كتابات | آراء

بشهادة الارياني والنعمان: المسكوت عنه من ثورة 26 سبتمبر

بشهادة الارياني والنعمان: المسكوت عنه من ثورة 26 سبتمبر

بتاريخ الخميس الموافق 26 سبتمبر 2024م تكون ثورة 26 سبتمبر قد أكملت عامها الثاني والستين ولا يزال الجانب المسكوت عنه من تاريخ قيامها مغيبا

ومن جميل المصادفات أن يشكل الجزء الثالث من مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق- رحمه الله- مع الجزأين الأول والثاني قراءة صريحة لتاريخ النظام الجمهوري ومحاكمة لقادته ولمن كانوا يعتبرون أنفسهم مثقفين وحزبيين وإن كان الجزء الرابع المتوقع صدوره قريبا سيكشف عن حقائق سيتفاجأ بها الكثيرون وهي شهادة لم تأت من متحامل على ثورة 26سبتمبر أو من شخصية رجعية وكهنوتية كما يحلو للبعض أن يصفوا من يختلف معهم في الرأي خاصة عندما يكون الحديث عن حقائق تاريخية لا يستطيع أي طرف أن ينكرها مهما حاول التعتيم عليها وإنما هي صادرة من مناضل عاصر الأحداث مبكرا وكان له دور بارز في النضال وصولا إلى أن جعلته الأقدار الرجل الأول في اليمن فترة سبعة أعوام كانت من أهم المراحل التي مر بها اليمن بالإضافة إلى شهادة المناضل الأستاذ احمد محمد نعمان حسب ماورد في مذكراته.
اكثر من ستة عقود مضت على ثورة 26سبتمبر ولم يتفق بعد قادتها وثوارها إلى اليوم على من هو بطلها وكيف قامت رغم رواياتهم في العديد من الندوات وفي الكثير من مذكراتهم التي يدعي كل طرف منهم بأنه صاحب المصلحة الأولى في قيام الثورة بينما الحقيقة تختلف تماما وتتناقض مع ما يتحدث عنه الآخرون وإن كان القاضي عبدالرحمن الإرياني رحمه الله قد حدد بصدق من هو بطل الثورة الحقيقي وما هو الهدف من قيامها فقد قال في الجزء الثاني من مذكراته بأن ضابط المخابرات المصري محمد عبد الواحد الذي كان يتستر تحت منصب دبلوماسي في السفارة المصرية بصنعاء كقائم بالأعمال كان مستعجلا على قيام الثورة ليس من اجل مصلحة اليمن وإنما من أجل الوصول إلى السعودية للانتقام منها لأنها كانت السبب المباشر في التآمر على الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا واليمن فأجهضت المشروع الوحدوي للرئيس جمال عبدالناصر وكذلك تآمرت على مشروعه القومي الذي سقط فعلا بعد تدخله العسكري في اليمن، يقول القاضي الإرياني إن أسماء الضباط الأحرار كانت موجودة لدى ضابط المخابرات المصري محمد عبد الواحد فذهب بها إلى الإمام محمد البدر بعد مبايعته ملكا لليمن خلفا لوالده الإمام أحمد وسلمها له مؤكدا له إن الضباط سيقومون عليه بثورة وعليه المبادرة بالقبض عليهم ثم بعد ذلك أبلغ الضباط بأن أسماؤهم أصبحت موجودة لدى الإمام البدر وإذا لم يسارعوا بتفجير الثورة سيتم القبض عليهم ويتم إعدامهم وهو ما حفز الضباط للتحرك والقيام بمحاصرة دار البشائر مؤكدا القاضي الإرياني أن الضابط محمد عبدالواحد جعل الضباط الأحرار في وضع يشبه الوضع الذي وضع فيه القائد طارق بن زياد جيشه أثناء فتحه الأندلس فقد احرق المراكب بعد عبورهم إلى الشاطئ وقال لهم: العدو أمامكم والبحر من خلفكم فلم يكن أمامهم للنجاة سوى تحقيق النصر على العدو وهكذا كان وضع الضباط الأحرار إما النجاح في تفجير الثورة وإلا فإن رؤوسهم ستطير من على أعناقها كما طارت رؤوس الضباط في الحبشة جارة اليمن