
220 عاماً.. من التدخلات السعودية في الشؤون اليمنية (2)
مع أواخر الخمسينيات مارست السعودية ضغوطاً سياسية على صنعاء لإنهاء ارتباطها وعلاقاتها مع مصر بالرغم ان الرياض وقعت على ميثاق جدة والذي تمخض عنه تحالف مصري- يمني
لذلك ندرك أن السعودية لا يهمها نوع وشكل النظام السياسي في صنعاء بقدر ا أن يكون تحت وصايتها وهيمنتها وهذا ما كشفت عنه احداث ثورة 26سبتمبر 1962م وما تلاها من تدخلات مستمرة الى وقتنا الحاضر ممثلا بعدوان 26مارس 2015م..
عقد في 21 ابريل 1956م بين مصر واليمن والسعودية لاسيما بعد أن زادت قناعة الإمام احمد بالتقرب سياسيا من مصر فالإمام كان ينظر بقلق شديد الى السياسة البريطانية التي كانت تسعى لإقامة اتحاد محميات الجنوب اليمني المحتل فجعل الإمام يستغل فرصة التعاون مع الرئيس عبدالناصر من اجل الحصول على الدعم العسكري والسياسي .ومن جهة اخرى لتخفيف شدة المعارضة اليمنية- الاحرار- ضد حكمه والتي اتخذت من مصر واذاعة صوت العرب منبرا إعلاميا تهاجم نظام حكم الإمام احمد.
وقد اسفرت المحادثات عن عقد اتفاقية ثلاثية للدفاع المشترك والتي ساهمت بتوسيع العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الدول الثلاث وقد تكونت اتفاقية جدة من 12 مادة واهمها عزم الدول الثلاث على فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية و أي اعتداء على أية دولة منها يعد اعتداء على الدول الثلاث وعملا بحق الدفاع الشرعي تستخدم القوة المسلحة لرد الاعتداء وإنشاء مجلس أعلى من وزراء الخارجية والحربية يعين اختصاصات القيادة المشتركة وأعلن في القاهرة تعيين عبدالحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة العربية بموجب الاتفاق الثلاثي- ومن المأساة وسخرية القدر التي حلت باليمن من هذه الاتفاقية أن كلاً من السعودية ومصر اعتبرتا ان ميثاق جدة كان السند الشرعي الذي بموجبه تدخلت السعودية ومصر بعد ثورة 26سبتمبر 1962م وكل طرف ساند طرفا يمنيا لتتحول اليمن الى ميدان حرب اهلية لثماني سنوات- وقد ساهمت الحكومة المصرية في تسهيل حصول اليمن على قرض مالي قدره 10 ملايين دولار من السعودية لغرض شراء الأسلحة العسكرية من الاتحاد السوفيتي.
التدخل السعودي
ومع اعلان الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958م باسم الجمهورية العربية المتحدة واتفقا ان يكون لها رئيس واحد وتشريع واحد وتمثيل دبلوماسي واحد
وجاء في نص البيان المعلن باسم الوحدة إن الباب مفتوح للدول العربية التي ترغب في الانضمام إليها وكان أول من استجاب لذلك الإمام أحمد فقد ابرق الى الرئيس عبدالناصر الذي كان في اجتماع مع الرئيس السوري شكري القوتلي لإتمام مراسيم الوحدة بين البلدين وجاء في البرقية (بالله لا تنفضوا قبل ان تضمونا إليكم) كما بعث ابنه الأمير محمد البدر إلى القاهرة وقد صرح عقب بقوله (إن الإمام احمد يبارك وحدة مصر وسوريا ويرى فيها وحدة لكل العرب وأن هذه الخطوة ستعقبها خطوة مباركة أخرى) ودارت محادثات بين الجانبين المصري واليمني وانتهت في 8 ابريل 1985م بإعلان اتحاد مصر واليمن وسمي اتحاد الدول العربية ووقع ميثاق الاتحاد الرئيس عبدالناصر عن مصر والأمير محمد البدر عن اليمن وبذلك شهدت العلاقات اليمنية المصرية تطورا وتوافقاً في رفض مشروع الرئيس الأمريكي ايزنهاور وأصبحت اليمن حليفة مصر في مواجهتها للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية ونتيجة لذلك زار المبعوث الأمريكي ريتشارد اليمن في 15 نيسان 1956م والتقى بالإمام احمد من أجل ربط اليمن وإدخالها في المشروع الأمريكي إلا إن الإمام احمد رفض ذلك التوجه وأصر على محالفة الرئيس عبدالناصر.. ورغم ذلك لم يكن الاتحاد أكثر من اتحاد شكلي غير فعال لتداخل الظروف الداخلية والخارجية وفيما يخص اليمن فقد سعت السعودية بإيعاز من امريكا وبريطانيا بشتى الوسائل للضغط على الإمام احمد لمنعه من التعاون مع الرئيس عبدالناصر.
