
القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «75»
مُنذ المحادثات التي جرت في صنعاء في أوائل أكتوبر/تشرين الأول بين صالح ورئيس وزراء اليمن الجنوبي زاد عدد الوفود المسافرة بين صنعاء عاصمة اليمن الشمالية وعدن بشكل كبير جداً وملحوظ
وقد أجرى صالح عددًا من الاتصالات المهمة مع أعضاء الجبهة الديمقراطية الوطنية المعارضة واتخذت صنعاء موقفًا أكثر ميلًا إلى اليسار في السياسة الخارجية، على سبيل المثال لم تدين علنًا الغزو السوفييتي لأفغانستان كما اتخذت موقفًا أكثر تشددًا بشأن القضية الفلسطينية وضد عملية السلام وفي المقابل استخدم جنوب اليمن عدم ثقة صالح بالسعوديين للحد من قدرة الرئيس اليمني الشمالي على المناورة وحث الرئيس إسماعيل صالح على طرد مستشاريه المؤيدين للسعودية بسبب عدم ولائهم وتشير التقارير إلى أن إسماعيل طالب أيضاً بإدخال الجبهة في الهياكل الحكومية والعسكرية في شمال اليمن كشرط مسبق للوحدة وفي الوقت نفسه استغل إسماعيل غرور صالح من خلال الوعد بأنه بمجرد تلبية هذا الشرط سيصبح صالح أول رئيس لليمن الموحد وربما يكون صالح مهتماً بهذا العرض ووفقاً لأحد التقارير فقد أصدر تعليماته لمسؤوليه بإبرام اتفاق وحدة مع الفريق اليمني الجنوبي الموجود في صنعاء للتفاوض على دستور مشترك، ربما بالغ صالح في تقدير قدرته على السيطرة على عملية التوحيد على سبيل المثال تشير التقارير إلى أن الجبهة الديمقراطية الوطنية تواصل تسلل الرجال والأسلحة إلى شمال اليمن في حين كانت المجموعة مقتصرة في السابق على المناطق الحدودية مع جنوب اليمن فقد وسعت تنظيمها ونفوذها إلى المناطق القبلية الشمالية وتجنبت المواجهة المباشرة مع جيش شمال اليمن ويبدو أنها تبنت نهج الجزرة والعصا تجاه الحكومة ويقال إنها تعاونت مع محاولات الحكومة للحد من النفوذ السعودي في منطقة الحدود الشمالية، لقد ازدادت جاذبية الجبهة جزئياً بسبب تكوينها المتنوع فهناك عناصر قومية وشيوعية داخل المجموعة وكان العديد من قادتها من رفاق رئيس يمني شمالي شعبي اغتيل في عام 1977م وعلى الرغم من أن الجبهة أصبحت أداة راغبة في يد جنوب اليمن إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت ستظل كذلك بمجرد وصولها إلى السلطة وفي كل الأحوال أصبحت الجبهة منافساً جاداً للسلطة في شمال اليمن، إن المملكة العربية السعودية تواجه معضلة غير مستساغة في علاقاتها الحالية مع شمال اليمن وربما استنتج السعوديون أن قدرتهم على التعامل مع صالح ضئيلة ولكن التحرك لاستبداله قد يؤدي بسهولة إلى توسيع نفوذ اليمن الجنوبي أو حتى الاستيلاء عليه ولم يكن صالح راغباً في خسارة الورقة السعودية بالكامل فأشار إلى قبوله لمقترح الرياض ومن المرجح أن ينقل الوفد اليمني الشمالي الذي من المقرر أن يلتقي بالزعماء السعوديين في الرياض في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني هذه الرسالة وربما ينظر صالح إلى قبوله باعتباره وسيلة أخرى للمناورة بين الضغوط المتضاربة وقد ينظر إليه السعوديون باعتباره حلاً مؤقتاً ولكن في غضون ذلك تبخرت الثقة المتبادلة اللازمة لتحالف قابل للتطبيق بين صنعاء والرياض إلى حد كبير مع الارتفاع المصاحب لنفوذ جنوب اليمن والاتحاد السوفييتي في صنعاء، إن الرأسمالية التجارية لا تزال حية وبخير على الأقل ما دامت الأموال القادمة من الخارج تتدفق إلى اليمن وبالنسبة لبلد لا تتجاوز صادراته 1% من وارداته فإن الجمهورية العربية اليمنية تحقق نجاحاً كبيراً بالفعل كما تتجلى السياسة في المدينة بقوة فكثير من الأشياء في صنعاء تذكرنا بالفترة التي أرسل فيها جمال عبد الناصر قوات مصرية في ستينيات القرن العشرين لإنقاذ الجمهورية الجديدة من المتمردين الملكيين المدعومين من السعودية وبريطانيا ويوجه رجال الشرطة حركة المرور وهم يرتدون الزي الأبيض المصري وتعلن الشعارات على اللافتات في مختلف الشوارع ولاء الجمهورية العربية اليمنية للوحدة العربية بنبرة حماس ناصري لم يعد يسمع بها أحد في بلدهم الأصلي والواقع أن أغلب المعلمين في المدارس البالغ عددهم 23 ألف معلم في اليمن من مصر وهؤلاء الرجال الذين يرتدون الجلابية يكثرون في أسواق وميادين صنعاء وغيرها من المدن.