الجزر اليمنية والاطماع الإماراتية
منذ بداية القرن الحادي والعشرين شهد العالم تغيرات متسارعة انتقلت البشرية فيها من مرحلة الاستقرار المحكوم بقوانين وتوازنات الحرب الباردة إلى مرحلة جديدة لسياسات القطب الواحد
الذي اتسم بأفق توسيع الهيمنة الأمريكية للسيطرة على مقدرات البشرية وإخضاع الشعوب الفقيرة منها لمزيد من التبعية والحرمان والفقر والتخلف والتهميش كما هو حاصل اليوم في العديد من بلدان آسيا وافريقيا وفي وطننا العربي وما تواجهه العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين وكذلك إيران من وتآمرات لإسقاط العديد من القيم المستقرة للتعايش وصولا لهدم المجتمعات واغراقها بدوامة الصراعات وتشظيها إلى كنتونات مجتمعية وطوائف وسلالات متناحرة وتلجأ السياسة الأمريكية إلى إنتاج الصراعات وتقسيم العالم إلى أصدقاء وأعداء.
ولم تكن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى تؤدي وظيفتها كالسابق فقد تعرضت هي الأخرى إلى سطوة الهيمنة الأمريكية وإلى تفريغ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي من مضامينهما الموضوعية الحيادية بحيث أصبحت الأمم المتحدة غير قادرة على ممارسة دورها الذي تراجع بصورة حادة لحساب التواطؤ مع المصالح الأمريكية ورؤيتها السياسية في العلاقات الخارجية المحكومة بظواهر الهيمنة الأمريكية التي أحدث شروخا في العلاقات الدولية وانهيارا في سياسة التوازنات الدولية التي أدت إلى بروز معطيات جديدة تنذر بكوارث خطيرة على الشعوب والمجتمعات.
مأساة مجتمعية كبيرة
تعد الصراعات إحدى مؤشراتها لضرب المجتمعات وجعلها غارقة بالحروب المستديمة فالعدوان على اليمن الذي تقوده السعودية يعبر عن مأساة مجتمعية كبيرة في تراجيديا هذه الحرب الظالمة وفي غولها ومخاطرها ونتائجها وتأثيراتها المدمرة للحياة والقيم الإنسانية التي حولت البلد إلى أرض مستباحة منتزعة السيادة وإلى مستعمرة لإدارة مصالحها التي تتقاطع مع مصالح الاستعمار الجديد للدول الكبرى ولعل توغل العدوان على كامل الجغرافية الجنوبية والتمدد نحو المنافذ والبحار والجزر اليمنية ومناطق الطاقة يضعنا أمام مشاهد العدوان الذي يدار من أروقة الولايات المتحدة وقد كشفت الأحداث والوقائع الأطماع العدوانية للسعودية والإمارات للسيطرة على المناطق النفطية والغازية في المهرة وشبوة وحضرموت ومأرب والساحل الغربي وجزيرتي ميون وسقطرى وحجم القبضة الحديدية في التواجد العسكري وبناء القواعد العسكرية باستهداف جزيرتي سقطرى وميون اللتين تقعان على مدخل ومضيق باب المندب أحد أهم الممرات الملاحية الدولية في العالم الذي يربط دول المحيط الهندي والبحر الأحمر بالعالم.
مفتاح باب المندب
تعد جزيرة ميون التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثمائة نسمة تقريبا مفتاح باب المندب وفيما تبلغ المسافة بين ضفتي مضيق باب المندب 30 كيلومتراً فإن جزيرة ميون تفصل المضيق إلى قناتين الشرقية منها تعرف تاريخياً باسم "باب اسكندر" يبلغ عرضها 3.5 كيلومترات وعمقها 30 متراً ولا تمر عبرها السفن بينما القناة الغربية واسمها "ممر ميون" عرضها 20 كيلومتراً وعمقها يصل إلى 310 أمتار وتمر عبرها السفن.
