
نبض الأصالة.. فيض المعاصرة
المسيرة العربية الحضارية الحديثة المعاصرة منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وحتى الآن مازالت تحبو، ولم تستطع قطع أشواط كبيرة ومسافات شاسعة نحو الرقي الثقافي والحضاري والعلمي والتكنولوجي والتقني
ودورها في تطوير وتحديث وتغيير أحوال الأمم والشعوب العربية نحو اللحاق بركب الثورة العلمية الهائلة في بلاد الغرب، هناك دول عربية تناست مهامها في جميع ميادين الحياة ومجالاتها، وانحرفت عن أصالتها وعاداتها وتقاليدها وقيمها، وانصهرت في بوتقة الحضارات الوافدة والدخيلة، وأمة لا تحرص على أصالتها وقيمها وتراثها هي أمة يصعب عليها البقاء، فما أولانا نحن اليوم في ظل هذه الفوضى الخلاقة بأن نحرص على أصالتنا وعروبتنا، ونعمل على الحفاظ عليها من أي تأثيرات أو غزو فكري أياً كان..
علينا أن نأخذ الدروس والعبر من الأمم المتقدمة حضارياً وعلمياً وتكنولوجياً التي تصرخ اليوم مطالبة بضرورة المحافظة على أصالتها، ففرنسا وبريطانيا مثلاً تشكوان من أن الحضارة الأميركية أخذت تطغى عليهما، والصين جاهدة في الحفاظ على طابعها المميز لها عن روسيا، بالرغم من أن الصين دولة متقدمة علمياً وتكنولوجياً وتقنياً.
في مطلع القرن العشرين بدأ يتبلور مفهوم المعاصرة والحداثة آخذاً بُعداً أوسع، ليشمل كل شيء في الحياة، وبمعنى أدق يشمل كل ما يصنعه الإنسان من اختراعات علمية وتكنولوجية وتقنية فائقة الدقة، فالشعوب والأمم التي تعيش وتقتات من حضارات العالم المتقدم هي شعوب ضعيفة تظل في حالة ضعف وإذلال وتخلف فلابد من تحديد أهدافنا الحاضرة والمستقبلية على ضوء من واقعنا وإمكاناتنا، ولا نتخلى عن أصالتنا وقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا.
لذا علينا أن ندرك خطورة تلك التيارات الفكرية المناوئة والمذاهب المتطرفة والدخيلة على أصالتنا وتقاليدنا وقيمنا الدينية والاجتماعية، فالموروث الثقافي والتاريخي والحضاري لا يستورد كالسلع والبضائع، إنما هو مخزون تاريخي وثقافي وتراثي وحضاري عريق موغل في القدم خاص لكل مجتمع من المجتمعات، له خصوصياته ومميزاته وقداسته.. فالمعاصرة لابد أن تقيد بقيم ومبادئ وميثاق كي لا تخترق الجانب المضيء من منظومة قيم الأصالة، وفي معمعة الفوضى كل جيل يتلو جيلاً يردد ما كان يردده الجيل السابق حتى ليخيل للمتأمل أو الرائي أن الإنسانية في تدهور وانحلال وسقوط، وأن الاقتصاد في تقهقر وانهيار، وأن الأخلاق قد وصلت إلى مرحلة السقوط المدوي والخطير في حياة الأمم والشعوب، وأن الحياة أصبحت شيئاً لا يطاق وعبئاً ثقيلاً لا يحتمل.
صفوة القول:
يقول علماء النفس: إن الذاكرة البشرية تنتقي دائماً الجانب المشرق من الماضي وتنسى الجانب المؤلم والمظلم منه، فالإنسان إذن يقارن بين ذكريات الماضي الجميل وبين الواقع الحاضر الذي يرى فيه المصاعب والمشاق والمتاعب ويتناسى ما فيه من خير وجمال ومتعة، وهو إذ يفعل ذلك يخرج من المقارنة مترحماً مأسوفاً على (أيام زمان) شاكياً ناحياً باكياً من الحاضر المتعب الأليم، والجدير بالذكر أن الشيوخ هم دائماً الذين يجأرون بالشكوى من الحاضر، وذكر الماضي بالخير العميم والزمن الجميل.. لذا لابد أن يستقر في أذهاننا شيء واحد فقط لا ثاني له وهو أن الأخلاق السامية والقول اللين أفعال لا أقوال، ممارسة لا شعارات، عندما قال أفلاطون "الفضيلة هي المعرفة" ظن بعض الجاهلين أن معرفة الفضيلة هي الفضيلة، ونسوا أو تناسوا أن أفلاطون لا يعتقد أن المعرفة هي الإطلاع والقراءة فقط، بل كان يجزم أن المعرفة هي الممارسة والتطبيق كالذي يقول إن السرقة حرام ويسرق، ولا يعرف- حقاً- إن السرقة حرام وإلا لما سرق، وقس على ذلك بقية القيم والمبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد.
كلمات مضيئة:
الصراع بين القوى التقليدية والقوى التقدمية صراع أزلي، فالمسار التاريخي مازال محفوفاً بالمخاطر إذ ليس ثمة تقدم في هذا المسار، فالعالم اليوم يضيق بالهجرات المشروعة وغير المشروعة، وليس أمامنا سوى الأرض الأم إما أن نعمرها أو ندمرها مرددين ما قاله الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق البقاء"..!!
غزة لم تمت..!!ُ
أحمد الفقية
غزة لم تمت..!!
رغم الأين والآنين...
رغم أشلاء الصبايا
وأنَّات الحزانى..
وآهات الثكالى..
غزة لم تمت..!!
حرائرها تنهشها الكلاب..
نساء العُرب في خدرها لعوب
رغم الجرح والجراح
لم يزل فجر غزة ..!!
نوراً ونار..
جحيماً وسُعار..
ما أروعك غزة..!ّ!
حينما تصنعين فجرك في قلب الظلام..!!