الوحدة.. إرادة اليمنيين في مواجهة الطامعين
نأى السيد حسين بنفسه وبأتباعه أن يكونوا شركاء في سفك الدماء وهتك الأعراض فأعلن رفضه لحرب 94م
شهد العام ١٩٩٠م حدثاً مهماً في التاريخ العربي الحديث، كان له أبعاده السياسية والاقتصادية على مستوى المجتمع اليمني والمنطقة العربية..
هذا الحلم الذي ظل يراود أبناء شعبنا اليمني عشرات السنين، وفي لحظة تاريخية شاهد أبناء اليمن ذلك الحلم وهو يتبلور ليصبح على الواقع حقيقة أبهجت كل وطني غيور، وأغاضت أعداء اليمن الذين بدأوا يحاكون المؤامرات ويجندون عملائها للانقضاض على الوحدة ووأدها في مهدها.
قراءة/ عبدالحميد الحجازي
ويرى المحللون السياسيون أن الوحدة اليمنية التي تم الإعلان عنها في الـ22 من مايو 1990م تحققت على أرضية سياسية هشة، فسرعان ما انكشفت الحقائق ونوايا من كانوا يخفون وجوههم الحقيقية خلف أقنعة مزيفة، وكان نتاج ذلك صراعا خفيا ظهر إلى السطح بما سمي بحرب صيف 1994م.. وبعد انتهاء الحرب، وانتصار أحد الأطراف الموقعة على الوحدة على الطرف الآخر، ظل اليمنيون لأكثر من 17عاماً في حوار عقيم ونقاش طويل، دار مجمله حول تحديد من كان السبب في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه من (انفراط العقد) وانعدام الثقة.
موقف السيد من الحرب على الجنوب
كان للسيد حسين بدر الدين الحوثي دور بارز ومعروف فيما يتعلق بالأزمة التي تلت الوحدة اليمنية وأدت إلى حرب صيف 94م حيث كان دوره هو دور الحريص على مصلحة البلد والحفاظ على وحدته وسلامته فكان هو ضمن فريق المصالحة بين الطرفين المتصارعين، وعمل بكل جد واهتمام على تجنيب اليمن حرباً كانت قد أطلت برأسها، وبعد عناء وتعب في محاولة رأب الصدع شعر السيد أن عشاق السلطة ذاهبون إلى الحرب فنأى السيد حسين بنفسه وبأتباعه أن يكونوا شركاء في سفك الدماء وهتك الأعراض ومصادرة الممتلكات فقام بالخروج إلى محافظة صعدة رغم أن السلطة التابعة لبيت الأحمر كانت قد فرضت إقامة إجبارية لأعضاء مجلس النواب حتى يضفوا شرعية على الحرب الظالمة والتأثير على الرأي العام اليمني والعالمي, إلا أن السيد لم يعبأ بهذا القرار وخرج إلى محافظة صعدة وأعلن رفضه للحرب لأن الخاسر فيها هو هذا الشعب المظلوم ومن خلال المظاهرات التي قادها في صعدة أعلن عن موقفه وموقف أبناء هذه المحافظة مما يحصل من سفك للدماء اليمنية وهتك للحرمات من أجل السلطة والمال وظل على موقفه الرافض هذا حتى نهاية الحرب.
ولم يخف على السلطة الظالمة هذا الموقف المعلن من السيد حسين وأنصاره في محافظة صعدة فعادوا من الجنوب وهم مهووسون بجنون العظمة ونشوة الانتصار الوهمي ليصبوا جام غضبهم على أنصار السيد حسين في مران وهمدان فنزلت الحملات العسكرية الكبيرة على أبناء مران وهمدان.. ففي يوم السبت 16/6/1994م وصلت الأخبار إلى أسماع الناس بنزول حملة عسكرية كبيرة ظالمة، نزلت إلى مران، وعبثت بالبلاد، وضربت دور العلماء، واعتقلت أفضل أبناء المنطقة، وفي جبل مران أبدى الظالمون حقدهم بمحاولة تدمير بيت السيد العلامة بدر الدين الحوثي وبيت السيد حسين واقتادوا إلى السجن العشرات منهم ظلما وعدوانا أطفالا وشبابا وشيوخا وبقي البعض منهم في السجن لأكثر من عام دون محاكمة وهو ثمن دفعه السيد وأتباعه لمواقفهم الدينية والوطنية, ولم يكن ما حصل بالشيء الذي يمكن أن يوهن من عزيمة السيد حسين رضوان الله عليه عن المضي قدما في مواقفه المشرفة والقوية في مواجهة المفسدين والظالمين فعملوا على استهدافه شخصيا في صنعاء إلا أن رعاية الله كانت أكبر من مؤامراتهم.