وبالنظر إلى تاريخ هذه الجزيرة فقد جرت محاولات عدة للسيطرة عليها من قبل العديد من الامبراطوريات الاستعمارية كالبرتغاليين والهولنديين والعثمانيين والفرنسيين والبريطانيين التي تتصارع حول مراكز وأسواق التجارة العالمية والشحن والتموين والنفط.
وقد زادت أهميتها الاقتصادية بعد فتح قناة السويس وكل منهما تستمد أهميتهاً من الأخرى إلى جانب مضيق هرمز وكان البريطانيون قد احتلوها مع احتلالهم لعدن في القرن التاسع عشر وحاول البريطانيون طوال فترة احتلالها تنميتها ونصبوا فيها فنارات لإرشاد السفن في المضيق لمحاولة الاستفادة منها اقتصادياً إلا أن أهميتها تضاءلت بفعل ميناء عدن الذي كان يزود السفن بالزيت بدلا عن الفحم ومن هنا فقدت أهميتها ومع خروج بريطانيا في أواخر ستينيات القرن الماضي من الجنوب حدث تراجع في تنمية جزيرة ميون وزاد الإهمال لها بعد الوحدة لا سيما بعد حرب 1994م.
محاولات التدويل
بعد أن نالت جمهورية اليمن الشعبية استقلالها في 30 نوفمبر 1967م خضع مضيق باب المندب لمحاولات التدويل في عدة مناسبات حيث فشلت بريطانيا قبيل انسحابها من محمية عدن أن تضع جزيرة ميون تحت الحماية الدولية عام 1967م كما فشلت محاولة مماثلة لتدويل الجزيرة في العام 1971م بعد هجوم فدائيين فلسطينيين على ناقلة نفط متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وطرحت فكرة تدويل باب المندب مجدداً بعد نجاح مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية في فرض حصار على المضائق خلال حرب نوفمبر 1973م ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه.
محاولات إسرائيلية
في حرب 6 أكتوبر 1973م كان البحر الأحمر أحد عناصر خطة فرض الحصار على إسرائيل فقد بدأ حصار غير معلن على مضيق باب المندب منذ الأسبوع الثاني للحرب حين أغلقت مصر بالتنسيق مع اليمنيين هذا الممر الحيوي كما قامت قوات من اليمن الشمالي بالسيطرة على بعض جزر البحر الأحمر لمنع إسرائيل من استخدامها لفك الحصار.
وحاولت إسرائيل في فترة لاحقة في السبعينات احتلال جزيرة ميون في محاولة للسيطرة على باب المندب لمنع تكرار الحصار الذي تعرضت له خلال حرب أكتوبر 1973م لكنها واجهت ردة فعل مصرية فورية تمثلت في إرسال مدمّرات إلى منطقة ميون لمواجهة أيّ حالة طارئة.
أهداف إماراتية
تعد جزيرة ميون واحدة من عشرات الأهداف الاستعمارية في سياق هذه الحرب العدوانية على اليمن التي تنفذها بالوكالة دول التحالف العربي (السعودية والإمارات) فالإمارات منذ غزوها عدن في أواخر مارس 2015م دأبت لتأسيس قاعدة لها في جزيرة ميون وقاعدة أخرى في أرخبيل سقطرى 2018م ضمن أجنداتها الاحتلالية ومحاولاتها للتواجد في المناطق الاستراتيجية الهامة.
وكانت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية قد كشفت يوم 25 مايو 2021م على ما نشرته من صور مأخوذة عبر أقمار صناعية لقاعدة جوية في جزيرة ميون وأظهرت هذه الصور أعمال لتشييد قاعدة جوية في الجزيرة حيث أشارت الوكالة إلى أن بناء القاعدة الجوية يمثل بعدًا أكثر استراتيجية يفوق نطاق النزاع العسكري بالنسبة للإمارات.
