فلسطين في القرارات الدولية ... من التقسيم ألى الطوفان (٢)
بين عامي 1972 - 1996م استخدمت أمريكا حق ثلاثين مرة للحيلولة دون صدور أي قرار يدين الكيان الصهيوني
كان قبول الكيان الصهيوني عضوا في الأمم المتحدة مرهونا بشرط احترامه لقرارات الأمم المتحدة
عادت القضية الفلسطينية لتطرح نفسها بقوة على ساحة الأمم المتحدة والعالم في السبعينيات من القرن الماضي بعد تبني بعض الفصائل الفلسطينية شعار الكفاح المسلح
رفض قرارات الأمم المتحدة وخرق ميثاقها يبرر من الناحية القانونية فصل الكيان الصهيوني عن الأمم المتحدة عملا بالمادة السادسة منه
علي الشراعي
اصدرت الجمعية العامة قرارا في 4ديسمبر 1986م, أكدت فيه أن سجل إسرائيل وسياستها وأعمالها تؤكد أنها غير محبة للسلام, ودعت جميع أعضاء الأمم المتحدة إلى عزلها ووقف جميع المعونات والمساعدات عنها, وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والثقافية معها وعزلها عزلا كاملا، إلا أن الفيتو الأمريكي وقف في المرصاد ضد كل قرار عادل يصدر بحق الكيان الصهيوني، وقبله قرار الأمم المتحدة رقم(242) الصادر في 22أكتوبر عام 1967م, والذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في حرب 5 حزيران 1967م, ولم يأبه الكيان الصهيوني لهذا القرار, ولم يتحرك إحساس مجلس الأمن لهذا الاحتلال الذي مارس فيه الكيان أعلى مراتب الإرهاب، ليبقي هذا الكيان اللقيط وإلى اليوم من خلال عدوانه على غزة الطفل المدلل للولايات المتحدة, ويبقى الفيتو الأمريكي الظالم سلاحا بيد الصهيونية تشهره عندما تشاء.
400 قرار
من خلال توصية مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول الكيان الصهيوني عضوا في الأمم المتحدة، وبعد نقاش دولي حاد بين من يؤيد قيام الكيان الصهيوني ومن يعارضه صدر قرار عن الجمعية العمومية تحت رقم(273/3) حيث أيد القرار 37دولة وعارضه 12دولة وامتنعت 9دول عن التصويت، وهكذا أصبح الكيان الصهيوني العضو التاسع والخمسين في الأمم المتحدة اعتبارا من 11مايو 1949م، فكان قبول الكيان الصهيوني عضوا في الأمم المتحدة أول قبول شرطي لدولة عضو فقد جعلت هذه العضوية مرهونة باحترام الكيان الصهيوني لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالتقسيم وبحق العودة للشعب الفلسطيني المهجر والتعويض عليه، غير أن الكيان الصهيوني لم يأبه بالوعود التي قطعها ولا بالالتزامات التي تعهد بتنفيذها، فلا هو احترم حدود التقسيم وشروطه، ولا اقر حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والتعويض عليه، ولم يحترم أي قرار صدر من الأمم المتحدة وإلى اليوم والتي أقرت تلك القرارات وجوده وقبلته عضوا بالأمم المتحدة، فمنذ اتفاقية الهدنة عام 1949م، وحتى أواخر الستينيات سجلت أكثر من 50 ألف حادثة اعتداء، وخلال أعوام السبعينيات تتابع اعتداءاته كل يوم وكل ساعة لأن وجود الكيان اعتداء من أصله، وقد أصدر مجلس الأمن أكثر من 160 قرارا بشأن القضية الفلسطينية، كما أصدرت الجمعية العامة أكثر من 400 قرار بشأن القضية الفلسطينية، وأن قراري الأمم المتحدة رقمي(242) و(338) اللذين يطالبان الكيان الصهيوني بالانسحاب من الضفة الغربية ومرتفعات الجولان قد حُكم عليهما بأن يظلا حبرا على ورق، وينطبق هذا بالمثل على قرار إدانة ضم القدس والذي أقرته دول العالم بالإجماع, بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وإن كان لم ينص على فرض أي عقوبات على الكيان الصهيوني.
