اليمن.. بين تعدد الغزاة وخطر التقسيم!
علي الشراعي
تعرض اليمن منذ التاريخ القديم لتدخلات خارجية نتيجة لتطلع القوى الاستعمارية الكبرى من جهة والدول التي تسير في ركابها من جهة أخرى للسيطرة على اليمن
مما عرض وحدته أرضا وإنسانا إلى التمزق واضعاف الدولة المركزية الموحدة ومنذ الغزو الروماني سنة 24 قبل الميلاد إلى عدوان اليوم 2015م استغل الغزاة حالة الضعف والفوضى والتفكك السياسي والعسكري والاقتصادي في اليمن واستنجاد بعض القوى اليمنية بالغازي الأجنبي مما تسبب في تدمير اليمن ونهب ثرواتها وتحويلها إلى كيانات صغيرة وضعيفة متصارعة ومتناحرة فيما بينهما وذلك تحقيقا لأهداف ومطامع المشروع الاستعماري قديمه وحديثه في اليمن.
قوى متعددة
في أواخر القرن الثامن عشر تقوضت الدولة المركزية في صنعاء التي كانت قد وحدت اليمن وفي فترة تصاعد الصراع بين الدول الرأسمالية من أجل اقتسام العالم تعرض حوض البحر الأحمر للغزو الاستعماري وابدى المستعمرون البريطانيون نشاطا محموما في هذه المنطقة حيث استخدموا عدن التي احتلوها سنة 1839م مرتكزا للسياسة البريطانية ليس في الجزيرة العربية بل في شرق أفريقيا ايضا.
وبعد أن حولت بريطانيا عدن إلى مستعمرة من مستعمرات التاج البريطاني وإلى قاعدة حربية أخذت تبسط نفوذها في اعماق جنوب اليمن المكون من عدة إمارات ومشيخات إقطاعية متعادية فيما بينها وفرض المستعمر البريطاني مقابل معونات مالية لهم بعد القيام باي عمل عدائي ضد الانجليز وان يؤمنوا سلامة الطرق ويزودوا القوات البريطانية بالأغذية.
وبافتتاح قناة السويس في عام 1869م ازداد كثيرا دور البحر الأحمر في الإستراتيجية الحربية والتجارة كما ازداد بخاصة دور مضيق باب المندب الذي يتميز بموقعه الحساس على اقصر طريق بحري يربط أوروبا ببلدان الشرق ولذا نشطت الدول الكبرى سياستها الاستعمارية في حوض البحر الأحمر.
وأخذت فرنسا وايطاليا تبديان اهتماما متزايدا بحوض البحر الأحمر الذي لم يكن قبل ذلك يستدعى الانتباه كثيرا فاستولت فرنسا على الساحل الإفريقي لمضيق باب المندب وأنشأت في ستينات القرن التاسع عشر مستعمرة صغيرة لكنها هامة من الناحيتين الإستراتيجية والسياسية وهي مستعمرة جيبوتي او الصومال الفرنسي وحاول المستعمرون الفرنسيون كذلك إيجاد موضع قدم لهم على الساحل الغربي لمضيق باب المندب مؤملين في الاستفادة من قيام التاجر الفرنسي (رابو) الذي اشترى عام 1868م قطعة أرض في منطقة رأس جبل الشيخ سعيد على الساحل والمطلة على جزيرة ميون ومضيق باب المندب من أحد شيوخ تلك المنطقة الا أن التخوف البريطاني والعثماني ورفضهما للادعاء الفرنسي بمنطقة الشيخ سعيد، وكذا التوتر في العلاقات بين فرنسا وروسيا والتي سرعان ما أسفر عن الحرب بينهما قد أرغم فرنسا على التخلي عن خططها لترسيخ مواقعها في الساحل، فيما انخرطت ايطاليا هي الأخرى في الصراع من أجل الاقتسام الاستعماري للعالم واختارت شمال شرقي أفريقيا أول هدف للتوسع الاستعماري الايطالي، وحظيت ايطاليا بتشجيع من بريطانيا التي كانت تعتبر الطليان وسيلة لمقاومة النفوذ الفرنسي في شرق أفريقيا فاستولت في سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر وحولته في عام 1890م إلى مستعمرة اريتريا الايطالية، وفي الفترة 1885- 1901م فرض المستعمرون الطليان بموافقة بريطانيا الحماية على أراضي الصومال الواسعة..
