معها تغيرت قواعد الصراع مع العدو الصهيوني.. معركة سيف القدس ترسم سياسة جديدة
شهد الصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني منذ 8 مايو تصعيدا بدأ باندلاع اشتباكات في منطقة الحرم القدسي الشريف وحي الشيخ جراح في القدس،
كانت إسرائيل تنفذ إجراءات طرد عائلات فلسطينية من منازلها الأمر الذي ردت عليه الفصائل الوطنية الفلسطينية بعملية سيف القدس كنتيجة حتمية للقمع العنصري الوحشي والتجريف للسكان وتعرض المصلون في مسجدي الأقصى وقبة الصخرة إلى انتهاكات من قبل رجال الأمن داخل المسجدين بالاعتداء عليهم وإطلاق القنابل الٰصوتية وقنابل الغاز الخانق بكثافة لإجبارهم على الخروج من المسجد ومنعهم من أداء الصلاة.
كانت تلك الأحداث مقدمة لتنفيذ قرار نتنياهو بعدم السماح للفلسطينيين التواجد في باحات المسجد الأقصى تمهيداً لقيام المستوطنين بالاحتفال بما أدعوه بأنه "ذكرى توحيد القدس".
وفي الحقيقة فإن احتلال القدس الشرقية كان في أوائل يونيو 1967م حيث وافق الكنيست على مشروع قرار ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل ضارباً بالقوانين الدولية عرض الحائط فيما يتعلق بوضع مدينة القدس.
محدودية تأثيرها
كانت حكومة الكيان الصهيوني قد أعلنت الاستنفار العام تحسباً لردة فعل الفلسطينيين المتوقعة تحت ستار أكبر مناورة في تاريخ الكيان الغاصب تحت اسم "مركبات النار" إذ لم تكن القبة الحديدية التي روجت لها إسرائيل بذات القدرة للتصدي للصواريخ قصيرة المدى فقد كشفت رشقات الصواريخ محدودية تأثيرها على الاعتراض والتصدي لها، وهنا خسرت إسرائيل عروضها لبيع هذه المنظومة التي كانت تزهو بها كمنظومة دفاعية فعالة لحماية أجواء إسرائيل.
والأهم من ذلك أن المقاومة كسرت في هذه الجولة البطولية من المواجهة معادلات قديمة عمل العدو على تثبيتها بالحديد والنار والمجازر، وأنشأت قواعد جديدة تمهد لمراحل قادمة من الصراع.
يوم 10 مايو بدأت القوات الإسرائيلية حملة قصف واسعة على غزة، قالت إنها استهدفت مئات الأهداف لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بينما أعلنت السلطات الصحية الفلسطينية في القطاع عن مقتل العشرات من المدنيين من النساء والأطفال والجرحى الفلسطينيين.
إفراط في القتل والتدمير
العدو الصهيوني أفرط في القتل وهول الدمار في معركة مشتركة لقواته الجوية والبحرية والقصف المدفعي تركز القصف في استهداف الأحياء السكنية وهدم المنازل على رؤوس الساكنين الآمنين في عمليات وحشية غلب عليها طابع استعراض القدرات العسكرية للقنابل شديدة الانفجار والصواريخ لاقتلاع الأبراج السكنية من جذورها كما حدث لبرج الجلاء الذي يحوي مكاتب لقنوات إعلامية وشركات تجارية ووكالات، وغيرها من الأبراج والشقق والمساكن العامة.
وأمام ضراوة القصف لم يكن هناك شيء مستثنى فقد شمل الدمار معظم أحياء غزة لتدك غارات العدو خلال 11 يوما 17 ألف وحدة سكنية وارتكاب جرائم حرب في تعمد ممنهج لاستهداف التجمعات السكانية والبنية التحتية والإنتاجية والصناعية والخدمية في قطاع غزة المحاصر على مساحة 350 كلم۲.
قال رئيس بلدية غزة يحيى السراج إن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف الطرق وتدمير البنى الأساسية في الغارات المتواصلة لاستهداف الخدمات الأساسية بمنزلة عقاب جماعي لسكان غزة.
وأدى القصف إلى انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أغلب الأحياء بمدينة غزة، وألحق أضراراً جسيمة بإمدادات الكهرباء وشبكة المياه.