وبحسب الوكالة الأمريكية فإن مدرج الطائرات في الجزيرة يتيح لمن يتحكم به إبراز سيطرته في المضيق لشن هجمات جوية بسهولة على البر الرئيس لليمن كما يمكنه أن يكون قاعدة لأي عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق إفريقيا كما أظهرت صور الأقمار الصناعية من شركة "بلانيت لابز" التي أطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس توضح شاحنات ومعدات بناء مدرج بطول 1.85 كيلومتر بالإضافة إلى تشييد 3 حظائر للطائرات جنوب المدرج مباشرة. وبحسب خبراء عسكريين يمكن أن يستوعب مدرج بهذا الطول طائرات هجومية وطائرات مراقبة وطائرات نقل.
وكانت الوكالة قد نقلت عن مسؤولين في حكومة هادي أن إماراتيين يقفون وراء مشروع القاعدة الجوية رغم أنها أعلنت عام 2019م سحب قواتها من التحالف العسكري بقيادة السعودية من اليمن حيث أفادت تقارير بأنه جرى نقل المعدات من القاعدة الإماراتية في إرتيريا إلى جزيرة ميون في استنساخ لسيناريو الهيمنة الإماراتية على أرخبيل سقطرى المحتل من الإمارات منذ العام 2018م.
كما كشف تحقيق غرفة أخبار قناة الجزيرة في مارس الماضي عن تفكيك دولة الإمارات قاعدتها العسكرية في إرتيريا التي تعرف بقاعدة عصب ونقل جزء من معداتها وآلياتها العسكرية على سفن إلى جزيرة ميون وجزء آخر إلى الحدود مع مصر وليبيا وأفاد التحقيق الذي عمل عليه فريق البحوث المتقدمة والاستقصاء بالتعاون مع فريق متخصص في تحليل صور الأقمار الصناعية بأن الإمارات فككت آليات عسكرية ونقلت منظومة باتريوت وطائرات من قاعدة عصب العسكرية إلى جزيرة ميون اليمنية.
وكان موقع ساوث فرونت الأمريكي المتخصص في الأبحاث العسكرية والاستراتيجية قد ذكر في 28 أغسطس الماضي أن الإمارات وإسرائيل تعتزمان إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في أرخبيل سقطرى.
مغالطة سعودية
السعودية من جانبها نفت عبر مصدر في التحالف العسكري الذي تقوده الأنباء التي تتحدث عن وجود قوات وقواعد إماراتية في جزيرتي سقطرى وميون اليمنيتين حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية "واس" عن مصدر مسؤول بالتحالف قوله :"لا صحة للأنباء التي تتحدث عن وجود قوات لدولة الإمارات العربية المتحدة في جزيرتي سقطرى وميون" وقال إن :"التجهيزات الموجودة في جزيرة ميون تقع تحت سيطرة قيادة التحالف وفيما يخدم تمكين قوات الشرعية وقوات التحالف من التصدي للحوثيين وتأمين الملاحة البحرية وإسناد قوات الساحل الغربي.
وبينما تنفي السعودية بناء قاعدة إماراتية تؤكد وسائل إعلام إسرائيلية على بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون وقد نشرت تفاصيل جديدة حول القاعدة العسكرية في ميون ومشاركتها فيها.
وقال موقع “ديبكا” العبري يوم 1 يونيو2021م إن الهدف من القاعدة العسكرية هو إحكام السيطرة على باب المندب وصولًا إلى قناة السويس المصرية ملفتًا إلى أن هذه القاعدة ستغير موازين القوى العسكرية في المنطقة.
وألمح الموقع إلى مشاركة “تل أبيب” في إنشاء القاعدة مستحضرًا دورها بالهجوم على السفينة العسكرية الإيرانية التي كانت تقوم بالدعم اللوجستي في البحر الأحمر للسفن التجارية الإيرانية المارة في المياه الدولية.
وأكد بأن إنشاء القاعدة العسكرية من قبل الإمارات ليست وليد اللحظة موضحًا أن نشاط أبو ظبي في جزيرة ميون بدأ قبل 5 أعوام بإنشاء مدرج للطائرات مستدركًا : لكن المشروع توقف بفعل طموح الإمارات للسيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي كما أكد أن الإمارات استأنفت نشاطها لعسكرة الجزيرة من خلال إنشائها مدرجات جديدة للطائرات على أراضي الجزيرة التي تبلغ مساحتها قرابة 13 كيلو متر مربع.