تجارة الرقيق
دونت بعض التقارير الدبلوماسية الالمانية المهمة والخطيرة والتي كتبت في الفترة الممتدة من عاد 1960- 1962م ما كان يحدث حينها في شمال اليمن من جرائم خطف وقرصنة ضد السكان ذكورا واناثا مستغلين الاضطرابات الداخلية فقد تحدثت عن وجود عصابات يقومون بعمليات خطف وقرصنة وسلب ونهب واحتيال وعنف وتحت تهديد قوة السلاح ومن كان يقع في ايديهم يتم بيعه عبدا على تجار الرقيق من السعودية والتي لم تكن حتى ذلك التاريخ قد حرمت تلك التجارة غير الأخلاقية..
ويحتفظ الأرشيف الألماني على بعض الوثائق التي سجلت مواقف إنسانية ورجولية نادرة الحدوث قام بها رجل أعمال يمني من ابناء الحجرية التابعة لمحافظة تعز كان متواجدا حينها في السعودية وهو الشيخ سعيد علي الأصبحي الذي دفع مبلغ 26 ألف ريال سعودي من ماله الخاص من أجل تحرير فتاتين يمنيتين حرتين من الرق كانا قد تم خطفهما من اليمن وبيعهما على تجار الرقيق في السعودية.. واوردت تلك الوثائق قصة مأساوية لشاب يمني من اسرة عريقة وقع في ايدي عصابات يمنية سعودية ولم يتحرر من قبضتهم الا عندما هرب ولجأ الى بيت الجالية اليمنية في السعودية لتتدخل البعثة الدبلوماسية اليمنية في جدة والخارجية اليمنية في تعز في تلك القضية والتي لم تحل إلا بعد أن وصلت إلى أيدى كبار الأمراء السعوديين وللعلم ان السعودية لم تمنع تجارة الرقيق الا عام1963م- ويعتبر انهاء تجارة الرقيق في السعودية من حسنات ثورة 26سبتمبر على الشعب السعودي - بالرغم أن ذلك المنع نظريا فقط لأن تلك الاعمال لا تزال تمارس بصور مختلفة حتى يومنا هذا وخاصة ضد النساء والاطفال.
ثورة 26سبتمبر
سارعت السعودية منذ اليوم الأول للثورة اليمنية 26سبتمبر 1962م لمساندة القوات الملكية لاستعادة السلطة وتخوفت الرياض من تطور وضع اليمن من خلال قيام النظام الجمهوري وتحول اليمن إلى قوة مؤثرة في شبه الجزيرة العربية ولاسيما إذا اس تطاعت ثورة 26سبتمبر في شمال اليمن دعم الثوار في جنوب اليمن لطرد الاستعمار الإنجليزي ومن ثم تحقيق وحدة اليمن بدولة واحدة الأمر الذي سيجعل اليمن اكبر قوة سياسيا وعسكريا واقتصاديا في الجزيرة العربية وندا قويا للرياض، وبالرغم انه وجدت من اوساط الأسرة الحاكمة في الرياض معارضة لسياستها في التدخل بالشؤون اليمنية فقد وقع عدد من أعضاء مجلس الوزراء السعودي على مذكرة يطالبون فيها الاعتراف بالثورة اليمنية وأعلنوا رفضهم دعم القوات الملكية وإعادة الإمامة إلى اليمن وفي الوقت نفسه انقسمت الأسرة السعودية الحاكمة فالأمير طلال بن عبدالعزيز وقف موقفا معارضا للسياسة التي تبناها الملك سعود تجاه اليمن وتم فصله من مركزه في مجلس الوزراء وانضم إليه ثلاثة من الأمراء السعوديين وشكلوا لجنة في مصر سموها (لجنة الأمراء الأحرار) والتي طالبت بتغييرات جوهرية في النظام السياسي السعودي.