الكفاح المسلح
عادت القضية الفلسطينية لتطرح نفسها بقوة على ساحة الأمم المتحدة والعالم في السبعينيات من القرن الماضي بعد تبني بعض الفصائل الفلسطينية شعار الكفاح المسلح وخاصة بعد إنشاء (منظمة التحرير الفلسطينية) في عام 1964م, التي أصبح لها ثقل رئيسي في التفاعلات الخاصة بالصراع العربي- الصهيوني بعد نكبة 5 حزيران 1967م، فخلال هذه الفترة كان تغير رئيسي قد طرأ على هيكل وموازين القوى العددية والكتل التصويتية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة, ولذلك كان حظ القضية الفلسطينية بالأمم المتحدة في مرحلة السبعينيات أفضل كثيرا من حظها في النهاية الأربعينيات، فمنذ عام 1968م, بدأت الجمعية العامة تولى اهتمامها إلى الممارسات الصهيونية داخل الأراضي المحتلة, وأنشأت في ذلك العام لجنة خاصة للتحقيق في الممارسات الصهيونية التي تؤثر على حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة, وبدأت هذه الممارسات تصبح موضع اهتمام كبير من جانب لجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، لكن أهم قرارات الجمعية العامة على الإطلاق لم تصدر إلا بعد حرب أكتوبر 1973م، ففي 24نوفمبر 1974م, أكدت الجمعية العامة من جديد على: (الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في فلسطين في تقرير مصيره دون عوائق وفي الاستقلال الوطني والسيادة، واعترفت به طرفا رئيسيا في إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط, كما اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية أولا باعتبارها حركة تحرير وطنية, ودعتها بصفتها كذلك إلى المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة كمراقب).
القدس والقرارات
في نفس الشهر من نكبة 5حزيران 1967م, ففي 28حزيران اتخذ الكيان الصهيوني قرارا بضم القدس الشرقية وما جاورها إلى القدس الغربية تحت شعار إعادة توحيد القدس وطبقت عليها فورا القوانين الصهيونية وغيرت اسمها إلى أورشليم. وعلى آثر ذلك صدر العديد من القرارات من الجمعية العامة ومجلس الأمن ومنظمة (اليونسكو) أهم تلك القرارات:
في 4يوليو 1967م صدر قرار عن الجمعية العامة رقم(2253) بغالبية (99)دولة, ودون اعتراض أحد وامتناع (20)دولة عن التصويت, حيث اعتبر أن كل تدابير إسرائيل في القدس الشرقية غير شرعية كما عبر عن القلق الشديد لتلك التدابير الهادفة إلى تغيير وضع المدينة. وطالب القرار بإلغاء كل تلك التدابير, وأن يقدم الأمين العام تقريرا إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن حول الموقف, وأن ينفذ القرار في موعد لا يتجاوز أٍسبوعا واحد من تاريخ صدوره. وبعد أسبوع قدم الأمين العام تقريره بعدم تنفيذ الكيان الصهيوني للقرار. فكررت الجمعية العامة الأسف لهذا الموقف, وأكدت على التنفيذ. وتوالت منذ هذا التاريخ القرارات الصادرة بعد ذلك, وكلها تعتبر التدابير التي اتخذها الكيان الصهيوني لتغيير الطابع العمراني للأراضي المحتلة أو لأي جزء منها بما في ذلك القدس. وأدانت الأمم المتحدة في قرارات لاحقة, وبأشد تعابير القلق والأسف أعمال الكيان الصهيوني التي تمعن في أعمال الحفر في المواقع التاريخية والثقافية والدينية للقدس وفي تغيير معالم هذه المواقع. ثم أعلنت الجمعية العامة عن ارتياحها لقرار لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الامم المتحدة للتربية والتعليم (اليونسكو) في إدراج مدينة القدس وسورها في قائمة التراث العالمي.