بدورها أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن أكثر من 120 ألف شخص فروا إلى مدارس الوكالة في قطاع غزة هرباً من القصف الإسرائيلي. تكثيف العدو من غاراته الجوية في إستهداف المدنيين كان بهدف تشكيل عامل ضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية لمحاولة التخفيف من هجماتها الصاروخية على مقرات ومراكز تجمعات العدو بعد أن فشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ التي وصلت إلى العمق الاسرائيلي لتلحق اضرارا بالغة بالعدو وقدراته العسكرية والمادية والبشرية وقتل وأصابة العشرات من جنوده لكن العدو كعادته لا يعترف بحجم الخسائر ويتستر على الضحايا خشية من نشر الذعر وسط السكان الإسرائيليين الملازمين الملاجئ وراح البعض يغادر المناطق القريبة من المقرات الحكومية لعدم توفر الأمن والاستقرار وهو ما بات يشكل تهديدا لوجودهم، وقوبل ذلك بردود أفعال غاضبة في الشارع الإسرائيلي ضد حكومة نتيناهو التي أصبحت عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الحماية للمواطنين وسط حالة الارتباك والتخبط للقيادة الإسرائيلية على المستويين السياسي والعسكري ظهر ذلك بشكل واضح فيما بات يعرف بـ"الفضيحة" المتهم فيها قيادة الجيش الإسرائيلي عندما قدم المتحدث باسمه إحاطة إعلامية لصحفيين إسرائيليين ووكالات إعلامية أجنبية بأن قيادة الجيش بدأت بعملية عسكرية برية. وعلى العكس من ذلك وسائل إعلام إسرائيلية ومراسلون عسكريون سرعان ما أصدروا بيان “براءة” أمام الجمهور الإسرائيلي رفضوا فيه أن يكونوا شهود زور على معركة لم تجرِ على الأرض.
فكتب يانيف كوبوبيتس المراسل العسكري لصحيفة هارتس فقال: إنني أمضيت 17عاماً وأنا أغطي الأحداث الأمنية الكبرى التي تحدث في إسرائيل، وهذه المرة الأولى التي أضطر فيها للتخلي عن الإحاطة التي قدمها المتحدث باسم الجيش لأنه حتى في خضم القتال هنالك حدود للقصص المفبركة وتضليل الجمهور.
حالة الفشل والانهيار
تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أشار فيه إلى أن المنظومة الدفاعية لا تستطيع اعتراض كل صواريخ المقاومة يعكس حالة الفشل والانهيار السياسي من الداخل بسبب الأزمة الحكومية المستفحلة، بالإضافة إلى اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية الواسعة في الداخل المحتل، وكذا احتجاجات اليسار الاسرائيلي وتضامن الشارع العربي والأجنبي ما خلق رغبة المستوى السياسي في إسرائيل إلى البحث عن صورة انتصار بتلفيق أخبار كاذبة لتهدئة الجبهة الداخلية الاسرائيلية المنكفئة باليأس وهي ترى هول القصف يطال القواعد العسكرية والمطارات والمنشآت ومرافق المؤسسات والمراكز الهامة للعدو ليصاب المجتمع اليهودي بالصدمة المفاجئة التي كشفت السلوك البرجماتي لإسرائيل وغدا أمرا فاضحا له، ولم يعد قادرا على حماية السكان.
وعلى الصعيد السياسي كشفت تصريحات عدد من الساسة الإسرائيليين عدم رضاهم عن أداء الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، وعما يصدر منها من تصريحات وأفعال لم تعد معبرة عن رضا الشارع اليهودي. وكان مسؤولون إسرائيليون أكدوا أن مسؤولين أميركيين أوضحوا خلال محادثات مغلقة مع الحكومة الإسرائيلية أنهم يريدون إنهاء العدوان على غزة في الأيام القريبة المقبلة، وأن الأوروبيين بدأوا يعربون عن القلق الشديد من خطر تدهور الوضع إلى مزيد من الوحل. لكن رئيس الوزراء نتنياهو ظل يراهن على إنهاء القتل بمكسب واضح لأنه يخشى من أن تنقلب الأمور عليه، فهو بعد أن نجح في عرقلة جهود تشكيل حكومة بديلة باشر العمل حثيثاً لكي يتمكن من تشكيل حكومة برئاسته، لكنه يخشى من احتمال توجيه انتقادات له على إدارة الحرب تؤدي إلى انقلاب في الرأي العام ضده.
الأكثر فشلاً
رئيس تحرير صحيفة «هارتس» آلوف بن كان قد أطلق على رئيس حكومة العدو الشرارة الأولى في هذه الانتقادات، إذ كتب أن «هذه هي الحرب الأكثر فشلاً وغير ضرورية لإسرائيل. وقال : نحن نشهد فشلاً عسكرياً وسياسياً خطيراً، وكشف عن الإخفاقات الكبيرة في استعدادات الجيش وأدائه بقيادة حكومة مرتبكة وعاجزة».
