البحر الأحمر.. بؤرة صراع ومطامع قوى متعددة (1)
علي الشراعي
نظرا لأهمية البحر الأحمر الاستراتيجية سعت الدول وخاصة الكبرى منها وعلى مر العصور وإلى اليوم من أجل إيجاد موطئ قدم لها فيه وفيما حوله ونشطت تلك الدول وتنوعت وسائلها في تحقيق ذلك
منها اقامة قواعد عسكرية، فالدول في صراعها تسعى للسيطرة على منافذ البحر الأحمر لأسباب اقتصادية محضة وذلك لقرب البحر الأحمر وجزره من منطقة الخليج العربي الذي يضخ للعالم الغربي ما نسبته 60% من احتياجاتها النفطية.
وسائل متعددة
تجلت مساعي الدول الاستعمارية للتمدد من خلال تواجدها في البحار والمحيطات العالمية ومن البحار الهامة من وجهة نظر الدول الكبرى البحر الأحمر وما فيه من جزر ولذلك سعت وتسعى تلك الدول للتواجد فيه خاصة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين ولكل منها اسبابها الخاصة وتستخدم الدول في سبيل الوصول الى تحقيق اهدافها ادوات مختلفة منها العسكرية والاستخباراتية وتتضمن الاداة العسكرية اقامة قواعد عسكرية بينما تتضمن الاداة الاستخبارية عمليات سرية الطابع كالاغتيالات والتوريط وتهريب الاسلحة والمخدرات ودعم نشاطات فصائل مسلحة ...الخ. ومن الوسائل المستخدمة لتحقيق الدول الكبرى اهدافها بما فيها اهدافها في البحر الأحمر الوسائل الدبلوماسية- تعميق العلاقات بين حكومات الدول الكبرى ودول المنطقة العربية خاصة الواقعة على البحر الأحمر وقد اكد الرئيس الأمريكي السابق (باراك اوباما) على ضرورة توثيق علاقات بلاده مع اليمن لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وتسعى الدول الكبرى للتدخل في شؤون العالم بوسائل خفية على الأغلب كي لا تتحمل الاعباء القانونية والاخلاقية جراء تصرفاتها وذلك من خلال اجهزة الأمن السرية, وتعتبر امريكا ان نظام المخابرات يعتبر العمود الفقري لأية دولة في مجري حياتها وبقائها وديمومة وجودها، وفي حال كان الأمن القومي العربي ضعيفا- وهو كذلك- يكون من السهل اختراق المنطقة والسيطرة على البلاد والعباد والبحار والجزر, ونظرا لكثرة الحروب في محيط البحر الأحمر قديما وحديثا رأت الدول المصنعة للسلاح فرصا لتسويق منتوجها العسكري, حيث اشار التقرير السنوي للمعهد الدولي لأبحاث السلام والذي نشر في شهر يونيو 2000م إلى اندلاع 27 نزاعاً مسلحاً في 25 دولة حول العالم خلال عام 1999م كان أكثرها دموية في القرن الأفريقي بينما بلغت صفقات بيع الاسلحة 780مليار دولار امريكي وفي هذا السياق تحركت الدول الكبرى في البحر الأحمر وعلى رأسهم أمريكا.
