بعد أن أربكت صواريخ اليمن طائرة (F-35).. هل تبيع واشنطن "جوهرة التاج" بعد كسر هالتها؟
د . وليد اليوسفي:
في اعتراف تاريخي يكسر حاجز الصمت، كشفت القوات الجوية الأمريكية النقاب عن تفاصيل مواجهات عسكرية خطيرة في سماء اليمن، تمثلت في تكريم المقدم "ويليام باركس" ومنحه وسام النجمة الفضية لنجاته من "عاصفة نارية" من صواريخ الدفاع الجوي اليمنية أثناء قيادته لتشكيل من مقاتلات (F-16).
هذا الاعتراف الصادم، الذي تزامن مع إقرار قائد سرب أمريكي بتعرض مقاتلات (F-35) الشبحية لإطلاق نار مباشر فوق الأجواء اليمنية، يمثل دليلاً مادياً على فعالية الدفاعات الجوية اليمنية.
وهذه الحوادث المتلاحقة، التي كشفت عن ثغرات في عقيدة "الشبحية المطلقة"، تزامنت مع تصاعد الحديث عن صفقة محتملة لبيع طائرات (F-35) للمملكة العربية السعودية، مما يفتح الباب أمام تساؤلات تحليلية عميقة: هل تحاول الولايات المتحدة تحويل طائرة (F-35) من رمز للتفوق المطلق إلى "سلعة" يمكن تداولها، بعد أن كُسر حاجز حصانتها في سماء اليمن؟!
الإرباك التكتيكي: حين تفشل التكنولوجيا أمام الذكاء العملياتي: أكدت تقارير استخباراتية أمريكية، نقلتها مصادر متخصصة مثل "The War Zone" و"National Interest" أن طائرة (F-35) أمريكية تعرضت لتهديد وشيك من صواريخ (أرض- جو) يمنية، مما أجبر الطيار على القيام بـ "مناورة مراوغة" لتجنب الإصابة.
لم يكن هذا الإرباك ناتجاً عن منظومات دفاع جوي متطورة من الجيل الخامس، بل عن مزيج من التكتيكات "الهجينة" والأسلحة "المرتجلة" التي اعتمدتها القوات المسلحة اليمنية ويكمن جوهر النجاح اليمني في استغلال نقطة ضعف أساسية في تصميم الطائرات الشبحية.
الوصف والدلالة في العنصر التكتيكي:
تستغل هذه الأنظمة البصمة الحرارية لمحركات (F-35)، ولا تصدر إشارات رادارية يمكن لنظام الإنذار الإلكتروني المتقدم للطائرة (AN/ASQ-239) التقاطها مسبقاً.
وبهذا يقلص زمن رد الفعل للطيار إلى ثوانٍ معدودة الحساسات الحرارية السلبية (IRST) ويتم استخدام الرادار التقليدي للحظات قصيرة جداً لتوجيه الصاروخ، ثم يتم إخفاء منصة الإطلاق بسرعة.
وهذا التكتيك يجعل مهمة قمع الدفاعات الجوية (SEAD/DEAD) باهظة التكلفة وخطيرة، ويحول السماء اليمنية إلى "ساحة مطاردة" مستمرة .
تكتيك "اصطد ثم اختف ":
أثبتت التجربة أن التفوق التكنولوجي في تقليل البصمة الرادارية لا يلغي البصمة الحرارية، وأن الشبحية ليست درعاً مطلقاً أمام خصم يمتلك مرونة تكتيكية عالية.
وكسرت عقيدة الشبحية هذا الاعتراف الأمريكي الضمني، الذي تجسد في التعديل السريع للاستراتيجية وتقليل الاعتماد على الطيران المأهول في المهام المباشرة فوق اليمن، يمثل دليلاً على نجاح القوات المسلحة اليمنية في اختراق منظومة الدفاعات الجوية الأمريكية المتقدمة، ليس بالقوة التكنولوجية، بل بالذكاء العملياتي.
صفقة (F-35) للسعودية هل هي محاولة لـ "تخفيف الخسارة "؟ الفخ الاستراتيجي سيناريو الابتزاز الأمريكي والحديث عن بيع (F-35) للسعودية لا ينفصل عن سياق أوسع يتعلق بالهيمنة الأمريكية على سوق السلاح العالمي، خاصة بعد أن كشفت أحداث اليمن عن هشاشة طائرة (F-35).
ويكمن الخطر الاستراتيجي على المملكة في سيناريو محتمل يتم فيه استخدام طائرات أقل شبحية، مثل طائرات (F-15) التي تمتلكها السعودية بالفعل، في عمليات قتالية ضد الدفاعات الجوية اليمنية.
وفي حال تعرضت طائرات (F-15) السعودية للإسقاط من قبل القوات اليمنية ، فإن الولايات المتحدة ستجد في ذلك فرصة ذهبية لـ "ابتزاز" المملكة وتحميلها مسؤولية الفشل.
وسيتم توجيه اللوم إلى القوات السعودية لعدم امتلاكها أو عدم استخدامها لطائرة (F-35) التي يُفترض أنها أكثر قدرة على التعامل مع مثل هذه التهديدات.
