أهمية التعامل مع الأسباب قبل الوقوف أمام النتائج
بعد تشكيل حكومة التغيير والبناء وهي أول حكومة مختصرة تم اختيار أغلب أعضاءها على أساس معيار الكفاءة وليس على أساس معيار الولاء الزائف كما كان يحدث في تشكيل الحكومات السابقة التي كانت تخضع لأسس المحاصصة والمراضاة
وكذلك تم تعيين نواب للوزراء يتفاءل الجميع بهم كونهم كفاءات إدارية ولأننا لا نستطيع أن نحكم على ما ستقوم به هذه الحكومة التي يرأسها دولة الأستاذ احمد الرهوي وهي لا تزال في أيامها الأولى ولم ترتب أوضاعها بعد إلا أن أبناء الشعب اليمني تعودوا الاستعجال في كل شيء حيث بدأ البعض يحاسبها ويتساءل ماذا فعلت؟ مطلقا عليها مصطلح: ديمة وخلفنا بابها، وهذا في حد ذاته يمثل قمة الغباء والتحامل في التقييم غير الموضوعي وربما قد يكون لتخديرة القات دخل في ذلك مثل الذي تجد أمامه علاقية قات قيمتها أكثر من خمسة آلاف ريال إلى جانب المشروبات الغازية والسجائر الفاخرة ويقضي العديد من الساعات لمضغها ثم يخرج تلفونه من جيبه ويكتب منشورا على حسابه في الفيسبوك يقول فيه أنا جاوع أين الراتب بهدف التحريض لا أكثر، وعليه وجدت من المناسب أن أعود إلى مقال كتبته قبل خمسة أعوام قلت فيه أن مشاكلنا في اليمن لا يمكن أن تحل جذريا ما لم نقف على أسبابها أولاً ونعمل على معالجتها ولو بالحد الأدنى أما اذا ظللنا نتعامل مع نتائج كل مشكلة ونقف امامها طويلا بسلبية دون معالجة فإننا بذلك نمهد لخلق المزيد من المشاكل والقضايا المعقدة لكن لو امتلكنا شجاعتنا وسمينا الأشياء بمسمياتها دون مجاملة أو تحرج وحددنا المتسبب لاستطعنا أن نرسم طريق المستقبل ونشقها بخطى واثقة لا نخشى من عثراتها شرط أن يتحمل المسؤولية الجميع بما في ذلك التعاون من قبل المواطن نفسه كونه المستهدف الأول لإصلاح أوضاعه والمستفيد من وجود دولة نظام وقانون، على سبيل المثال في عام 1994م كان اليمن يعيش في وضع لا يحسد عليه بسبب الحرب التي كانت دائرة آنذاك واستمرت أكثر من شهرين وهي الحرب التي أجمعت عليها كل الأطراف السياسية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية بأنها كانت السبب المباشر لما وصلت إليه الأوضاع فيما بعد من ترد وتشظ وغياب ثقة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ولذلك فإننا سنقف قليلا عندها باعتبار أنها أم المشاكل وأم القضايا وما حدث بعدها ليس إلا تفرعات منها وكيف استغلها طرف ليجعل منها حجة لتحقيق أهدافه وصولاً إلى الانفراد بالسلطة والتخلص من شركائه في العملية السياسية وقد عايشت ذلك بنفسي لحظة بلحظة وشاركت في المطبخ الاعلامي الذي كان يمجد ذلك الوضع من باب حسن الظن حتى ثبت العكس تماما فاتخذت موقفا مغايرا وعوقبت على هذا الموقف.