أهم الأخطار
وفي نفس وقت التوسع الفرنسي والايطالي في البحر الأحمر واحتلال بريطانيا لعدن سنة 1839م بدأت مرحلة جديدة في سياسة الإمبراطورية العثمانية الاستعمارية فيما يخص اليمن فقد وصلت إلى اليمن عن طريق قناة السويس قوات عثمانية كبيرة انضمت إلى القوات العثمانية المرابطة في تهامة منذ عام 1849م والتي استولت القوات العثمانية على ساحل البحر الأحمر في عسير والساحل الغربي لليمن في حين أوقفت المقاومة اليمنية تغلغل العثمانيين إلى أعماق البلاد- بقاء المحتل في المناطق الساحلية لليمن كان من أهم الأخطار التي هددت صنعاء فبقائهم في تهامة لمراقبة الأحداث داخل اليمن عن كثب واستغلال اي صراع داخلي للسيطرة على صنعاء فما عجزوا عن تحقيقه عسكريا تم الوصول اليه من خلال السلم وهذا ما حدث- حيث أخذت القوات العثمانية المتواجدة في السواحل اليمنية أن تتغلغل في أعماق اليمن مستغلة الصراع السياسي في صنعاء على السلطة واستنجاد قوى محلية بهم مما مكنهم من احتلال صنعاء سنة 1872م وتحويل اليمن إلى ولاية عثمانية للمرة الثانية.
صراع المحتلين
وبعد احتلال شمال اليمن قرر العثمانيون استعادة سيطرتهم السابقة على جنوبه الا أن ذلك لاقى مقاومة شديدة من المحتل البريطاني وأرسى بداية الصراع الانجلو- عثماني من أجل نفوذهم في اليمن مما تسبب في تقسيم اليمن شمالا وجنوبا فما بين عام (1872- 1876م) قام العثمانيون بعدة محاولات لإلحاق مناطق في جنوب اليمن تحت سيطرتهم بينما سعت بريطانيا بكل الوسائل إلى توسيع منطقة نفوذها التي كانت وقتها محصورة بتسع قبائل كبيرة هي الأقرب إلى عدن قبائل (العبدلي والصبيحة والفضلي ويافع والعوالق وحوشب واميرى وغيرها) وكانت علاقة المحتل البريطاني معهم عن طريق معاهدات صداقة وليست محميات لها، ويعود سبب اهتمام المحتل البريطاني بتلك القبائل التسع والصلح معها على وجه التحديد فإن تلك القبائل تشكل تغطية متينة من جهة البحر لمستعمرة عدن الهامة من الناحية الإستراتيجية والعسكرية للمحتل البريطاني وايضا تشكل تلك القبائل منطقة عازلة حيث تم حدودها أساسا بقمم السلاسل الجبلية الأمر الذي يحول دون التغلغل العثماني نحو عدن وبنفس الوقت تهيئ تلك القبائل للبريطانيين رأس جسر لهم للتغلغل في اعماق اليمن وبالذات نحو شبوة وحضرموت.
فيما شهدت ما بين عام (1886- 1895م) اشتداد الصراع البريطاني- العثماني في اليمن وانتقال المحتل البريطاني إلى الهجوم وفرض معاهدات حماية على إمارات ومشيخات جنوب اليمن ويرجع ذلك إلى الصراع الدولي وبروز خطر الألمان الساعين إلى الاستيلاء على أراضي عثمانية ومن أجل رسم خريطة تقسيم العالم بين القوى الاستعمارية واستغل البريطانيون ضعف الدول العثمانية وفرضوا على مشايخ جنوب اليمن معاهدات حماية وحتى عام 1896م بلغ عدد القبائل في جنوب اليمن التي فرضت عليها الحماية البريطانية سبع عشرة قبيلة.
خطر التقسيم
في التاريخ القديم والوسيط كان المحتلون والغزاة لليمن هي قوى استعمارية واحدة وان وجدت لبعضهم أدوات تستخدمهم لكن ما شكل خطراً على اليمن هم غزاة التاريخ الحديث والمعاصر وفي عدوان العام 2015م تعدد الغزاة والمحتلين وأهدافهم ومطامعهم مما عرض اليمن ووحدة أراضيه لتقسيم والتجزئة واوجد كيانات عميلة لكل طرف من الغزاة والمحتلين.
حيث كانت اشد المراحل خطراً على اليمن في الصراع البريطاني- العثماني ما بين (1901- 1914م) ومن أجل سيطرة المحتل البريطاني وإحكام قبضته على جنوب اليمن أرغم الدولة العثمانية الضعيفة على الاعتراف بأن إمارات جنوب اليمن (المحميات) ليست جزءا من ولاية اليمن وجعلوا الباب العالي يوافق على رسم الحدود بين عدن وصنعاء مما أدى إلى تقسيم اليمن إلى شطرين جنوبي (بريطاني) وشمالي (عثماني) وهذه أخطر مرحلة لذلك الصراع بين محتلين على وحدة اليمن أرضا وإنسانا وها هو عدوان العام 2015م يكرس لتلك السياسة الاستعمارية القديمة عبر أدواتها من دول العدوان في إعادة تقسيم اليمن خدمة لمطامعهم الاستعمارية في اليمن.