وأضاف آلوف: «بدلاً من إهدار الوقت بمحاولات لا طائل منها للحصول على (صورة انتصار)، والتسبب جراء ذلك بقتل ودمار كبيرين في غزة وتشويش مجرى الحياة في إسرائيل، يتعين على نتنياهو أن يتوقف الآن للموافقة على وقف إطلاق النار»، ولفت إلى أن القيادة الإسرائيلية الأمنية تركز في العقد الأخير على مواجهة إيران في سوريا ومناطق أخرى، بينما اعتبرت غزة جبهة هامشية ينبغي احتواؤها بوسائل اقتصادية، وباستثمار كبير للقبة الحديدية.
بينما أكد المراسل العسكري الاسرائيلي لصحيفة «معريب»، طال ليف رام أنه «في هذه المرحلة تتعالى أصوات بين المستويين الأمني والسياسي حول آلية الخروج من العملية العسكرية، وشروط وقف إطلاق النار». وأضاف: «في إسرائيل يتجهون إلى التهدئة يوم الخميس، لكن على إثر القوة المكثفة للجولة الحالية، والسيناريوهات المتوقع حدوثها حتى ذلك الحين فإن التقديرات هي أن القتال سيستمر أياماً أخرى».
وقال المراسل العسكري لموقع «واللا»، أمير بوحبوط نقلاً عن مسؤول سياسي إسرائيلي : إن الحكومة شرعت في الاستعداد لتنسيق عمل الطواقم في إطار فتح «قنوات حوار» محتملة لوقف إطلاق النار في غزة، وأن رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين سيتولى مسؤولية قنوات الحوار مع الأردن وقطر والإمارات، فيما سيتولى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات مسؤولية قنوات الحوار مع مصر. وأشار إلى أن حركة حماس «باتت جاهزة للموافقة على وقف إطلاق النار، لكنها غير مستعدة لإعلان ذلك قبل أن تفهم موقف إسرائيل من هذه المسألة. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن إدارة جو بايدن أقرت صفقة أسلحة بقيمة 735 مليون دولار لدولة الاحتلال في الخامس من مايو أي قبل خمسة أيام فقط من بدء العدوان على قطاع غزة. وقالت الصحيفة إن الجزء الأكبر من الصفقة يتعلق بقذائف عالية الدقة.
في الكواليس
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال إن بلاده تعمل في الكواليس لإنهاء القتال لكنه أكد ما أسماه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحفي من الدنمارك: "إن على إسرائيل بذل ما في وسعها لتفادي قتل المدنيين، وخصوصاً الصحفيين والأطفال"، كما جدد مطالبة فصائل المقاومة بوقف هجماتها الصاروخية.
وأضاف: "أدعو كل الأطراف إلى حماية المدنيين" مؤكداً قلق الولايات المتحدة إزاء تصاعد العنف بين الجانبين.
لكن مثل هذه الأحاديث تتعارض إلى حد كبير مع استمرار تزويد دولة الاحتلال بالأسلحة الدقيقة التي غالباً ما تستخدم لقتل المدنيين، وتدمير ممتلكاتهم فضلاً عن أنها لا تصب في خانة التهدئة والتعايش السلمي اللذين يتحدث عنهما بلينكن.
ويشرعن التأكيد الأمريكي اليومي على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بطريقة أو بأخرى عمليات استمرار القتل والاستهداف الممنهج للمدنيين الفلسطينيين.
كما أن التصدي الأمريكي المتواصل لإصدار إدانة أممية لممارسات دولة الاحتلال يوفر غطاء واسعاً لمواصلة العدوان.
يوم الأحد 16 مايو فشل مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة منذ بداية العدوان في إدانة القصف الإسرائيلي لقطاع غزة بسبب رفض الولايات المتحدة التي تقول إن "الإدانة ستعطل جهود التهدئة الجارية".
لكن هذه الجهود التي تتحدث عنها واشنطن لم تخفف حتى عمليات القتل والتدمير، ولا القمع غير المسبوق لفلسطينيي القدس المحتلة أو فلسطينيي الداخل المحتل، فضلاً عن تثبيت تهدئة.
وأجرى الرئيس الأمريكي مكالمة هاتفية ثالثة مع نتنياهو الاثنين 17 مايو أبلغه خلالها بأن "دعم الولايات المتحدة مستمر، إلا أن قدرتها على مواجهة الضغوط الخارجية بلغت نهايتها".
ونقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن الرسالة العامة التي أراد بايدن إيصالها خلال المكالمة هي أن واشنطن تدعمنا، لكنها تريد إنهاء العملية في غزة"، مضيفاً: "إدارة بايدن أكدت أن قدرتها على كبح الضغط الدولي على إسرائيل وصلت لنهايتها".