لقد كان يومها أكثر ما يخيف الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح أن يصر نائبه في مجلس الرئاسة علي سالم البيض على تنفيذ بنود وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في الأردن برعاية جلالة الملك حسين بن طلال رحمه الله ويجعل منها شعاراً مرفوعاً أثناء الحرب وهو ما جعل الأيام الأولى من الحرب تشهد ارتباكا واضحا وكان الرئيس الأسبق يخشى من تدخل وساطات إقليمية ودولية تفرض عليه الوفاء بالوعد الذي قدمه للملك حسين بتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق حيث قال له بالحرف الواحد عقب التوقيع عليها مباشرة: نعدك وعد الرجال بتنفيذ الوثيقة، وعليه فقد بذلت جهود كبيرة خلال هذه الفترة لإيقاف الحرب وصولاً إلى حل يرضى به الطرفان الشريكان في إعادة تحقيق الوحدة: (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني) وحلفاؤهما ومن ضمن الحلول التي كانت تطرح: العودة إلى وثيقة العهد والاتفاق والعمل على تنفيذها لكن مراهنات علي سالم البيض على الخارج وخاصة السعودية التي وعدته بالوقوف إلى جانبه جعلته يصر على مواصلة الحرب في ظل حسابات خاطئة دفعت به إلى إعلان الانفصال في 21 مايو 1994م حيث صدق نصيحة الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك الذي قال له: إعلن الانفصال بحيث يتم الاعتراف بك كرئيس دولة أما لو استمررت تحارب تحت راية الوحدة فسيقولون عنك إنك متمرد على الشرعية وبذلك قدم فرصة على طبق من ذهب لشريكه في إعادة تحقيق الوحدة الرئيس الأسبق ليدغدغ من خلالها عواطف أبناء الشعب اليمني وليستغلها جيدا حيث جعل منها ما أسماه بحصان الشرعية دفاعا عن الوحدة إضافة إلى أنه في نفس يوم إعلان الانفصال سقطت محافظتا أبين وشبوة دون قتال وانضمت ألوية عسكرية للقتال مع الطرف الذي كان يرفع شعار الدفاع عن الوحدة كرد فعل سريع على إعلان الانفصال وبدون أن يشعر علي سالم البيض وجد أن إعلانه الانفصالي كان أكبر خطأ يرتكبه في حياته الكفاحية والسياسية شوه تاريخه النضالي من خلاله وتسبب بذلك في القضاء على الجيش الجنوبي سابقاً الذي كان يعد إلى ما قبل أحداث 13 يناير المؤسفة عام 1986م من اقوى الجيوش في المنطقة تسليحا وتدريبا وشجاعة وربما أن الهدف الأساس من حرب صيف 1994م هو القضاء عليه وتفكيكه والتخلص من عناصره وهذا ما حدث بالفعل بعد انتهاء الحرب بدليل أنه تم تسريح الضباط والجنود قسراً وإبعادهم عن وظائفهم ولم يتبق منهم إلا من كان موالياً وموافقاً على النظام الفردي الذي أنتجته الحرب بصلاحيات مطلقة وقد تغيرت تركيبة الجيش بعد ذلك من جيش وطني يدافع عن الوطن وسيادته واستقلاله وحماية مكاسبه المتحققة إلى جيش لحماية النظام والأسرة الحاكمة.
وإن كانت ليست هذه هي المرة الأولى التي يخدم فيها علي سالم البيض شريكه علي عبدالله صالح لينقض عليه ويخرجه من معادلة الحكم فقد سبق أن قدم له في الثلاث السنوات الأولى من عمر دولة الوحدة خدمات كبيرة مهدت له العمل للانفراد بالحكم وذلك من خلال اعتكافاته المتكررة التي كان يجد فيها الرئيس الأسبق متنفسا لاستعادة الصلاحيات التي احرمه منها دستور دولة الوحدة، أما لو بقي علي البيض يمارس صلاحياته الدستورية كنائب لرئيس مجلس الرئاسة متجاوزا الضغوطات التي كانت تمارس عليه لتطفيشه ومتغلبا عليها لاسيما بعد أن أصبح يشكل للرئيس السابق شوكة في حلقه لكان جنب اليمن ما حدث بعد ذلك من أوضاع صعبة وتحول الحكم إلى عائلي بل ولما قامت الحرب أصلاً عام 1994م، ولذلك فإن علي سالم البيض يتحمل المسؤولية مع شريكه علي صالح ويفترض أن يقدمهما الشعب اليمني للمحاكمة في الشمال والجنوب بأثر رجعي جراء ما اقترفاه في حقه من جرائم لا تسقط بالتقادم مست كافة مناحي حياته السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية والتنموية والخدمية والكثيرون من أولئك الذين شاركوا في الحكم في تلك الفترة هم من فرطوا في الأرض اليمنية بيعا واحتلالا فقد خسر اليمن في عهدهم جيزان وعسير ونجران وأصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية محتلة بالإضافة إلى العدوان القائم على اليمن الذي مضى عليه اكثر من تسعة أعوام وفرض الحصار الجائر وإجمالاً نقول بثقة: أن حال اليمن لن يستقيم ولن يتحقق له إحداث تغيير حقيقي ما لم يكن هناك قصاص عادل ممن فرطوا في مكاسب الشعب اليمني ورهنوا قراره السياسي للخارج ليتمكن الشعب اليمني من بناء دولة مدنية ديمقراطية مؤسسية حديثة تجسد التغيير الحقيقي الذي ناضل من أجله طيلة اكثر من خمسة عقود وبدون ذلك فإننا في هذا الوطن ذاهبون إلى مجهول لا أحد يدري منتهاه لاسيما إن تحالف العدوان على اليمن مصر على استمرار عدوانه البربري بهدف اشغال اليمنيين عن التفرغ لبناء دولتهم الوطنية الحديثة المستقلة بقرارها السيادي وغير الخاضعة لتبعية الخارج كما كان عليه الحال في العقود الماضية.