المبادرة الخليجية
الكثير من السياسيين يرون أن مرحلة ما بعد العام 2011م أحدثت حالة من الانتشاء الجنوبي، وخرجت كل النتوءات القذرة للعلن، فأصبح مستقبل وطن بأكمله مهددا وفي كف عفريت، وليس مستقبل الوحدة فحسب خصوصاً بعد طلب المنقذ من خارج الحدود تحت مسمى "المبادرة الخليجية" التي كان ظاهرها الرحمة وفي باطنها وحقيقة أمرها (المؤامرة)، فقد تم إعدادها في غرف المخابرات الأمريكية- الإسرائيلية، ليتم تغليفها (بعباءة وبشت وعقال) خليجي، ويتم تعيين جمال بن عمر للإشراف على تنفيذه.
تقسيم اليمن إلى أقاليم
بعد نحو عشرة أشهر من الحوار المستمر بين مختلف المكونات السياسية والقوى المجتمعية اليمنية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، تم الإعلان حينها عن الاتجاه لإنشاء اليمن الاتحادي من ستة أقاليم اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال، رغم أن مؤتمر الحوار الوطني كان قد تعثر في الأشهر الأخيرة من جولاته بسبب اختلاف الرؤى ورفض البعض لموضوع الأقاليم باعتبارها تكريسا لتمزيق اليمن والقضاء على وحدته.
وعلى الرغم من رفض مكون أنصار الله التوقيع على وثيقة الأقلمة التي أصر المبعوث الاممي حينها جمال بن عمر وسلطة هادي تمريرها، في الوقت الذي أعلن الحزب الاشتراكي اليمني رفضه القاطع لوثيقة الأقاليم، وكذلك إعلان الحراك الجنوبي رفضه أيضاً لتلك الوثيقة، وهو الأمر الذي جعل عملية الانتقال إلى الدولة الفيدرالية من ستة أقاليم أمراً محفوفاً بالمخاطر أو ربما تتعثر العملية السياسية برمتها، ولان لجنة الاقاليم لم تقم بأي دراسة علمية ولم تعتمد أي معايير واقعية لتقسيم الأقاليم، مما يوحي بان اللجنة تبنت خياراً سياسياً لقوى سياسية معينة ونفذت مشروعاً دولياً وإقليمياً كان قد اعد سلفاً، وكأن مهمة اللجنة إضفاء الشرعية على التقسيم الفيدرالي الجديد الذي قضى بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم.
ومن أبرز مخاطر تقسيم اليمن إلى أقاليم، أن التقسيم كان على أساس تشطيري فقد تم أولاً تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب بحدود عام 1990م ، ثم تقسيم الشمال إلى أربعة أقاليم والجنوب إلى إقليمين ، وكل هذا يأتي تحت مبرر وذريعة حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً وشاملاً، والواقع أن ذلك لم يحل القضية الجنوبية بقدر ما اظهر وشجع ما يسمى بالقضية الشمالية والعصبة الحضرمية والحراك التهامي وحراك المناطق الوسطى وغير ذلك من العناوين المنطقية والجهوية والعصبية .
بالإضافة إلى أن ذلك التقسيم يفضي إلى سلخ متعمد للمحافظات الغنية القليلة السكان عن المحافظات الفقيرة الكثيرة السكان لتصبح 70% من مساحة اليمن و كل ثرواته النفطية بيد 13% من السكان فيما يسمى بإقليمي حضرموت و سبأ، وعملية السلخ هذه ستؤسس لهويات جديدة وتضيف عوامل صراع جديدة إلى اليمن بين فقراء و أغنياء، وكان الصراع قد بدأ بصراع الهويات الاقتصادية مبكرا عندما اجتمع بعض وجهاء محافظات الجوف و مأرب و البيضاء ليعلنوا رفضهم ان تكون محافظة ذمار جزءا من إقليمهم لان نسبة عدد سكان ذمار 7% بينما نسبة عدد سكان المحافظات الثلاث مجتمعة 6% فقط و هم لا يرغبون في المزيد من الشركاء في الثروة النفطية, و هذا مؤشر فقط للصراع الذي سينشأ في المستقبل.