لكن المسؤول الإسرائيلي أكد أيضاً أن بايدن "لم يعطِ إسرائيل أي مهلة نهائية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار"، فيما قالت هيئة البث الإسرائيلي إن نتنياهو "أبلغ بايدن تصميمه على استكمال الهدف من العملية". وبعد المكالمة قال البيت الأبيض إن بايدن أكد دعمه وقف القتال، وحث نتنياهو على ضرورة التأكد على حماية المدنيين، وشجعه على إعادة الهدوء إلى القدس المحتلة، لكنه جدد تأكيده بدعم حق "إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ورفضه استمرار إطلاق الصواريخ من غزة".
الحماية السياسية
محللون ومراقبون رأوا بإن إدارة بايدن ليست وسيطاً نزيهاً ولا محايداً أبداً في هذه الجولة الدائرة من القتال، وانتقدواً السياسة الأمريكية أنها "تعمل بكل الطرق على توفير الحماية السياسية والدعم العسكري الذي يضمن لإسرائيل تحقيق نصر عسكري".
وأكدوا بأن بايدن معروف بتاريخه الطويل في دعم دولة الاحتلال، وله العديد من التصريحات التي تعزز هذه الفرضية، لكنه يحاول التعامل مع الوضع بطريقة أقل فجاجة من طريقة سلفه دونالد ترامب. بالإضافة إلى ذلك يحاول بايدن الانخراط مجدداً في بعض ملفات المنطقة ومنها القضية الفلسطينية على نحو يضمن المصالح الأمريكية التي يرى أن ترامب فرط فيها لصالح الروس والصينيين.
ويرى سياسيون أن بايدن على الرغم من انحيازه الواضح للجانب الإسرائيلي في هذه المعركة، فإنه أيضاً يريد إجبار نتنياهو على العودة لطاولة التفاوض مع الفلسطينيين بما يحقق المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني.
ومنذ بداية العدوان تحدثت العديد من الصحف الأمريكية عن الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها بايدن من قبل بعض الديمقراطيين الذين يطالبون بموقف أكثر حزماً مع دولة الاحتلال، وبين الجمهوريين الذين يطالبون بموقف أكثر دعماً لها.
يوم السبت 15 مايو قال بايدن إنه هاتف نتنياهو والرئيس عباس، وطلب منهما إنهاء هذا الوضع عاجلاً لا آجلاً، لكنه لم يتخذ خطوات فاعلة لوقف القتال، ولم يتواصل بشكل مباشر مع قادة الدول الفاعلة في هذه الملف، مكتفياً باتصالات يجريها وزير خارجيته أو مساعدوه لوقف القتال.
إعلان وقف إطلاق النار في 21 مايو صباح يوم الجمعة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الساعة التي حددها وسطاء مصريون. وفي وقت سابق أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة كاشفة أنه تم برعاية مصرية.
وصادق مجلس الوزراء الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينيت" على الاقتراح الذي قدمته مصر بوقف إطلاق نار غير مشروط.
ودعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في بيان له إلى الالتزام بوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
وبالتزامن مع ذلك وصل الوفد الأمني المصري الأراضي الفلسطينية في مسعى لترسيخ التهدئة مع إسرائيل لتهدئة الأوضاع وإعمار غزة والعودة إلى المسار السياسي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية".
وكان هذا الوفد قد وصل إلى الضفة الغربية بعد إجراء مفاوضات مع قادة الفصائل في قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع وصول وفد مصري ثان إلى إسرائيل لبحث ترسيخ التهدئة.
ومن جانبه أكد أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس أن الحركة استجابت لتدخل الوساطات العربية وعلقت ضربة صاروخية كبيرة كانت معدة لإسرائيل. وقال أبوعبيدة: "نقول وبشكل واضح أعددنا ضربة تغطي كل فلسطين من حيفا حتى رامون، لكننا استجبنا لوقف إطلاق النار لنرقب سلوك العدو حتى الساعة 2 من فجر الجمعة.
قلب معادلات الصراع
لقد استطاعت المقاومة قلب معادلات الصراع وفارق القوة العسكرية وتحطيم أسطورة الجيش الذي لايقهر، وأعادت الحياة إلى القضية الفلسطينية مجددا، وباتت أملا للشعوب المستضعفة على مستوى العالم. وبالتأكيد فإن نجاح المقاومة الفلسطينية لها انعكاسات استراتيجيّة وسياسيّة وثقافيّة بالغة الأهميّة على مستقبل الصراع في المنطقة وعلى الشعب الفلسطيني وقواه الحية وكافة دول محور المقاومة وشعوبها والقوى السياسية والشعبية التي آزرته على مستوى العالم ما يجعل التحرير الكامل من البحر إلى النهر مشروعا قريب المنال وأن القدس أقرب إلى الحرية من أي زمن مضى.
