماع بسبب مسألة الوجود المصري في اليمن وعندما أعيدوا طالبوا بإرسال وفد مكون من شيخين من حاشد وشيخين من بكيل للمطالبة بحسابات ناصر عن دوره في اليمن وفي إشارة إلى الطريقة التي استمرت بها الأشكال القبلية أن من بين الذين أعادوهم إلى الاجتماع مشايخ من عيال سريح الذين كانوا في ذلك الوقت على خلاف شديد مع حاشد ومع حلفائه الجمهوريين ومضى الاجتماع وأسفر عن ثمانية قرارات من بينها إنشاء جيش شعبي وإعادة أعضاء المجلس الرئاسي إلى مناصبهم وتشكيل لجنة من المشايخ لحل النزاعات القبلية وتحويل مجلس المشايخ إلى مجلس شورى وتشكيل لجنة أخرى من المشايخ لضمان إنهاء التدخل الأجنبي في الشؤون القبلية من خلال الإجراءات العسكرية، بعض القبائل التي كانت على خلاف خطير مع صنعاء طالبوا المؤتمر بضمانات لاستقلالهم الذاتي لكنهم رفضوا التعامل مع مقترحات الزبيري وكل هذه المشاكل كانت من مخلفات الحرب الأهلية في اليمن .
لقد أودت الحرب الأهلية بحياة أكثر من 200 ألف يمني وتسببت في أضرار لا حصر لها في الممتلكات ومع ذلك فإن الهدف الجماعي للمشاركين الدوليين في الحرب لم يكن تدمير شمال اليمن أو القضاء على سكانه بل كان يُنظر إلى المملكة السابقة على أنها دولة محتملة سواء كانت غير مستقرة أو ضعيفة أو ناصرية أو شيوعية لم يجلب الاستثمار ورأس المال والاهتمام الدولي خلال الستينيات الدمار والحرب فحسب بل جلب أيضاً شعوراً بالقومية والوحدة لدولة اليمن الحديثة الناشئة.
كان الهدف من هذا التدخل الدولي في الحرب الأهلية في اليمن هو الاستفادة من وجهات النظر التاريخية المتعددة في بناء تحليل شامل واحد لهذا الصراع التاريخي من خلال الاعتماد على أرشيفات من بريطانيا وكندا وإسرائيل وروسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة واليمن إلى جانب الأدبيات الثانوية ومن كل من هذه المنظورات الوطنية يشرح هذا العمل كيف ولماذا أصبحت الحرب الأهلية في اليمن ساحة للصراع العالمي والصراع العالمي ما هي الآثار المترتبة عليه والمشاركة الدولية في الصراع وعندما نشر دانا آدامز شميدت مراسل صحيفة نيويورك تايمز كتابه عن الحرب الأهلية في اليمن في عام 1968م كان له ما يبرره في الإشارة إلى الصراع باسم الحرب المجهولة ولكن لم يتم إيلاء الموضوع هذا سوى القليل من الاهتمام الإعلامي باعتبار أن المنطقة منطقة نائية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وفي وقت قريب من بعد صدور كتاب شميدت نشر صحفيون بريطانيون وإسرائيليون وفرنسيون ثلاثة تقارير إعلامية إضافية قدمت مجتمعة وصفاً زمنياً شاملاً للحرب ومنذ نشر هذه الروايات الصحفية الأربعة ركزت العديد من الأعمال على جوانب مختلفة من الصراع مثل التنافس السعودي المصري أو تاريخ العلاقات السعودية اليمنية وتمثل الروايات والتحليلات المباشرة للسنوات الأخيرة من الاحتلال البريطاني في عدن أكبر مجموعة من المؤلفات المتعلقة باليمن خلال الستينيات وهناك العشرات من المذكرات التي كتبها دبلوماسيون بريطانيون سابقون وأعضاء في الخدمات الخاصة ومسؤولون استعماريون في عدن وعدد مماثل من الدراسات التاريخية وركز كتابان حديثان لكليف جونز ودوف هارت ديفيس على الحرب السرية البريطانية في اليمن وكذلك ركزت مجموعة الكتب والمقالات حول نهاية الإمبراطورية البريطانية بشكل فريد على السياسة البريطانية الداخلية والحروب الحدودية مع القبائل اليمنية .