وفي نفس الوقت تستقدم الإمارات وفودا سياحية كبيرة من إسرائيل وجنسيات أخرى تتقاطر الى جزيرة سقطرى بشكل كبير للوصول إلى الجزيرة وبتأشيرات إماراتية دون علم ما يسمى حكومة الشرعية التي فقدت وظائفها حيث أصبح الغازي هو المتحكم في الشؤون اليمنية وأصبحت الحكومة المنسلخة إلى نصفين عبارة عن أرجوزات ودمى تحركهم السعودية والإمارات كيفما شاءت ووفق أهوائها وأجنداتها التدميرية في اليمن.
توسيع نطاق تواجدها
استحداث الإمارات لهذه القاعدة أثار حالة من الغضب الرسمي والشعبي وناشطين وحقوقيين وصحفيين وبرلمانيين في اليمن من توسيع الإمارات نطاق تواجدها ونفوذها العدواني في البلاد خدمة للمؤامرات الاستعمارية التي تدار من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسرائيل مطالبين برفع أيديهم من اليمن .
إن تموضع جزيرة ميون في مضيق باب المندب الشريان الحيوي الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن جنوباً هو مكمن سرها الاستراتيجي فهي تبعد 100ميل عن ميناء عدن الذي تفرض أبو ظبي السيطرة عليه كما أن موقع جزيرة ميون يجعلها تسيطر على أهم الممرات التجارية بين الشرق والغرب فهي عملياً بوابة قناة السويس ويعدّ تدفق الملاحة منها وإليها مرهوناً بسلامة الملاحة في باب المندب.
كما ان سيطرة الإمارات على هذه الجزيرة وبناء قاعدة عسكرية عليها يجعلها تشكل تهديدات على الأمن القومي اليمني وعلى المنطقة برمتها وتهديد الملاحة الدولية ولعل هذا ما يضاعف من أنشطتها التوسعية لعسكرة المنطقة من خلال تواجدها أيضا على جزيرة سقطرى التي بدأت بعمل استحداثات فيها بعد السيطرة عليها في العام 2018م .
مشاريع مشتركة مع إسرائيل
طموح أبو ظبي لبناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون تأتي في سياق المشاريع المشتركة مع إسرائيل كما تؤكد ذلك مصادر عديدة ويمكن قراءة ذلك في سياق استراتيجية الإمارات للسيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية في شبه الجزيرة العربية ضمن أهدافها الاستراتيجية التوسعية للتحول إلى بوابة رئيسة يتم عبرها ابرام الاتفاقات التجارية ضمن مشروع "الحزام والطريق" الصيني.
كما تولي الصين أهمية لجزيرة سقطرى وميناء عدن لما تمثلهما من نقطة تقاطع بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا وأن معظم التجارة الصينية تمرّ عبر البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز وأن 40% من واردات الصين من النفط والغاز الطبيعي تتم عبر هذه المنطقة ويمكن فهم العناصر المحركة لأبو ظبي للسيطرة على هذه الموانئ والممرات سواء في مضيق هرمز أو باب المندب وخصوصاً أن البضائع التجارية المنقولة بحراً من الصين إلى أوروبا تتم غالباً عبرهما لذلك فإن طموح الإمارات لا يتوقف عند السيطرة على الموانئ البحرية والجزر اليمنية بل بالاندفاع نحو الموانئ الأخرى في منطقة الشرق الأوسط مثل ميناء (درقة) في ليبيا وميناء (جنجن) في الجزائر وقد أنشأت منطقة اقتصادية في (داكار) في السنغال وقامت ببناء ميناء (عصب) الإرتيري وأنشأت فيها قاعدة عسكرية بموجب عقد لمدة 30 عاماً وذلك بعد إعلان انسحابها من الحرب على اليمن ولكنها عمليا لم تنسحب.