قراءة في مذكرات اللواء أحمد إسماعيل أبو حوريه ..شهادتي وشواهدي
ما إن وصلتني نسخة من مذكرات اللواء أحمد إسماعيل أبو حوريه وهي مهداة منه حتى شرعت في قراءة بعضاً منها ولأهميتها وجدت نفسي ملزماً بقراءة الجزء الأكبر منها وبصدد استكمال ما تبقى.
ومنذ الوهلة الأولى وجدت فيها من السرد الملتزم والوصف المنضبط ما يجعلنا أمام شخصية تمتلك من الذكاء والدهاء الكثير لاسيما وقد عاصر المؤلف عدة عهود متعاقبة كان له في كل تلك العهود مساراً واحداً أبدع في ترجمته وتقديمه لنا ولعل ما ساهم في ذلك لمسات أ. د حمود العودي وهو من كبار من جمع بين الثقافة والسياسة في اليمن رغم أنه لم يأخذ حقه في الحضور الذي ينبغي طوال العقود الماضية فالدكتور العودي من الشخصيات المتخصصة في علم الاجتماع ويكاد يكون الأول في هذا العلم على مستوى اليمن وكم كان موفق أبو حوريه عندما أسند الى هذه الشخصية مهمة مراجعة ما جاد به علينا من قصص وحكايا عن رحلة بدأناها مع أبي حوريه منذ سفره الى عدن ومن ثم انضمامه الى الجيش الوطني وحتى الثورة وما تلاها وصولاً الى عهد الحمدي وحتى توقفنا في مرحلة الـ2011م.
وفي البداية نشير الى ان ما جاء في المذكرات إضافة مهمة للمذكرات السياسية للشخصيات اليمنية أو للأصح للذاكرة السياسية اليمنية كون أبو حوريه كان شاهداً على معظم التحولات خلال العقود الماضية وبحكم قربه من صنع القرار فشهادته بالتأكيد لها أهميتها وهنا قررنا أن نتناول بعضاً مما جاء في تلك المذكرات.
ما هو الجديد في هذه المذكرات؟
قرأت معظم أن لم يكن كل ما كتب من مذكرات وكذلك من بحوث واصدارات عن تاريخنا المعاصر غير أن الجديد بالنسبة لي في مذكرات أبي حوريه هو معرفة تفاصيل مهمة تكشف لنا المزيد عن توجهات السلطات في تلك الفترة وإن لم يكن أبو حوريه قد أشار الى ذلك صراحة لكننا نستنتج من بعض التفاصيل وبكل سهولة ذلك إضافة الى أن المؤلف شد أنظارنا الى مراحل بعينها وإن كان قد تناولها بشكل موجز كمرحلة الرئيس الحمدي ومواقفه مع أعيان وضباط سنحان ولعل أبو حوريه بما تحدث به يؤكد معلومات سبق وأن اطلعنا عليها بشأن ما يمكن ان نسميه تحالف ضباط سنحان في الجيش وهذا ما دفع البعض الى تنبيه الحمدي لذلك ولا أقصد هنا التحالف بمعنى الاعداد لمؤامرة بل قد يكون ذلك الارتباط بدافع عصبوي قبلي وهذا لا يقتصر على سنحان فقط بل وعلى مناطق أخرى لكن الملفت أن الكثير من ضباط الجيش في تلك الفترة كانوا من المناطق المحيطة بصنعاء بل ومن سنحان تحديداً وهو ما ساهم في مرحلة لاحقة في توطيد حكم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الذي لم يكن قبل ذلك الا مجرد ضابط كغيره من ضباط سنحان بل إن هناك ضباطا كانوا أكثر حضوراً منه مثل أحمد فرج وكذلك أبو حوريه وغيره لكن على ما يبدو أن العلاقة بين الغشمي وصالح وراء تولي صالح منصب قائد لواء تعز في عهد الحمدي.
قبل ذلك كان أبو حوريه قد تطرق الى تفاصيل حروب المناطق الوسطى وتحديداً في البيضاء وهي الحروب التي لم توثقها الذاكرة اليمنية بشكل جيد ولم يتطرق اليها الكثير من القادة في مذكراتهم كون البعض يظن ان حروب المناطق الوسطى هي تلك التي جرت في عهد صالح رغم ان احداث المناطق الوسطى تعود الى مرحلة الرئيس الارياني وتوقفت في عهد الحمدي ثم عادت مجدداً وبشكل أوسع بعد اغتياله.
