عبقرية قائد.. وسطوع ثورة
الثورات العظيمة التي غيرتً مجرى التاريخ البشري من مجاهيل الأساطير والأوثان، وأخرجت الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جاهلية جهلاء إلى نور الإيمان والهدى،
فالثورات العظيمة ينبغي أن تكون ترياقاً يشفي جسد الأوطان والأبدان من جور الفاسدين وسموم المنافقين الذين عاثوا في الأرض فساداً، وتأتي عظمة الثورات دائماً من عظمة وعبقرية قائدها، ولا تُصان أي ثورة من الثورات إلا بالارتقاء بشعوبها ثقافياً وحضارياً واجتماعياً وعلمياً، والتعاطي مع كافة التنوع الفكري والثقافي والحضاري لعالم اليوم، فعندما نفقد مقومات السيادة والأمن والاستقرار وغياب العدالة بين أبناء الوطن الواحد تسود الفوضى والبلبلة لذلك لابد من قيادة ربانية تُدرك أهمية الدفاع عن الوطن ومقدساته ومنجزاته الوطنية وتكون بمثابة الدرع الواقي والسياج الحصين للحفاظ على وحدة الوطن أرضاً وإنساناً.
لذا فالعقيدة العسكرية الدفاعية، والعقيدة الأمنية هما الحارسان الأساسيان المسؤولتان عن حماية الوطن أرضاً وإنساناً ووحدةً ومنجزاً لأنهما مسؤولتان عن تأمين حماية الوطن وتوفير الأمن والاستقرار والسكينة في ربوع الوطن.
ثم تأتي مرحلة البناء المعنوي والدفاعي والأمني للمواطن كشريك فاعلٍ ومعاون للقوات المسلحة والأمن، عندما نسترجع قراءات التاريخ الإسلامي نجد أن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما كان لينتصر في غزوة "بدر الكبرى" لولا عبقريته العسكرية الفذة، رغم أن المدد والعناية الإلهية قد جاءتا على شكل خوارق غير اعتيادية وقد جاءت في سياق قوله تبارك وتعالى" أنَّي ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين" الأنفال (9) ولذلك علينا أنْ ندرك أنَّ المقايضة بالألفاظ لا يغيَّر من الحقائق الثابتة شيئاً، فالخارقة هي المعجزة، والمعجزة هي الخارقة" لا يفرق بينهما سوى ظروف الاصطلاح وظروف الاستعمال، فمعظم علماء المسلمين الأفذاذ وعمالقة السيرة النبوية والمغازي يقولون: بأنَّ تلك الأمور قد تحدث فعلاً في المغازي الإسلامية التي قادها رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام ضد أعداء الدعوة الإسلامية من مشركين ومنافقين ويهود، ولكنها قد تحدث بطرق ووسائل أخرى جديدة لا تخطر على بال بشر هي غير قتال الملائكة في غزوة "بدر الكبرى"، وغير إرسال الريح العاصف وتفريق الأحزاب في غزوة " الخندق" و... الخ ولكن قد تأتي الخوارق تيسيراً وتسهيلاً من الله عز وجل لطرفٍ من الأطراف كأنَّ يخترع سلاحاً جديداً أو تقنية عالية الدقة يباغت بها العدو، أو يعقد حلفاً مع قوى لديها إمكانات عسكرية هائلة فائقة الدقة، أو قائداً عسكرياً محنكاً ربانياً مطبوعاً يأتي النصر على يديه من عند الله، فالإسلام حث المسلمين على الأخذ بأسباب الدنيا ثم الاتكال على أسباب السماء لبلوغ النصر كما جاء في قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترُهبون به عدو الله وعدوكم" الأنفال (60).
لذا علينا أن نعي أن المعجزات والخوارق التي صاحبت عصر النبوة قد انحجبت عن الأمة الإسلامية باختتام الرسالة المحمدية الخالدة ليس معنى هذا أن زمن الخوارق قد ولى إلى غير رجعة، وإنما أمر حدوثها الآن وارد ومستقبلاً مرهوناً بمدى تمسكنا بقيم وتعاليم منهج الإسلام وشريعته الغراء، وبتفهم المسلمين بأمور دينهم فهماً سليماً للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.. ومتى أعد المسلمون ما استطاعوا من قوةٍ ومن رباط الخيل "بالمفهوم المعاصر" لإرهاب أعداء الله وعدوهم- كتب الله تعالى لهم النصر المؤزر، والتمكين في الأرض ولو كره الحاقدون، ولو كره المنافقون.
صفوة القول:
لذا علينا أن ندرك أن الضبط العسكري وتنفيذ الأوامر الصادرة من القيادة العليا هي السبب المباشر لكل انتصار في كل معركة، وأهم عامل من عوامل النصر المباغتة مبدأ من مبادئ الحرب، وهي ضرب العدو من مكان أو في زمان أو بأسلوب لا يتوقعه بحيث يمكن تحطيم قوى العدو المادية والمعنوية والنفسية دون أن يشعر..
ومن العوامل المهمة في أثناء المعارك الحصول على المعلومات الكافية عن العدو "الاستخبارات العسكرية" هي إرسال دوريات استطلاعية قبل بدء المعركة لمعرفة العدد والقدرات والإمكانات واتجاه العدو، ومن أسباب النصر المؤزر اختيار الشخص الملائم للمهمة الملائمة في الوقت الملائم والمكان المناسب يعتبر مؤشراً دقيقاً وصائباً للحنكة القيادية الفذة والعبقرية القيادية المتمرسة التي جمعت بين الدعوة الإسلامية والزعامة السياسية والحنكة الإدارية، فهل يا ترى من الإسلام في شيء أن نقارن أو نساوي بين هؤلاء القوم الأوائل وبين صحابة رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم الذين قدموا أغلى ما يملكون فداءً لدينهم وعقيدتهم وقيمهم، وكانوا مضرب الأمثلة وأندرها في البطولة والتضحية والفداء ساعة الوغى والكرب والعُسرة..!
كلمات مضيئة
أسس البناء النفسي والمعنوي للمقاتل يعتمد على التواصل المباشر، والمؤثر بين القائد والمقاتلين والمعاملة المتساوية، وفرص التأهيل والتدريب المستمر وتحسين الظروف المعيشية للمقاتلين ورفع معنوياتهم بالمنح والترقيات والمكافآت المادية، والتعاطي الإيجابي مع قضايا وهموم المقاتلين، وتجسيد مبدأ الثواب والعقاب لأنه يمثل محور ارتكاز جاهزية المقاتل المعنوية والقتالية والنفسية مع الاستمرار في عقد الدورات الثقافية والتخصصية لتعزيز روح الانضباط العسكري لدى المقاتلين..!!