لقد وجهت المقاومة ضربة اقتصادية قوية للكيان الغاصب الذي سجل خسارة تجاوزت مئات ملايين الدولارات خلال أيام قصيرة وأعادت التلاحم الشعبي والاصطفاف الجماهيري في الداخل الفلسطيني، كما أعادت الثقة للشعب العربي بإمكانية الانتصار طالما هناك إرادة قوية للتحرير.
تضامن دولي
شهدت قضية الشعب الفلسطيني تضامنا دوليا واسعا، وكان ذلك نصرا سياسيا كبيرا تجسد في حجم المؤازرة والتضامن السياسي والجماهيري اللافت واستنكاره الانتهاكات الإسرائيلية للمذابح التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني واستهداف المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن وتدمير مقدرات البلد. وفي الداخل الفلسطيني شهدت كافة المدن الفلسطينية التفافا شعبيا واسعا في غزة والضفة وحتى في الداخل المحتل وراء خيار المقاومة.
وعلى الجانب الآخر كشفت المقاومة الأنظمة العربية ومواقفها المخزية عن إظهار أي موقف سياسي أو دعم ومساندة للشعب الفلسطيني، خوفا من أسيادها الأمريكان وخشية من إسرائيل المطبعين معها سرا وعلانية، ومع ذلك فإن المقاومة أعادت الحسابات للعرب من الانجراف والهرولة باتجاه إسرائيل، وأفشلت صفقة القرن ودق آخر مسمار في نعشها واثبتت للشعوب العربية أن حكوماتها التي طبعت مع الكيان الصهيوني لا ثقل لها على الساحة العربية، وأصبح ينظر لها شعبيا كأنظمة تبعية ومرتهنة لا فائدة منها في قضايا الأمة ولا يعول عليها في أي قضايا مصيرية فهي حكومات فاسدة ومحبطة لعملية النهوض الحضاري، بل أن صمتها كان إسنادا ودعما للكيان الصهيوني في غطرسته باستعراض العضلات لتدمير الأحياء السكنية وقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية.
وبالرغم من أن مصر والأردن دولتان مطبعتان منذ عشرات السنين إلا أنها على الأقل كسبت ود المقاومة والشعب العربي والفلسطيني وعادت لمكانتهما كلاعبين أساسيين لدى أمريكا وكحلقة وصل فعالة وناجحة بين جميع الأطراف للوصول لوقف فتيل الصراع.
رسم خارطة جديدة للصراع
المكاسب الرئيسة لهذا الانتصار ستعيد رسم خارطة جديدة للصراع تستفيد منها أولا المقاومة في عملية تطوير القدرات العسكرية وإعادة النظر في وحدة الداخل الفلسطيني وامتداد رقعة المقاومة، واتخاذ وسائل صراع متعددة الجوانب، بما في ذلك داخل المناطقّ المحتلة.
وأخيرا فإن أي تسوية سياسية مالم تكن وفقا للشروط الفلسطينية على حدود 67م مالم فإن الصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني هو صراع مصيري لا يمكن أن ينتهي إلاّ إذا امتلك الفلسطينيون قوة وطاقة الفعل الوطني المقاوم على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، ولابد من التفكير الأشمل حول استراتيجية التحرير بالاعتماد على تطوير القدرات الذاتية أولا، بحيث لا تبني المقاومة نفسها على ركيزة واحدة، بل توحيد صفوف المقاومة والاتجاهات السياسية المختلفة وتوحيد الجبهة الداخلية لتكون قادرة على إدامة الصراع بقيادة سياسية وعسكرية موحدة ومخلصة، والاهتمام بتنشئة الاجيال وتأهيلهم في المجالات المختلفة ومن الأهمية بمكان تطوير القدرات الرادعة الموازية كحق في مقاومة الاحتلال، والتوسع في تأسيس البناء التنظيمي لتشكيلات المقاومة في كل مناطق ومدن فلسطين باعتبار المقاومة في رأي الكثير خيارا وطنيا واسعا، لا تنتهج سياسة المساومة في الاستحقاق التاريخي طالماّ هناك شعب اختار التضحية وسيلة للتحرير وذلك هو منطق التاريخ الذي مرت به كافة شعوب العالم في التحرير والاستقلال.