احداث 2011م:
لعل ما يميز هذه المذكرات هو تطرقه لأحداث 2011م فقد كان حاضراً وشاهداً ويبدو أن في جعبته المزيد والمزيد لأننا قرأنا ما وراء السطور بشكل جيد فوجدنا أن هذا الرجل يخفي أكثر مما أفصح عنه ولعله كان ملتزماً بتقديم الاحداث بشكل أقرب الى الحياد رغم أننا فهمنا ما كان يقصده من بعض العبارات ومن التطرق الى بعض المواقف بشكل موجز ومختصر.
وقد حاولنا تفهم موقف أبي حوريه في لجوئه الى طريقة معينة في السرد ولعلها نصائح الدكتور العودي في تقديم بعض الاحداث بتلك الطريقة أولاً كونها أحداثا لا تزال طرية على الذاكرة رغم مرور عقد كامل عليها غير أن الكثير من الشخصيات لا تزال حاضرة ويمكن أن تدلي بدلوها ومع ذلك كان بإمكان أبو حوريه أن يقدم المزيد من التفاصيل عن تلك الاحداث كوننا ندرك أن القليل جداً هم من سيتحدثون عن تلك المرحلة وبالتالي سنظل بحاجة الى المزيد من التفاصيل لاسيما تلك التي تأتي من الوسطاء لا من أطراف الصراع.
ويحسب لأبي حوريه أنه أول من فتح الباب أمام توثيق الشهادات بشأن أحداث 2011م وما بعدها من تحولات وما شهدته تلك السنوات من تدخلات خارجية ومن صراعات لاسيما بين صالح كرئيس للمؤتمر ومركز من مراكز النفوذ وبين من صادروا طموحات الجماهير ونصبوا انفسهم كمتحدثين باسم تلك الطموحات للتغيير الى الأفضل وعندما تحضر لغة الصراع والانتقام يغيب الشعب.
ما لم يتحدث به أبو حوريه:
تحدث أبو حوريه وقدم عناوين موجزة من سيرة طويلة ومن حضور مستمر بالقرب من مركز القرار ولعله كان دبلوماسياً أكثر مما تتطلبه المرحلة وكذلك ما يفرضه التاريخ علينا اثناء كتابته لاسيما فيما يتعلق باختيار عناوين محددة وكذلك في تناول بعض التفاصيل
ونعلم أن المكانة القبلية لأبي حوريه وعلاقاته السياسية وحضوره الاجتماعي شكل حجر عثرة أمام ما كان سيدلي به من تفاصيل أوفى ومن معلومات يبدو أنه سيحتفظ بها لنفسه ولن تجد طريقها للتوثيق على الأقل كوننا أمام مرحلة لم تعد ملك أبو حوريه او علي عبدالله صالح او علي محسن أو غيرهما بل ملك الأجيال القادمة ومن الانصاف ان نقدم الحقائق مهما كانت صعبة فقد يأتي جيل قادم يقف طويلاً أمام هذا التاريخ ليس لنبشه واستحضار مساوئه أو اخطائه بل لدراسته بهدف الاستفادة منه حتى لا تقع الأجيال القادمة في كبوات وعوائق جديدة نتيجة جهلها بالتاريخ القريب لها وهي بصدد بناء دولة جديدة بعيداً عن صراعات الماضي.
وتماماً كما نفعل (أو على الأقل ندعي ذلك) اننا عندما نعود الى مرحلة ما بعد الثورة او قبلها او مرحلة الرئيس الحمدي ليس الغرض منه استهداف شخص أو جماعة أو مكون بل قراءة حدث حتى لا يتكرر في ذاكرتنا الوطنية فاغتيال الحمدي على سبيل المثال حدث لم يعد يخص الغشمي أو علي صالح أو صالح الهديان بقدر ما أصبح يخص الشعب بأكمله بل بأجياله المتعاقبة لأننا لا نريد أن يأتي حمدي آخر فيقع ضحية مؤامرة أقرب الناس اليه فتكون تلك المؤامرة بنتائجها المؤلمة لا تقتصر على شخص الحمدي ومن استشهدوا معه بل تمتد الى الأجيال بأكملها ولعلنا اليوم لا زلنا نشهد تلك التداعيات وتلك النتائج المعبرة.