وفي عام 1968م , أصدر مجلس الأمن القرارات ( 250 , 251, 252) حول القدس واعتبرت القرارات ان جميع الاجراءات الصهيونية في القدس هي باطلة . فالقرار (250) صوت مجلس الأمن بالإجماع يوم 27 إبريل والذي يدعوا الكيان الصهيوني إلى الامتناع عن إقامة العرض العسكري بالقدس لأن ذلك سيزيد من حدة التوتر في المنطقة ويكون له تأثير سلبي على التسوية السلمية . والقرار ( 251) صوت المجلس في مايو على القرار الذي أبدى فيه أسفه العميق لإقامة العرض العسكري بالقدس يوم 2 مايو وتجاهلا من إسرائيل للقرار الذي اتخذه المجلس بالإجماع وقرار (252) درس المجلس يوم 21 مايو شكوى أردنية ضد الاجراءات الصهيونية الرامية إلى تهويد القدس .
وفي 3يوليو 1969م, صدر عن مجلس الأمن القرار رقم(267) وبإجماع الأصوات الذي اكد على المبدأ القائل: أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة العسكرية غير مقبول, ويؤكد على قراراته السابقة, ويأسف لأن الكيان الصهيوني فشلت في إظهار أي احترام لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. وهو يشجب بشدة جميع الإجراءات المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس.
وعلى اثر حريق محراب المسجد الأقصى الذي قام به أحد الصهاينة في 21 أغسطس 1969م, صدر قرار رقم(271) في 15سبتمبر 1967م, ثم القرار رقم(298) بعد عشرة أيام من القرار السابق والذي أكد كل القرارات السابقة وألغى كل القرارات والخطوات الصهيونية المتخذة تجاه القدس .
وفي 30 يونيو 1980 م اتخذ مجلس الأمن اهم قرارين حول القدس هما (476, 478) حيث صدر القرار الأول بموافقة (14) وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت .أما القرار الثاني رقم ( 478) فقد اتخذه مجلس الأمن في 20 اغسطس 1980م , ولام فيه أشد اللوم الكيان الصهيوني على رفضه التقيد بقراراته وللإجراءات التي يعتبرها باطلة ولاغية وغير شرعية وقرر مجلس الأمن عدم الاعتراف بالقانون الأساس الذي اتخذه الكيان الصهيوني لتغيير معالم القدس ووضعها .
تمزيق القرار
لقد أدانت الأمم المتحدة الكيان الصهيوني أكثر من 40 مرة حتى عام 1967م , ولم يكن لهذه الإدانات أي تأثير عليها . وعلى اثر نكبة حرب 5 حزيران 1967م, واحتلال الكيان الصهيوني ما تبقى من فلسطين كالضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وكذلك احتلال سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية سارع الكيان إلى بناء مستوطنات في الجولان وسيناء وباقي فلسطين . وإمعانا في التحدي واحتقارا للقرارات الدولية أعلن ( ابن غوريون ) ( أن دوائر حكومته ستنتقل إلى القدس لتتخذ منها عاصمة أبدية لإسرائيل ) . كذلك أعلن وزير خارجية الكيان الصهيوني في 19 يوليو 1967م , أنه لو صوتت جميع دول العالم ضد اجراءات ضم القدس والقرى المحيطة بها إلى إسرائيل فإن إسرائيل لن تتزحزح عن قراراتها , أو تلغي إجراءاتها... ). وفي 10 نوفمبر 1975 , اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (2159) والذي حددت فيه : ( إن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ) . فأقدم ( حاييم هرتزوغ ) مندوب الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة على تمزيق ذلك القرار من فوق منبر الجمعية العامة . في حين تحدث ( ييغال آلون ) وزير خارجية الكيان الصهيوني باستخفاف أمام الكنيست بقوله " ( إن إسرائيل ستواصل طريقها غير مبالية بما يصدر عن آلة التصويت الفاسدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة , وإن هذه الجمعية لا تستأهل من الكنيست هذا الاهتمام لمناقشة قرارها ) . وفي اقواله تحقير صريح والاستخفاف واضح لقرارات الأمم المتحدة ولكل المجتمع الدولي ومؤسساته. ورغم هذا كله لم تفكر الأمم المتحدة يوما في مساءلته عن خرق شروط العضوية. أو حتى في إمعان الكيان في خرق التزاماته بموجب الميثاق الدولي. وهذا بحد ذاته يبرر من الناحية القانونية فصل الكيان الصهيوني عن الأمم المتحدة عملا بالمادة السادسة منه.. لا توجد لدولة واحدة في الجمعية العامة من المخالفات القانونية والتجاوزات الدولية مثلما للكيان الصهيوني. فهو سبب المشاكل الدولية وعدم الاستقرار في المنطقة وإلى يومنا هذا. بسبب مواقف الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة له وسياسته التي يمكن سلطات الكيان الصهيوني من الاستهتار واللامبالاة بكل القرارات الصادرة عن المحافل الدولية التي تحد من انتهاك الكيان لحقوق الإنسان وتجعله أكثر اعتزازا بمواقفه العنصرية الشاذة وأكثر تصميميا على انتهاج سياسة التعسف الهمجية ضد السكان الفلسطينيين .