وهذا التحميل للمسؤولية يخدم هدفين أمريكيين رئيسيين:
إنقاذ سمعة (F-35) يتم تحويل التركيز من فشل التكنولوجيا الأمريكية (F-35 التي كادت أن تُسقط) إلى سوء استخدام أو عدم امتلاك الحليف للتكنولوجيا "الصحيحة" (F-35).
وهذا يحمي سمعة الطائرة في السوق العالمية، خاصة وأن أي فشل لطائرة (F-15) سيتم تفسيره على أنه دليل على الحاجة الماسة إلى الابتزاز الاقتصادي والسياسي وسيتم استخدام الخسائر السعودية كأداة ضغط لفرض شروط أكثر صرامة في صفقات السلاح المستقبلية، بما في ذلك صفقة (F-35) نفسها، وتحميل المملكة الخسائر المادية الناجمة عن إسقاط الطائرات، تحت ذريعة "سوء الاستخدام" أو "عدم اتباع الإجراءات التشغيلية"، مما يضمن استمرار تدفق الأموال إلى مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية.
هذا السيناريو يضع المملكة العربية السعودية أمام خيار صعب إما الاستمرار في استخدام طائرات الجيل الرابع وتحمل مخاطر الإسقاط والابتزاز اللاحق، أو القبول بشروط أمريكية قاسية للحصول على (F-35) التي كُسرت هالتها بالفعل في سماء اليمن.
وهي لعبة استراتيجية معقدة، حيث يصبح الفشل العسكري للحليف ورقة ضغط لتعزيز المبيعات الأمريكية في سوق السلاح العالمي وبالخصوص الشرق الأوسط وابتزاز المملكة العربية السعودية وتحميلها كل التبعات المالية التي قد تصيب المبيعات العسكرية الامريكية .
في حين لا يوجد تصريح أمريكي رسمي يربط بين الحادثة والصفقة، فإن التحليل يرى أن التوقيت والدلالات تشير إلى علاقة غير معلنة بين الفشل التكنولوجي في اليمن وتسويق الطائرة "وإن إظهار F-35 كطائرة 'قابلة للإرباك' أو 'غير محصنة' في سماء اليمن، يقلل من قيمتها الاستراتيجية المطلقة، ويجعل بيعها لدولة حليفة مثل السعودية أقل حساسية من الناحية الأمنية لإسرائيل، خاصة إذا كانت النسخة المباعة 'أقل تقدماً'.
"ويمكن تفسير تسارع واشنطن في طرح فكرة بيع (F-35) للسعودية في هذا السياق على أنه محاولة لـ "تخفيف الخسارة التكنولوجية" و "إعادة التموضع" للمقاتلة بعد أن فقدت هالتها الأسطورية في اليمن.
فبدلاً من أن تبقى (F-35) رمزاً لا يمكن المساس به، أصبح من الممكن تداولها كجزء من صفقات أمنية أوسع، خاصة تلك المرتبطة بمسار التطبيع الإقليمي وبعد حادثة اليمن فإن الدلالة الاستراتيجية أنها مقاتلة متقدمة لكنها ليست محصنة ضد التكتيكات الهجينة.
"جوهرة التاج" ورمز التفوق المطلق (F-35) قد تخفف القيود، خاصة إذا كانت النسخة المباعة معدلة، لأن "السر" التكنولوجي قد انكشف عملياً وصحبها قيود صارمة جداً لضمان التفوق النوعي لإسرائيل (QME) والقيود على البيع والخوف من التحول إلى واقع وشيك، مما يقلل من حساسية بيعها لدول حليفة لتعويض التكلفة السياسية والمالية للبرنامج والخوف من إسقاط الطائرة وكشف أسرارها لدول معادية.
وللخوف الأمريكي دلالات عالمية جرس إنذار للقوى الجوية الكبرى وما حدث في اليمن ليس مجرد حادثة محلية، بل هو "جرس إنذار عالمي" للقوى الجوية الكبرى حيث أثبتت تجربة اليمن أن التفوق التكنولوجي وحده لا يضمن النصر، وأن تكتيكات الحرب الهجينة قادرة على إرباك أحدث المنظومات العسكرية.
ولقد أدت هذه الحادثة إلى إعادة تقييم شاملة في البنتاغون، حيث تتجه الجهود حالياً نحو تقليل البصمة الحرارية والعمل على تقليل البصمة الحرارية لمحركات الطائرات الشبحية لمواجهة أنظمة IRST. وتعزيز الإنذار المبكر وتطوير خوارزميات الإنذار لاكتشاف الصواريخ الحرارية في وقت كافٍ للمناورة.
في الختام، يمثل إرباك طائرة (F-35+ في سماء اليمن نقطة تحول في تاريخ الحروب الجوية. ولقد كشفت هذه الحادثة عن فشل عقيدة الشبحية المطلقة أمام نجاح المرونة التكتيكية للقوات اليمنية.
أما قرار بيع الطائرة للسعودية، فيمكن النظر إليه كخطوة استراتيجية أمريكية لإعادة تموضع هذه التكنولوجيا بعد أن فقدت هالتها الأسطورية، مؤكدة أن التفوق التقني، مهما بلغ، ليس درعاً مطلقاً أمام الإرادة والذكاء العملياتي.





