ما بعـد الاستقــلال : عدن.. تحديات داخلية ومؤامرات خارجية (2)
كان من أخطر التحديات الداخلية والمؤامرات الخارجية التي واجهت جنوب الوطن منذ الاشهر الأولي للاستقلال الصراع بين القيادة العامة للجبهة القومية
والذي قاد الى تمردات وانتفاضات مسلحة في حين شكلت معارك الحدود و الاطماع السعودية في حضرموت والمهرة وشبوة عبر مرتزقتها اهم الأخطار والمؤامرات الخارجية التي واجهت حكومة عدن عقب الاستقلال.
علي الشراعي
حركة 14 مايو
بعد أحداث وتمرد 20 مارس 1968م على حكومة عدن وما ترتب عليها أعلن بعض كوادر الجبهة القومية في حضرموت قطع العلاقات بين المكلا وعدن مؤكدين أن الإمبريالية الأمريكية استلمت السلطة في عدن فالملحق العسكري الأمريكي (دييل بيري) كان يدعم الجيش بأحداث مارس وذلك لتحويل عدن إلى حليف للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل تشتت العناصر القيادية اليسارية للجبهة القومية بعد تمرد وأحداث مارس أعلن في 14 مايو 1968م بعض أعضاء القيادة العامة للجبهة القومية عن قيامهم بانتفاضة مسلحة ضد حكومة قحطان الشعبي لكن خطط الانتفاضة المسلحة لم يتحقق منها إلا القليل فقد استولت جماعات مسلحة على جعار وأبين القريبة من عدن ودعمت حضرموت هذا التحرك ولكن الانتفاضة المسلحة المقررة في عدن لم تدخل حيز التنفيذ فالجيش بقى متماسكا . ففي أوائل يونيو شنت حكومة عدن هجوما مضادا واستعادت سيطرتها على تلك المناطق وقتلت العديد من كوادر الجبهة القومية فيما فر البعض إلى اليمن الشمالي .
معارك حضرموت
بدأت منذ اليوم الأول للاستقلال حوادث الاحتكاك على الأطراف الحدودية وعلى وجه الخصوص مع السعودية وازداد الأمر تعقيدا بسبب عدم اعتراف السعودية بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية نتج عن ذلك توتر في العلاقات السياسية والعسكرية فقد شهدت المناطق الحدودية وخاصة في شمال شرق حضرموت وشبوة أكثر من معركة عسكرية بين القوات السعودية والقوات اليمنية الجنوبية ولعل أشهرها معارك الوديعة خلال عامي 1969- 1970م والتي انتهت باحتلال السعودية على منطقة الوديعة اليمنية بحضرموت ولم تكتف بذلك بل توغلت نحو الاطراف الشمالية والشرقية لليمن الجنوبي
وبدعم من السعودية توغل للجماعات المعارضة للسلطة في عدن إلى بعض مدن وقرى محافظتي حضرموت و شبوة والقيام ببعض الأعمال العسكرية واستمر التوتر الحدودي والسياسي بين الدولتين حتى نجاح الوساطة الكويتية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين وإعلان اعتراف كل طرف بالأخر وذلك في مايو 1976م وفي منتصف سنة 1977م قام الرئيس سالم ربيع علي بزيارة رسمية للسعودية - ورغم ذلك ظلت السعودية تتدخل بشؤون اليمن وخاصة بمحافظتي حضرموت وشبوة ويرجع ذلك التدخل كاستراتيجية توسعية انتهجتها الرياض لتحقيق اطماعها واهدافها التوسعية وما يؤكد صحة تلك الاستراتيجية واستمرارها عدوان 2015م - .
السعودية و المرتزقة
مع سيطرة الجبهة القومية على جنوب اليمن قبل الاستقلال وفرار أمراء وسلاطين ما يسمى اتحاد الجنوب العربي بصيف 1967م إلى السعودية . حوكم بعضهم غيابيا وصدرت عليهم احكام بالإعدام بتهمة الخيانة لكن هؤلاء وجدوا دعما من قبل السعودية .
فقد خلق الموقف العدائي السعودي لجمهورية اليمن الشعبية الجنوبية صعوبات كبيرة حيث وجد السلاطين والمشائخ الفارين وكذلك قادة اتحاد الجنوب العربي مكانا لهم في أراضي السعودية . وكما شاركت السعودية في التحضير والاعداد التمرد للقوى اليمينية المناوئة لحكومة عدن في 20 مارس 1968م .