حماية الكيان
استخدمت الولايات المتحدة في الفترة من عام 1972 إلى عام 1996م , حق الفيتو في مجلس الأمن ثلاثين مرة للحيلولة دون صدور أي قرار يدين الكيان الصهيوني , و دفاعا عن غطرسة الكيان الصهيوني وهمجيته . بينما كان قادة الكيان يواصلون تنفيذ مخططهم في زعزعة استقرار بلدان الدولة العربية بأسرها . فخلال الفترة من 1976- 1985م , استخدمت الولايات المتحدة الفيتو (34 ) مرة أي أكثر بحوالي 50% من عدد مرات استخدامه من جانب كل الدول الأخرى مجتمعة. وفي الفترة من 1986- 1990م , استخدمت امريكا الفيتو(23) مرة وبريطانيا (8) مرات وفرنسا ثلاث مرات , ولم تستخدمه الصين أو الاتحاد السوفيتي إطلاقا . أي انه في السنوات الأربع السابقة على انتهاء الحرب الباردة مباشرة كان الغرب بقيادة امريكا هو الذي يحتكر استخدام الفيتو في مجلس الأمن أو بعبارة هو وحده الذي يحول دوت إعمال إرادة المجتمع الدولي . وقد استخدم الفيتو الأمريكي لحماية الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى . فقد كان الفيتو الامريكي شبه مسخر لحماية الكيان الصهيوني والذي أصبح أكثر تعرضا للانتقاد في العالم بسبب سياسته العدوانية .
غطرسة الصهاينة
لقد قرر الكيان الصهيوني ضم مدينة القدس في عام 1980م , فأصدر مجلس الأمن الدولي في 20 اغسطس 1980م قرارا ببطلان قرار الكيان الصهيوني . كما اصدر قراره برقم ( 497) لعام 1981م , أدان فيه ضم قرار الجولان وطلب الرجوع عنه . فهل ارتدع الكيان الصهيوني عن التمادي في غيه وتحديه لقرارات الأمم المتحدة ؟ وهل غضب مجلس الأمن يوما واحدا لقراراته المتكررة المرفوضة من قبل الكيان الصهيوني ؟! . يقول احد زعماء الصهيونية : ( نحن دولة محتلة لا نأبه بقرارات الأمم المتحدة , وخلقا انطباعا عنا أننا شعب يعتمد بالدرجة الأولى على قواته العسكرية , شعب لا يقبل من الأخرين حتي من الأصدقاء النصح أو التحذير بأن نكون أكثر اعتدالا ) . أنهم يرفضون النصيحة حتي من أسيادهم وصانعيهم وواضعيهم في المنطقة , انهم تمردوا على الله فكيف لا يتمردون على أبناء الإنسانية ! إنها عدوانية الصهيونية وغطرستهم التي تدفعهم إلى التمادي في التحدي للقانون الدولي مع أن الكيان الصهيوني أكثر كيان تبعية للدول الأخرى ولا يستطيع العيش والحماية بعيدا عن جو التبعية وقد اظهرت وكشفت معركة طوفان الأقصى حقيقة هذا الكيان الهش الذي استنجد بأسياده في واشنطن والغرب منذ الساعات الأولى لمعركة لطوفان الاقصى في 7 أكتوبر 2023م.