وعسكريا ازدادت المعارضة داخل المؤسسة العسكرية السعودية وشعورهم بقوميتهم العربية واستنكارا لما تقوم به حكومتهم من محاولة لضرب الثورة اليمنية حيث هبطت طائرات حربية سعودية في القاهرة رافضه ضرب معاقل الثوار اليمنيين.
التيارات العميلة
وحينما فشلت السعودية عسكريا في مواجهه ثورة الـ26سبتمبر1962م بل أن الأمر تعدى إلى تعرض مدن سعودية لضرب الطيران المصري المساند لثورة اليمن مما جعل مصالح امريكا بالسعودية تحت دائرة الخطر مما دفع واشنطن لوقف القتال والقبول بمبادرة فك الاشتباك 1963م بعد أن اعترفت بالجمهوري فلم تكتفى الرياض بدعم الملكيين عسكريا بل اتجهت إلى تعزيز نفوذها في اليمن حيث تعزز نفوذ النظام السعودي في اليمن بشكل غير مسبوق من خلال خلق أذرعة ثلاثة التيار القبلي الذي ظلل يمثل الذراع الطولى للنفوذ السعودي في اليمن طوال أربعة عقود حتى عام 2014م.. اما التيار العسكري بقيادة كبار الضباط في الجيش اليمني وثالث تلك الأذرعة التيار الديني وقد جمع هذا التيار بالنظام السعودي أهداف مشتركة تمثلت بما يسمى محاربة الشيوعية والنظام التقدمي في الجنوب ونشر الفكر الوهابي في اليمن الشمالي.
استطاعت الرياض أن تجند الثلاثة التيارات في تصفية القوى الثورية الوطنية الجمهورية وسحق أي محاولة تهدف لإخراج اليمن من عباءة النفوذ والوصاية السعودية وقد مثل مؤتمر الطائف سنة 1965م اكبر اختراق سعودي للجمهورية والثورة اليمنية حينما طالب المجتمعون قيام نظام دولة اسلامية يمنية بدلا من النظام الجمهورية.
ميثاق السلام
ظهر ميثاق السلام عام 1965م كمشروع لإقامة دولة إسلامية في اليمن بدلا من النظام الجمهوري وكان هذا المشروع أحد جوانب التدخل ضد جمهورية وثورة 26سبتمبر 1962م، وفي 12 أغسطس 1965م أصدر المجتمعون في الطائف بيانا أسموه (ميثاق السلام) وطالب هذا الميثاق بإقامة دولة إسلامية في اليمن بدلا من النظام الجمهورية حيث نص ذلك الميثاق على إقامة دولة في اليمن تحت اسم (الدولة الإسلامية اليمنية).
وفي 15 أغسطس 1965م اعلنت الجمهورية العربية اليمنية إدانتها لمؤتمر الطائف واعتبرت أن من يسمون انفسهم بالجمهوريين المنشقين كشفوا عن هويتهم تماما بلقائهم مع الأسرة المالكة.. كما اعتبرت ان عقد المؤتمر في السعودية بمثابة استمرار للعدوان ضد ثورة 26سبتمبر وتدخلا في شؤون اليمن الداخلية.!