الغطاء الأممي
أن الأطماع الدولية في البحر الأحمر وجزره خاصة من طرف الدول الكبرى يؤدي إلى قيام تلك الدول بالزج بقطعها العسكرية في المنطقة عموما وفي البحر الأحمر خصوصا مما يؤثر سلبا على الأمن العسكري للدول المحيطة بالبحر الأحمر والقريبة منه وتتركز الدول الكبرى على جزر البحر الأحمر او حولها للسيطرة على منافذه كباب المندب وقناة السويس وخليجي العقبة والسويس، فتلك الدول توجد لها قواعد عسكرية في جيبوتي ذات مهام عسكرية واستخباراتية مما يحجم من قدرة دول البحر الأحمر على الحركة لو أرادت، كما أن جزر البحر الأحمر تؤثر عسكريا على دوله من حيث تدخل تلك الدول عسكريا في حال حاولت دول البحر الأحمر التحكم في جزره أو منافذه، ولقد جاءت قرارات الأمم المتحدة والصادرة عن مجلس الأمن عام 2008م لتؤكد على ضرورة التعاون العسكري الدولي من اجل مكافحة ما اسمته بالإرهاب في السواحل الصومالية مما ادى إلى تواجد كبير للقطعات البحرية العسكرية للدول الكبرى عند مدخل البحر الأحمر وبالقرب من جزره ويجيز القرار رقم 1851 ملاحقة القراصنة داخل الاراضي الصومالية، وبذلك وجدت تلك الاساطيل والقطع البحرية بشرعنة وغطاء ومظلة أممية لتحقيق اطماع تلك الدول مما يزيد من بؤرة التنافس والصراع فيما بينهما ومن تلك الدول:
أمريكا
يحتوى البحر الأحمر على أهم الممرات العالمية ولهذا كانت ومازالت محاولة السيطرة عليها على رأس اجندة الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ونظرا لأهمية الممرات المائية العسكرية والأمنية والاقتصادية سعت امريكا كغيرها للاستحواذ عليها من اجل استبعاد القوى المناوئة والمنافسة، وتسعى لتأمين وجود كبير لها في البحر الأحمر وما حوله وتصنف البحرية الأمريكية ببحرية المياه الزرقاء اي امتلاكها القدرة الهائلة على الملاحة في المحيطات العالمية الكبرى كالهادي والاطلسي والهندي ويعد البحر الأحمر حلقة هامة لانسياب قوات البحرية الامريكية على المستوى العالمي, ومع انتصار امريكا على اليابان- ملكة المحيط الهادي أبان الحرب العالمية الثانية- اعتنقت ومنذ عهد الرئيس ثيودور روزفلت مبدأ السيطرة على البحار وبضرورة تقدم امريكا نحو محيطات وبحار العالم ومضائقها وجزرها اسوة ببريطانيا التي امتلكت العالم بامتلاكها الاساطيل البحرية اصبح يملكها الرغبة في ملء فراغ القوة نتيجة خروج بريطانيا من المنطقة العربية وللوقوف في وجهة الاتحاد السوفيتي آنذاك ليتصادم القطبان فكانت الحرب الكورية التي انتهت عام 1953م وغزو امريكا لفيتنام التي انتهت في 1974م وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م شواهد على الصراع الأمريكي السوفيتي، وللولايات المتحدة تواجد عسكري في قاعدة ليمونييه العسكرية في جيبوتي تتمركز فيها قوات امريكية لها طبيعة استخباراتية اكثر منها قتالية وقد تأسست عام 2002م بعدد لا يتجاوز 900 جندي ليرتفع بعد سنوات عدد جنودها ليصل إلى 4 آلاف جندي وترى امريكا ان موقع جيبوتي الاستراتيجي والملاصق لمضيق باب المندب اضافة إلى توافر البنية التحتية المناسبة لعملياتها يجعلان منها مكانا مناسبا لتواجد قوات عسكرية امريكية تعمل انطلاقا من قاعدة عسكرية.
وفيما يخص اليمن ومن أجل محاولة تثبيت نفوذها في المنطقة قامت امريكا منذ مطلع القرن الواحد والعشرين بتقديم المساعدات المالية لليمن، والعلاقات الامريكية- اليمنية فيما يتعلق بمكافحة الارهاب هي علاقات غير معلنة على الأغلب على شكل برامج مساعدات تحدده اتفاقيات امريكية يمنية غير رسمية حيث قامت بتدريب قوات السواحل اليمنية في مجالات مكافحة الإرهاب واستمرت تلك العلاقات إلى عام 2014م.
