
الطفيلي الصهيوني يستغل القوى العظمى لتحقيق مصالحه؟
الحقيقة التي نتحدث عنها تدور حول مفهوم "الطفيلي الصهيوني"، الذي يتضح بكيان يعيش داخل جسد القوى العظمى العالمية ويستخدم هذه القوى لتحقيق مصالحه الخاصة.
هذا الطفيلي يتجسد في بعض الأحيان في ارتباطات تاريخية ومعاصرة بين القوى الكبرى، مثل بريطانيا وأمريكا، والكيان الصهيوني. يمكن أن يُنظر إلى هذا الفكر على أنه محاولة لفهم العلاقة بين القوى الإمبريالية والكيان الصهيوني، وكيف يمكن لهذا الكيان أن يكون جزءًا من استراتيجية الهيمنة الغربية على العالم.
والتأصيل الفكري للمفهوم من التاريخ الاستعماري للصهيونية حيث يمكن تتبع جذور هذا المفهوم إلى العصر الاستعماري، وتحديداً في فترة الوجود البريطاني في فلسطين. كانت بريطانيا خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تُعتبر القوة الاستعمارية العظمى التي فرضت نفوذها على العديد من الأراضي حول العالم. وفي هذا السياق، يمكن القول إن البريطانيين، في إطار مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، قاموا بدعم الحركة الصهيونية التي كانت تسعى لإقامة دولة يهودية في فلسطين.. وكان نتاجها وعد بلفور (1917): هو أحد الأحداث البارزة التي ساعدت في تأسيس هذا الفكر، حيث أعلنت الحكومة البريطانية دعمها لإنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين. وهذا القرار لم يكن فقط نتيجة للضغط الصهيوني، ولكن كان جزءًا من استراتيجية الإمبراطورية البريطانية لاستغلال الوضع الإقليمي لصالحها.. وعندما وصلت الإمبراطورية البريطانية الى مرحلة الكهولة اتجه الطفيلي الصهيوني الى جسد جديد كان يعده ويسانده اقتصاديا وسياسيا حتى وصل الى مرحلة ان يكون البديل للسابق متمثلا في الهيمنة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، مع تراجع سيطرة الإمبراطورية البريطانية في عدة دول، كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة التي تسعى للهيمنة على العالم، وقد كانت السياسة الأمريكية بشكل عام تتماشى مع المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
وكان ومازال الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل طوال الحرب الباردة وبعدها حتى اليوم، حيث أصبحت الولايات المتحدة الحليف الأقوى للكيان الصهيوني، والداعم الاول لإسرائيل عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا. وهناك من يعتقد أن الولايات المتحدة، من خلال دعمها غير المشروط لإسرائيل، كانت تستخدم الكيان الصهيوني كأداة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، بما في ذلك حماية مصالحها النفطية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي لصالحها _ وهذا غير صحيح _ وانما العكس هو الصحيح وكل ما يجري اليوم يثبت هذا ونستطيع تبين ذلك من خلال التحليل المعاصر للمجريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولذلك فإن السياسات الأمريكية في الشرق الاوسط، ومن خلال دعمها لإسرائيل، خاصة في فترات النزاع مع جيرانها، كانت تستخدم الكيان الصهيوني كذراع استراتيجي في المنطقة لتقويض النفوذ السوفيتي خلال الحرب الباردة ومن ثم منع انتشار الإسلام السياسي، وخاصة في مناطق مثل العراق وسوريا واليمن وهناك من يرى أن هذا التحالف يحقق مصالح الطرفين فالولايات المتحدة تحصل على دعم قوي في الشرق الأوسط من خلال إسرائيل، بينما تستفيد إسرائيل من الحماية الأمريكية والدعم العسكري.
يمكن وصف هذه العلاقة على أنها علاقة "طفيليّة" حيث وإن الكيان الصهيوني يعتمد بشكل كبير على دعم القوى العظمى لتحقيق أهدافه السياسية.
واليوم وبعد وضوح عجز الولايات المتحدة الامريكية وضعفها امام التحديات الجديدة في المحيط العالمي وظهور منافسة جديدة متمثلة في الصين وروسيا كقوى كبرى مستقبلية وفي السنوات الأخيرة، ومع صعود الصين وروسيا على الساحة العالمية، بدأت العديد من التحليلات تشير إلى أن هذه القوى قد تصبح فاعلة في التنافس على النفوذ في الشرق الأوسط.. وتُظهر السياسة الصينية في المنطقة، خاصة عبر مبادرة "الحزام والطريق"، رغبة في دخول سوق الطاقة والسيطرة على طرق التجارة.
لكن هناك تساؤلات حول مدى استعداد الصين لتبني دور "الطفيلي" الصهيوني كما فعلت القوى الغربية وذلك بسبب تزايد أعداد اليهود في هاربن من 45 يهوديًا في البداية إلى 15 ألف يهودي في عام 1921، مما جعلها مدينة يهودية خالصة.