مشروع سعودي أمريكي
وهذا ما يؤكد أن مسألة الأقاليم أو الأقلمة ما هو إلى مشروع سعودي أمريكي لسلخ اليمن وسلخ المحافظات التي للسعودية أطماع فيها عن بقية اليمن كما تبنى التقسيم الاستعماري البريطاني للجنوب فيما كان يعرف بالمحميات الشرقية و المحميات الغربية، وسلخ اليمن بهذا الشكل سيمكن السعودية ودول إقليمية أخرى من الهيمنة على القرار في 70% من مساحة اليمن والتي تحوي كل الثروات النفطية، فعندما تبدأ عملية التفاوض على تقاسم الثروة و الصلاحيات بين الأقاليم سيكون هناك تضارب مصالح بين الأقاليم الغنية و الأقاليم الفقيرة و ستتدخل السعودية لصالح الأقاليم الغنية كما ستسعى لتطوير التعاون معها في مختلف المجالات بعيدا عن بقية الأقاليم بهدف إضعاف هويتها اليمنية. و منذ اليوم فان اللجنة الخاصة في الديوان الملكي السعودي لم تعد بحاجة لكسب ولاء مشايخ كل المحافظات اليمنية ويكفيها أن تركز استثماراتها على إقليمي حضرموت و ما يسمى بإقليم سبأ اللذين لا يتجاوز عدد سكانهما 13% من مجمل السكان لتهيمن بالتالي على70% من مساحة اليمن وعلى كل الثروات النفطية.
و في خطوة استباقية لتضليل الرأي العام عمدت الأبواق الإعلامية حينها التابعة للإخوان المسلمين والسلفيين إلى إساءة تفسير موقف أنصار الله الرافض لمشروع الأقاليم مدعية انه جاء كرد فعل لعدم حصولهم على منفذ بحري، وهنا نقول لهم أننا نعرف أن مشروعكم لسلخ اليمن قام على أساس النكاية بالحراك و بأنصار الله و أن نفوسكم ا لمريضة دفعتكم لتبني مشروع "سايكس بيكو جديد" يؤسس لسلخ 70% من اليمن لصالح السعودية مما يكشف افتقاركم لأي نزعة وطنية... وهو ما كشفه العدوان العسكري الذي قادته السعودية في مارس 2015م بدعم وتأييد أمريكي علني.
العدوان على اليمن
وعندما تنبه رجال الرجال لقذارة المخطط ، وحقد ومؤامرة من يقفون خلفه، سارع الشرفاء من أبناء الوطن من خلال ثورة 21 من سبتمبر المجيدة في العام 2014م لإيقاف خطوات ذلك المخطط وفضحه، فما كان من أعداء اليمن وعلى رأسهم العدو السعودي إلا أن أعلنها حرباً همجية قذرة استهدفت كل ما هو جميل في هذا الوطن، تحت مبررات واهية أظهرت حقيقة ما يسعون لتحقيقه من وراء مخططاتهم وعدوانهم على اليمن، لكن ثبات وصمود كل الشرفاء من أبناء الوطن أفشل كل ذلك وعزز الوعي الشعبي في أوساط كل شرائح المجتمع جنوباً وشمالاً، خصوصاً وأن هذا العدوان الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم سعى إلى احتلال أجزاء ومحافظات يمنية وفرض فيها أجندته الحقيرة التي أساءت إلى أبناء اليمن وكرست الفرقة والتمزق بين أبناء المجتمع من خلال الأحزمة الأمنية في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتل، وإنشاء النحب المسلحة ذات الولاء المطلق للغازي والمحتل، والتي أضحت تستعدي كل أبناء اليمن وتمارس تصفيات مناطقية وحزبية هدفها توسيع الشرخ وتعميق العداء بين أبناء الوطن الواحد.
وفي ظل هذا العدوان وما يمارسه من استهداف مباشر للوحدة الوطنية ومقوماتها الأساسية، برز الدور الكبير والمؤثر للقيادة الثورية ممثلة بالعلم المجاهد السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي، في مواجهة هذا العدوان وفضح مخططاته العدوانية وأهدافه الاستعمارية التي تخدم مشروع التوسع والهيمنة الأمريكية الإسرائيلية، الذي اتضحت مساره في السيطرة على السواحل البحرية والجزر اليمنية ومضيق باب المندب، وهي أطماع قديمة حديثة، برزت بشكل واضح في جزيرة سقطرى وميون وغيرها.