كذلك من على أراضي السعودية نهضت ضد حكومة عدن سلاطين جنوب اليمن فاستغلت امريكا والسعودية الحالة المضطربة والمعقدة لحالة عدن بعد الاستقلال فقذفت بالمرتزقة إلى جنوب اليمن مما خلق ردة فعل فدعم اليساريون بالجبهة القومية الرئيس قحطان الشعبي تحدوهم الرغبة لعدم انجرافه نهائيا الى التعاون الوثيق مع السعودية وامريكا وكذلك دعمت السعودية وشجعت الإنتفاضات المناوئة لحكومة عدن خلال الاشهر مايو - اغسطس 1968م .
اتفاق المبادئ
لقد تعقدت المشاكل الحدودية بين ما كان يعرف بجنوب اليمن وسلطنة عُمان لأسباب بعضها سياسية والبعض حدودية ومن أجل تعقيد الوضع الدولي لجمهورية اليمن الجنوبية نزعت إنجلترا من جسم الجنوب اليمني قبيل الاستقلال جزيرة كوريا موريا وسلمتها لسلطات مسقط فقد قررت الحكومة البريطانية وقبل الجلاء من عدن في نوفمبر نزع جزيرة كوريا موريا اليمن الجنوبي وضمها إلى سلطة مسقط وقد تم الإجراء في 15 نوفمبر 1967م وكان موضوع جزيرة كوريا موريا موضع خلاف شديد في مفاوضات الاستقلال بين الجبهة القومية والحكومة البريطانية التي جرت في جنيف 21 نوفمبر 1967م..
وبعد الاستقلال قدمت حكومة عدن كل الدعم لجبهة تحرير ظفار والتي سميت لاحقا بالجبهة الشعبية لتحرير عمان وأصبحت كل من المكلا والمهرة مراكز عسكرية لتدريب انصار الجبهة الشعبية لتحرير عمان ودعا البعض في قيادة الجبهة القومية إلى وحدة الثورة في الجنوب وعُمان كل ذلك قاد إلى حدوث صدام ومعارك عسكرية بين الجانبين بسبب الدعم الذي تقدمه عدن للمعارضين للسلطنة ودخول بعض القوات الجنوبية إلى أرض السلطنة تحت اسم عناصر الجبهة الشعبية وزاد الأمر تعقيدا الصراع الأمريكي - الروسي في المنطقة فالأول من خلال قوات شاه إيران الموجودة في عُمان والثاني من خلال الخبراء الروس والأسلحة المقدمة لحكومة عدن . ولكن لم يستمر التوتر طويلا وخاصة بعد وصول السلطان قابوس إلى السلطة في عُمان وإجراءاته الإصلاحية التي أدت إلى كسب عدد كبير من العناصر المعارضة وفي عدن وبوساطة كويتية تم التوصل إلى اتفاق مع سلطنة عُمان عرف باتفاق المبادئ وذلك سنة 1982م وبعد ذلك تم الاعتراف المتبادل بين الطرفين وجرت مفاوضات وزيارات على مستوى عال .
للتاريخ .... !
أمام ضربات الجبهة القومية واشتعال المقاومة المسلحة في جنوب اليمن بعد ثورة 14 اكتوبر 1963م وخلال مسيرة التحرر والاستقلال أجبر المحتل البريطاني على سحب جيوشه من أغلب مناطق ومدن جنوب اليمن في بداية عام 1967م فحكم بالموت الأكيد على أنظمة الأمراء والسلاطين الموالين له فقد تخلى عنهم اصدقاؤهم الإنجليز ! كما تخلت عنهم قبائلهم وهكذا سقطت اماراتهم وسلطناتهم كأوراق الخريف بلا قتال أو مواجهة وفروا إلى خارج البلاد ليمارسوا بقيه ادوارهم بالخيانة والعمالة بين أمل العودة و ممارسة الخيانة .
فهل يتعظ كل عميل وخائن لبلده وشعبه و يقرأوا التاريخ وأحداثه ليعرف ما هو مصير كل خائن وعميل؟! فالخيانة أياً كان نوعها وصمة عار لمن إرتضى بها ؟!