عندما فشل انقلابهم على الإمبراطور هيلاسيلاسي فتمكن منهم وأعدمهم ولذلك فقد كانت مراهنة الضابط محمد عبدالواحد على نجاح الثورة وتحقيق هدف مصر من ورائها لمحاربة السعودية وإن فشلت فقد ضمنت مصر ثقة الإمام محمد البدر بعد أن تم إبلاغه بأسماء الضباط وتحذيره من القيام ضده بثورة وبقية القصة معروفة وكيف تم التدخل العسكري المصري الذي رفع شعار إسقاط النظام السعودي من اليمن، ولكن جاءت النتائج عكسية فلا استفادت مصر من تدخلها في اليمن حيث خرجت مهزومة ولا استفادت اليمن وحققت أهداف الثورة وإنما انتهت بالارتماء في حضن عدوها السعودي الذي وقف ضدها منذ أول يوم قامت فيه ورهنت القرار السياسي اليمني بيد اللجنة الخاصة بالرياض في مقابل اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري بصنعاء والتخلص من عائلة بيت حميد الدين وليتوج هذا الارتهان باعتراف النظام الجمهوري رسميا بتبعية المناطق اليمنية جيزان وعسير ونجران للسعودية، ولولا قيام ثورة 21سبتمبر الشعبية عام 2014م التي جاء ت مصححة لمسار ثورة 26سبتمبر لظل هذا الارتهان إلى ما لانهاية بدليل أن هناك من بقايا الثوار والمثقفين والحزبيين الذين ظلوا ومازالوا يتغنون إعلاميا بثورة 26سبتمبر يملأون فنادق الرياض ومؤيدين للعدوان على بلدهم الذي لايزال مستمرا للعام العاشر على التوالي، ومن المفارقات العجيبة والملفتة للنظر ما أورده القاضي الإرياني حول موقفين متناقضين للرئيس جمال عبدالناصر، الأول يقول عنه: إن الرئيسين العراقيين الأسبقين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف اتصلا بالرئيس جمال عبد الناصر من الأردن أثناء تحضيرهما للثورة لإسقاط النظام الملكي في العراق وطلبا منه الدعم والمساعدة فرد عليهما جمال عبدالناصر بقوله: إن هذا سر لا يجب أن يطلع عليه أحد حتى أنا شخصيا وأي ثورة لا يقوم بها أبناء البلد ويقبلوا بتدخل خارجي فهذا يعتبر استعمارا، لكن في الحالة الأخرى يقول الإرياني إن عبدالناصر أجاز لنفسه التدخل في ثورة اليمن ودعمها عسكريا لأن الهدف كان السعودية وليس اليمن وهذه الحقيقة أكدها الأستاذ احمد محمد نعمان في مذكراته فقد قال في الصفحة 168 إن القوات المصرية ما دخلت إلى اليمن إلا لكي تجعل منها قاعدة تنطلق منها نحو شبه الجزيرة العربية وتعمد المصريون إطالة المعركة لكي يتخذوا منها مبرراً للبقاء في اليمن وكانوا يوسعون الحرب ويختلقون الأسباب والمشاكل، وما حدث من حرب وانقسام بين اليمنيين كان بفعل الغزو المصري لليمن فهو الذي أوجد هذا الشقاق وعندما لم يجدوا لهم عقائد مختلفة ولا لغات ولا قوميات تستغل كما في سائر البلدان الأخرى وكذلك لم يجدوا إن هذا مسلم وهذا مسيحي أوجدوا سبب للخلاف ملكي وجمهوري أي أنهم نقلوا لنا الوباء الذي صنعوه في البلاد العربية ليمزقوا به شعوبها مع إن اليمنيين كانوا يعتقدون إن مصر دخلت اليمن بدوافع إنسانية ولكنهم فوجئوا بشيء لم يخطر على بالهم وقال النعمان إنه صرح بهذه الحقيقة أمام الحكام العرب وهم مجتمعين في مقر الجامعة العربية بالقاهرة ومن يريد معرفة المزيد من التفاصيل فعليه العودة إلى مذكرات النعمان الذي لا تقل شهادته مصداقية عن شهادة القاضي عبدالرحمن الإرياني رحمهما الله.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا