
القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «84»
عندما كان الجميع فقراء كان التوتر أقل؛ وعندما أصبح المزيد من السلع متاحًا أصبحت المنافسة أكبر ويجب أن نضيف إلى كل هذا بُعد القوى الطبقية داخل البلاد وخارجها
ومن الواضح أن هناك مجموعات اجتماعية داخلية أدركت أن مثل هذه التطورات تزيد من نفوذها وكان هناك مهاجرون وحكومات أجنبية أدركت أن هذا إسفين لتقويض التجربة الاشتراكية وكما يدرك سكان الدول الاشتراكية في العالم ان الفوارق الطبقية والمعيشية بينهم وبين الدول الغربية كبيرة فإن سكان عدن يعرفون مستويات المعيشة المرتفعة للغاية في الخليج ولا تأتي هذه المعرفة من العمال المهاجرين فحسب بل وأيضًا من الناس الذين تمكنوا منذ أواخر السبعينيات من التقاط البرامج التلفزيونية من شمال اليمن والتي اعطتهم انطباعا عن ملامح الحياة في شمال اليمن لذا فإن هذا التخفيف الاقتصادي خلق بالتأكيد التوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار كما حدث في كوبا في أواخر السبعينيات وبقدر ما روج علي ناصر لهذه السياسة فقد تركزت الخلافات داخل الحزب عليه ولا شك أن الفساد زاد في الدوائر الرسمية أيضاً أما المصدر الثاني الواسع للصراعات السياسية داخل الحزب فكان يتعلق بالعلاقات مع الدول المجاورة ففي محافظة ظفار في عمان كانت هناك حرب استمرت عقداً من الزمان من عام 1965م إلى عام 1975م وكانت هناك اشتباكات حدودية مع المملكة العربية السعودية ولم تقم حكومة جنوب اليمن بإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول المجاورة إلا مؤخراً جداً وفي حالة المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان فلا خلاف على أن جنوب اليمن لابد وأن يجد سبلاً للعيش مع جيرانه المحافظين ولكن في حالة اليمن الشمالي كان الجنوب حتى عام 1982م يدعم الجبهة الوطنية الديمقراطية هناك خلفاء الجمهوريين الراديكاليين في الستينيات وقد تضمن هذا القرار ووقف دعم المتمردين والضغط من أجل إقامة علاقات طبيعية مع حكومة صنعاء جلب نحو 2000 من المتمردين الشماليين إلى الجنوب وتوطينهم في معسكرات ولا شك أن هذا أدى إلى تفاقم الوضع الداخلي بشكل أكبر وهو ما يعكس عشرين عاماً من الثورة والثورة المضادة في جنوب شبه الجزيرة العربية وقد جلب كل من هذه التحولات السياسية اتهامات داخلية بالخيانة وفي حالة كلا من عمان واليمن الشمالي فلا يمكن تبرير مثل هذه الاتهامات فقد هُزمت حركتاهما الثوريتان بشكل حاسم أما سحب الدعم للحركة الإريترية فهو أمر مختلف: فقد تم هذا التحول باسم التضامن مع الثورة الإثيوبية ولكنه في الواقع كان عملاً من أعمال السياسة الواقعية وربما كانت مثل هذه التوترات الداخلية قد غذتها التغطية الواسعة للغاية في الصحافة الغربية ووسائل الإعلام العربية لـ انفتاح علي ناصر المزعوم على الغرب إن هذه النزاعات حول الاقتصاد والسياسة الخارجية لا يمكن استيعابها بسهولة في بنية السلطة المركزية للغاية حيث يشغل كل شيء باستثناء الرئيس مناصب هامشية إلى حد ما وفي مثل هذه الظروف يمكن أن تنشأ العداوات الشخصية فعندما عاد عبد الفتاح من الاتحاد السوفييتي في ربيع عام 1985م لم يقبل الدور الشرفي المحض الذي كان السوفييت يتصورونه والعامل القبلي مهم أيضاً ففي مجتمع الفلاحين تظل الولاءات القبلية قائمة وتمتد حتى إلى الحياة الحضرية لأن معظم سكان المدن هم من المهاجرين من الجيل الأول ويتخذ التجنيد للحزب والميليشيات وحرس الحدود وما إلى ذلك بعداً قبلياً معيناً على نحو ثابت وكانت مثل هذه الولاءات واضحة للعيان في الصراع الأخير وقد ظهرت أول علامة واضحة على هذه الأزمة السياسية الأخيرة مع الانتخابات التي جرت في يونيو/حزيران 1985م للمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي اليمني والتي عقدت في أكتوبر/تشرين الأول وفي هذه الانتخابات فاز أنصار الرئيس علي ناصر محمد بنسبة متنازع عليها من المناصب وبدأ خصومه عبد الفتاح وآخرون في الاحتجاج وتوزيع الأسلحة على مناصريهم وكانت النتيجة أن تركزت التوترات السياسية والشخصية والقبلية في الصراع على المناصب الحزبية ولا نعرف على وجه اليقين التسلسل الدقيق للأحداث التي أدت إلى اندلاع الاضطراب الدموي المأساوي الذي بدأ في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني ـومن الذي أطلق الرصاصة الأولى ولماذا؟ لقد تعرضت عدن حيث تركزت المعارك إلى حد كبير للنهب والسلب ولكن هذا لم يكن مثالاً على النضال اليمني التقليدي بين المناطق الريفية الداخلية والمدينة حتى وإن بدا أن هذا كان النتيجة غير المقصودة ومن الناحية الجغرافية يبدو أن علي ناصر استمد الدعم من دثينة قاعدته الشعبية شمال العاصمة كما حصل خصومه المنتصرون على الدعم من المناطق الواقعة شمال وشرق عدن ونشروا أيضاً مقاتلي قوات الجبهة الوطنية الشمالية .