وأنشأ اليهود في هاربن العديد من المؤسسات، بما في ذلك بنوك ومدارس وكنائس، مما أدى إلى ازدهار الحياة الثقافية والاجتماعية وقام بعض اليهود بالانخراط في الحركة الشيوعية الصينية، مما يعكس تباينًا في الاتجاهات السياسية بين اليهود في تلك الفترة، وأدى التحول الاقتصادي في الصين إلى اعتماد السياسات الرأسمالية وفتح الأبواب للاستثمارات الغربية، مما ساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع اليهود. وقد أسس هذا التحول قاعدة اقتصادية من خلال دمج المهارات اليهودية.. وبعد وفاة ماو تسي تونغ، تولى دنج شياو بينج زعامة الحزب الشيوعي وبدأ في تنفيذ سياسات الانفتاح الاقتصادي في الصين وهذا أدى إلى تغيير جذري في الاقتصاد الصيني، وتم تأسيس مركز الدراسات اليهودية في شانغهاي عام 1988، حيث تم تسليط الضوء على إسهامات اليهود في تطور الصين عبر التاريخ وهذه الدراسات ساعدت في تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافتين.. شهدت الصين انفتاحاً اقتصادياً منذ الثمانينيات، مما ساهم في دخول بنوك وشركات يهودية تعمل تحت غطاء أمريكي أو أوروبي وتطورت العلاقات بين الصين وإسرائيل بشكل ملحوظ منذ الثمانينيات، حيث بدأت بالتعاون في المجالات العسكرية والتجارية رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية في البداية وبدأ التعاون السري بين الصين وإسرائيل في المجالات العسكرية عام 1980، مما ساهم في تبادل التكنولوجيا المتقدمة بين البلدين وافتتاح المكاتب الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل في أوائل التسعينيات كان له تأثير كبير على تعزيز العلاقات التجارية والسياسية بين الجانبين وشهدت العلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل نمواً ملحوظاً، حيث ارتفعت قيمة التبادل التجاري من 30 مليون دولار في 1992 إلى 10 مليارات دولار في 2010 وتطورت العلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل بشكل كبير منذ عام 2013، حيث أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لإسرائيل. وفي عام 2017، وصل حجم التجارة بين البلدين إلى 15 مليار دولار وتم توقيع اتفاقيات متعددة بين الصين وإسرائيل لتسهيل التجارة وتقليل الجمارك، مما ساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وبما تم ذكره عن العلاقات القديمة بين الكيان الطفيلي والصين قد تكون الصين المضيف الجديد للطفيلي الصهيوني لما له من امتيازات لا تمتلكها سابقتها ومن بعدها قد تكون روسيا من جهة أخرى، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة من خلال تحالفات مع دول مثل إيران وسوريا ويلاحظ البعض أن روسيا، رغم تزايد حضورها في المنطقة، لا تسعى لخلق علاقة مماثلة مع إسرائيل كما فعلت الولايات المتحدة.
ومما يدعم هذه الفكرة من الأحداث التاريخية والمعاصرة:
1. دور بريطانيا في دعم الصهيونية بداية من وعد بلفور ثم الدعم البريطاني لإنشاء إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن القول إن بريطانيا كانت أداة في يد الصهيونية لتحقيق هدفها الاستراتيجي.
2. التحالف الأمريكي الإسرائيلي، هذا التحالف يعد واحدًا من أهم العوامل التي ساعدت إسرائيل على أن تصبح قوة إقليمية في الشرق الأوسط، مدعومةً بنفوذ عالمي خصوصا ان السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل هي في جوهرها سياسة تعتمد على تعظيم المصالح الاقتصادية والعسكرية في المنطقة من خلال إسرائيل.
3. صعود القوى الكبرى الجديدة (الصين وروسيا) يمكن النظر إلى أن الصين وروسيا تعملان على إنشاء توازن في المنطقة لا يُظهر دعمًا مباشرًا أو غير مشروط لإسرائيل. ومع ذلك، يتم دراسة هذه القوى الكبرى وفقًا لمواقفها الاقتصادية والعسكرية في المنطقة، وما إذا كانت ستسعى لنسج علاقات "طفيليّة" مع إسرائيل كما فعلت القوى الغربية سابقًا.
وتُظهر التحليلات التاريخية والمعاصرة أن الفكر القائل بأن "الصهيونية" هي طفيليّ يعيش في جسد القوى العظمى يمكن أن يُفهم في سياق التحالفات الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني والقوى الغربية، وتحديدًا بريطانيا والولايات المتحدة. هذا التحالف استفاد منه الكيان الصهيوني على مدار عقود، ولكن التحديات الجديدة من القوى الكبرى مثل الصين وروسيا قد تغير من ديناميكيات هذا التحالف في المستقبل.