فرنسا
للبحر الاحمر اهمية خاصة لفرنسا فقديما كان مضيق باب المندب طريق فرنسا لمستعمراتها في الهند الفرنسية والتي استحوذت عليها في عهد نابليون الثالث بتوليه العرش عام 1848م ومما زاد من اهمية البحر الأحمر لفرنسا حفر قناة السويس عام 1869م، ولفرنسا هدف يتمثل في محاولة الاستفراد بالقارة الافريقية وبالتالي اقصاء نفوذ الدول الكبرى الأخرى كأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الحالية وتقوم فرنسا بتوظيف ادوات عديدة للسيطرة على القارة الافريقية ومنها الدول المطلة على البحر الأحمر وخاصة على سواحله الغربية الواقعة في قارة افريقيا ولها تواجد كبير داخل القارة الافريقية لا يوازي نفوذها هناك بما في ذلك نفوذ امريكا وتعتبر فرنسا ان افريقيا هي القارة الوحيدة في العالم التي تستطيع فرنسا تغيير مجرى التاريخ فيها وبمد نفوذها في افريقيا ضمنت فرنسا وجودا في البحر الاحمر خاصة في قاعدتها العسكرية الفرنسية في جيبوتي والتي آلت اليها بعد استقلال جيبوتي عنها عام 1977م، مع المحافظة على علاقات امنية وطيدة معها حيث بلغ عدد القوات الفرنسية في جيبوتي عام 2003م ما يقارب 3400 جندي وتقوم هذه القوات بتوفير الضمانة لاستقرار الأمن في جيبوتي.
صراع قوى
إن إحساس فرنسا بالريبة تجاه كل من امريكا وبريطانيا على الرغم من وجودهما في نفس الحلف خلال الحرب العالمية الثانية وفي حلف الناتو بعد ذلك إلا أن فرنسا تعتقد ان هناك محاولات تبذلها واشنطن ولندن للحد من نفوذ باريس ولو معنويا وللتأثير على مكانتها التي تعتقد فرنسا انها اكتسبتها عبر التاريخ خاصة مع امتلاكها السلاح النووي وللدلالة على العلاقة التنافسية بين واشنطن وباريس معرفة امريكا بنوايا فرنسا الاستعمارية القديمة والحديثة لهذا عملت امريكا خلال الحرب العالمية الثانية للحد من طموح فرنسا الاستعماري في الهند الصينية بمنتصف القرن العشرين وكانت امريكا ترى ان فرنسا قامت بحلب الهند الصينية لفترة مائة عام، وفي عام 2002م تعرضت لمبورغ وهي ناقلة نفط ترفع العلم الفرنسي لهجوم بالقرب من باب المندب مما ادى إلى زيادة الاهتمام الفرنسي بمضيق باب المندب وبحماية طرق شاحنات النفط المتجهة من الخليج العربي عبر مضائق هرمز وباب المندب وقناة السويس وتعد قاعدة فرنسا في جيبوتي هي الأكبر بين قواعد فرنسا الافريقية ولأحكام السيطرة الفرنسية على طرق شاحناتها النفطية كان لابد لها من التواجد بالقرب من مضيق هرمز ولذا سعت فرنسا لفرض سيطرتها على السواحل الشرقية للبحر الأحمر للحفاظ على مكانتها كلاعب عالمي في المجالات العسكرية والسياسية وللاستحواذ على الموارد الاولية- النفط- ولهذا قررت فرنسا ليس الدخول لساحة الشرق الاوسط وانما اعادة ترتيب وجودها هناك وخاصة في دول البحر الأحمر والى ابعد من ذلك لتصل الى الدول الخليجية المطلة على الخليج العربي المقابل لإيران فأقامت فرنسا علاقات امنية وعسكرية واقتصادية وطيدة مع العديد من دول الخليج العربي ومنها الامارات وادت العلاقات بين باريس وابو ظبي الى عقد اتفاقية تقيم بموجبها فرنسا قاعدة عسكرية بحرية فوق الاراضي الامارتية وتحديدا مقابل مضيق هرمز الممر العالمي الهام لضمان استمرار انسياب النفط من مواني الخليج العربي الى الدول الغربية، ومن خلال تواجد فرنسا في الامارات تحاول السيطرة على طرق النفط كما ان من اهداف فرنسا تسويق تقنيتها النووية للمنطقة وبموجب اتفاق دفاع مشترك وقع بين فرنسا والامارات عام 2008م ستقوم فرنسا بموجبه بتوفير الحماية العسكرية لأبوظبي وبذلك تدخل منافسا قويا لواشنطن في اهم منطقة حيوية لأمريكا . لكن مع تغيير الخارطة السياسية في اليمن وشن العدوان عليها في مارس 2015م أزيحت فرنسا ولو مؤقتا لتبقي يد أمريكا الطولي هي المسيطرة على مجريات الأحداث.