قفزة غير مبررة:
لقد كان أبو حوريه منصفاً عندما تحدث عن مرحلة الحمدي لكنه قفز على التاريخ عندما لم يتوقف عند أحداث الانقلاب الدموي البشع والمروع في الحادي عشر من أكتوبر 1977م ولعله بذلك يؤكد حرصه على عدم التطرق الى الاحداث التي قد يؤدي تناولها للمزيد من الجدل حولها ولهذا نجد معظم من شهدوا الاحداث المؤلمة والصعبة يحاولون التهرب من التوقف عندها خشية أن يساء فهمهم أو حرصاً على مكانتهم لدى بعض الأطراف أو حتى لا يثيروا غضب أحد رغم مرور ما يقارب نصف قرن عليها. . ومع ذلك يمكن أن يكون أبو حوريه بعيداً عما جرى من انقلاب دموي على سلطة الحمدي ولهذا لم يكن بوسعه أن يقول سمعت وسمعت أو قالوا وقالوا وبالتالي تجاوز تلك المحطة رغم أنه تحدث بمرارة عن الرئيس الحمدي وانتهاء عهده وفي الحقيقة أننا نحاول هنا ان نجد المبرر اللازم لصاحب المذكرات كوننا لمسنا فيها الكثير من المصداقية رغم أنه كان بوسعه أن يصف أحداث يوم مقتل الحمدي من موقعه حتى لو كان وقتها مواطناً عادياً كون الحدث أعظم من أن يتم تجاهله في مذكرات شخصية كشخصية أبي حوريه وهو الحاضر في كل المحطات والتحولات خلال العقود الماضية.
هذه مجرد تساؤلات لأن ذاكرة أبو حوريه لم تعد ملك نفسه بل ملك وطن وشعب وأجيال سوف تقف طويلاً أمام ما جرى وسوف تتهيأ لها الفرصة الكاملة في بناء دولة يستحقها اليمن بمكانته التاريخية كوننا نعيش بحسب اعتقادي مقدمات ذلك التحول المنشود وحتماً سيأتي اليوم الذي يقف اليمن على قدميه متجاوزاً كل العثرات وكل الأخطاء وكل ما جرى من أحداث مؤلمة ومؤامرات وصراعات وأحقاد.
الملكي الجمهوري :
عموماً المذكرات فيها الكثير من المعلومات التي تهم الباحث بشكل خاص وكل مهتم بالتاريخ المعاصر وكنت سعيداً وانا أقلب صفحات الكتاب صفحة صفحة كوني اعتبر نفسي من أولئك المهتمين بكل ما يكتب عن صفحات تاريخنا المعاصر لاسيما تلك المراحل التي لم يسبق أن تم الحديث عنها من أشخاص عاصروها وشهدوا احداثها بل شاركوا في صناعتها وهنا اشير الى مرحلة الحرب الملكية الجمهورية فأبو حوريه لم يتحرج عند الحديث عن موقفه في الانتقال الى الصف الملكي وقدم لنا معلومات مهمة ثم عاد الى الصف الجمهوري وخلال العقود الماضية كان الكثير من القادة والشخصيات يتهرب من التطرق الى تلك المرحلة رغم انها أصبحت جزءاً من التاريخ وليس مما يستدعي الحرج أن نقول فلان كان ملكياً أو فلان كان جمهورياً لأننا أمام أحداث ينبغي الا نعكسها على واقعنا الحاضر عدا استحضارها من أجل قراءة التاريخ والاستفادة منه لا من اجل استدعاء خصومات أو تفجير عداوات.
ولعل ما لفت نظري هو الكيفية التي قدم بها أبو حوريه المبررات اللازمة لتغيير موقفه من الجمهوري الى الملكي وكان شجاعاً في الحديث عما جرى من أخطاء واعتداءات في صنعاء وما حولها وهذه تطرق لها غيره ممن كتبوا بإنصاف عن تلك المرحلة فقد جذب الكتاب القارئ مقدماً شخصية المؤلف وهو بطل القصة المروية دون أي إرباك اثناء تحوله من الصف الجمهوري الى الملكي أو حتى عندما عاد مجدداً الى الصف الجمهوري.. ولكل من يريد التعرف أكثر على الأعراف القبلية ومستوى حضور الحل القبلي في يوميات القبائل اليمنية يمكنه أن يطلع على الكتاب الذي أفرد فيه المؤلف مساحة كافية للتطرق الى مساهماته المتعلقة بحل القضايا بين القبائل ولعل الكتاب تميز بهذا ايضاً الى جانب ما سبق.
وفي الأخير المذكرات مهمة وسيكون لها أهمية أكثر خلال الفترة القادمة وكانت موجزة ومختصرة وهذا قد يكون ايجابياً للقارئ الذي يريد أن يطلع على التاريخ بعناوينه لكن قد يكون ذلك سلبياً بالنسبة لمن يبحث عن المزيد من التفاصيل وأياً يكن فقد تعرفنا على معلومات جديدة وشهدنا أحداثاً من خلال السردية الرائعة والوصف الموجز تماماً كما شهدها المؤلف وهذا يحسب لمن ساهم في الصياغة والمراجعة كون عرض الأحداث وطريقة تقديمها ملفتة وجذابة بل ومشوقة في الكثير من صفحاتها.