القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «76»
إن مدينة تعز الجنوبية تتسم بطابع أكثر قتامة وغموضاً وتتناثر في لهجتها آثار المفردات العدنية المستمدة من أيام الحكم البريطاني وعلى النقيض من ذلك تحتفظ صنعاء بالكثير من طابعها التاريخي:
فالمدينة القديمة لا تزال كما كانت قبل مئات السنين وهي عبارة عن مجموعة رائعة الجمال من المنازل الحجرية ذات النقوش الجيرية البيضاء والحدائق الصغيرة المحاطة بالأسوار والشوارع الضيقة والمآذن البيضاء وربما تكون صنعاء المدينة الأكثر جاذبية من الناحية المعمارية والموحدة في العالم الإسلامي بأكمله ويرتدي معظم الرجال المعوز والتي تشبه إلى حد بعيد الزي الاسكتلندي للرجال وفي فترة ما بعد الظهر تبطئ المدينة بأكملها بشكل ملحوظ لمجالس القات وتقتصر هذه الممارسة على فترة ما بعد ظهر الخميس والجمعة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولكن لا توجد قيود مفروضة في الشمال.
إن صنعاء ليست هي كل اليمن الشمالي إن التناقض بين المدينة والريف والذي كان في قلب الحرب الأهلية في ستينيات القرن العشرين والذي شهدته صنعاء بشكل درامي أثناء حصارها في عامي 1967 و1968م والذي لم ينقذها منه سوى جسر جوي سوفييتي ضخم لا يزال قائماً فما زالت أغلب مناطق البلاد ريفية وما زالت الزراعة تمثل نحو 85% من القوة العاملة ويهيمن على الفلاحين الولاءات القبلية وهم يشعرون بشكوك عميقة تجاه أي حكومة في المركز ونسبة الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين مرتفعة للغاية- أكثر من 80%- وأقل من 40% من الأطفال يذهبون إلى المدارس والبرامج الصحية في الريف ضئيلة ويحذر العديد من الزوار من السفر خارج المدن ليلاً وعلى الطريق الذي بناه الصينيون شمال صنعاء والذي يمتد إلى مدينة حجة الجبلية المحصنة الرائعة حيث كان الإمام يحتجز معارضيه في الزنازين لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تصادف باعة على جانب الطريق يبيعون الفاكهة والخضار وعلى الطريق المؤدي إلى الجنوب من صنعاء وبجوار مشهد من أبراج المياه والمدرجات الجبلية كانت هناك ثمانية مراكز تفتيش صُممت للبحث عن المهربين وبضائعهم وتفتيش المركبات بحثاً عن أسلحة تابعة للجبهة الوطنية الديمقراطية كما تخضع حقائب المسافرين وكتبهم للفحص الدقيق في المطار ولم تؤد حرب الستينيات وتدفق أموال المهاجرين في السبعينيات إلى إضعاف الولاءات القبلية في الريف بشكل حاسم: بل لقد وفرت سبلاً جديدة يستطيع الناس من خلالها حشد السلطة المحلية وثني وتكييف أشكال السيطرة التقليدية للاستفادة من الإمدادات الجديدة الوفيرة من الأسلحة والمال ومنذ فترة قصيرة حظرت الحكومة على رجال القبائل جلب الأسلحة إلى المدن الكبرى ولكن خارج صنعاء وتعز يحمل معظم الرجال الأسلحة وتظل قدرة الحكومة على السيطرة المباشرة على هذه المناطق محدودة وتتم السيطرة على هذه المناطق من خلال زعماء القبائل ولا تزال السعودية تقدم إعانات للقبائل الشمالية تقدر بنحو 60 إلى 80 مليون دولار سنويا، إن المدينة التي تشبه صنعاء إلى حد كبير هي كابول فهناك نفس رائحة أشجار الكينا ونفس الشعور بالارتفاع والغبار ونفس أشعة الشمس القاسية على الجبال العارية الحادة المحيطة بالمدينة ونفس أصوات السيارات ونفس البيئة الحضرية غير النمطية المحاصرة في كثير من الأحيان والتي تهددها، عالم قبلي مضاد للثورة وهناك أوقات في شمال اليمن حيث يتساءل المرء كيف نجت الجمهورية من هجمات الستينيات ولا تنتهي المقارنة مع كابول عند هذا الحد ففي الساحة الرئيسية للمدينة ميدان التحرير الذي سمي على اسم نظيره المصري ويمتد بعيداً عن قصر الأئمة السابق تقف كما هو الحال في كابول دبابة من طراز تي-34 سوفييتية الصنع على قاعدة مع حديقة صغيرة و شعلة أبدية ويقال إن الدبابة في كابول اقتحمت ما كان يعرف بقصر الرئيس داود في أبريل/نيسان 1978م فبدأت ثورة ساور العظمى أما الدبابة التي كانت في صنعاء فقد استخدمت في الهجوم على قصر الإمام ليلة 26 سبتمبر/أيلول عام 1962م.