التدخل السعـودي .. من السرية إلى العلن !
علي الشراعي :
قضية أن اليمن موحدة أم ليس شأناَ يمنياً خالصاً , واليمنيون هم الذين يحسمونه بأنفسهم ولا يجوز للآخرين التدخل فيه , وتعدد الحكومات إن وجدت لأسباب معينة وظروف طارئة نتيجة لصراع سياسي او اقتتال داخلي ليس ذلك مسوغا شرعيا للغير والأجنبي والغازي لكي يتدخل بشؤون اليمن الداخلية,
ويحتل أو يصادر بعض المناطق اليمنية . والصراعات التي كانت تحدث في اليمن في مراحل تاريخية معينة كانت صراع زعامات وليس صراع دول , وكل الأسر والزعامات التي كانت تسعى إلى الحكم كانت تعمل على بسط سلطتها على كافة خريطة أراضي ومناطق اليمن كافه بحدودها الطبيعية الجغرافية والتاريخية والسياسية
في الثاني والعشرين من مايو 1990م , تم توحيد شطري اليمن بعد سنوات من محاولات عدة للتقارب وصيغ عديدة للوحدة مرت على كل العهود والرؤساء الذين تعاقبوا على الشمال والجنوب خلال ربع قرن . وبعد مفاوضات مضنية تمت الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية . وقد خلقت هذه الوحدة ظاهريا إشكالا للولايات المتحدة الأمريكية إذ إن جمهورية اليمن الديمقراطية ( الجنوب ) كانت على لائحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية . لكن سرعان ما زال هذا الإشكال عندما تم تقييم هذا العمل إيجابيا من قبل واشنطن , معتبرة أن الوحدة ستلغى حكما ( الدور الإرهابي ) الذي كان لعدن في رأي الخارجية الأمريكية ولما سيكون لصنعاء بحكم قوة الشمال وحجمه وتقاليده من دور في استيعاب الجنوب ومتزامنا ذلك مع سقوط المعسكر الشرقي ( الاتحاد السوفيتي ) وانتهاء الحرب الباردة .
التدخل السعودي
كان الموقف السعودي المعارض للوحدة اليمنية خلال الفترة 1972- 1989م , يعلل بأنه القلق من مشروع سيطرة الجناح الشيوعي على مقاليد الأمور في اليمن مما سيؤدي إلى التأثير على الهوية الإسلامية للجزيرة العربية . ولما حدثت المحاولة الانفصالية في حرب صيف 1994م , اتضح أن السعودية تقف ضد الوحدة اليمنية لذاتها , فقد سارعت إلى احتضان ودعم أولئك الذين كانت تعتبرهم (شيوعيين وماركسيين ) ورمت بكل ثقلها لإنجاح الانفصال , وبفضل تحركها النشط وجد تحالف ضم أغنى الدول وأكثرها ثقلا على المستوى العربي, ( دول الخليج عدا قطر , ومصر) . فقد قامت الرياض بجهد كبير على كافة الاصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتفكيك الوحدة اليمنية وانفصال جنوب اليمن عن الوطن الأم ومن ذلك :
مارست السعودية كل أنواع الضغوط على الحكومة اليمنية لإيقاف الحرب ضد الانفصاليين بدعوى ( الحل السلمي ) وكان ذلك يعني السماح بالانفصال ليمر بهدوء وسلام .
أوصلت السعودية المشكلة اليمنية مع أنها داخلية إلى مجلس الأمن خلال أيام معدودة صدر خلالها قراران ( 924, 931) , مع أن هناك عددا من مشاكل الانفصال على مستودى العالم مضى عليها سنوات عجاف لم يلتفت إليها المجلس حتى لو بالمناقشة .
بذل الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي في امريكا جهوداً حثيثة في هذا الشأن وكرس جهده ووقته من أجل قضية الانفصال , وقد صرح في إحدى المقابلات عقب صدور قرار مجلس الأمن بأن الجهود التي تبذلها السعودية (لصالح الشعب اليمني الشقيق ) ! ,- وإلى اليوم نجد نفس المنطق السعودي المتمادي بوقاحته فعدوان 2015م الهمجي والبربري على اليمن تعتبره الرياض لصالح الشعب اليمني ! - . أما الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي فقد تفرغ ليجوب العواصم العربية والأجنبية , حتى كان وزير الخارجية اليمني آنذاك لا يصل عاصمة من العواصم إلا وسبقه الوزير السعودي أو يعقبه أو يتواجدا معا في تلك العاصمة فكان سباقا محموما على كسب المواقف .
التحرك البريطاني في مجلس الأمن بضغط سعودي على ضرورة فصل القوات وفي حالة رفض صنعاء فإن الأمم المتحدة تستطيع أن تتدخل بناء على الفصل السابع من ميثاقها .
حصل الانفصاليون على مساعدات هائلة وصلت إلى حد تزويدهم بأحدث الأسلحة والتي كان من بينها طائرات ميج 29, وبرأي المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن لم يكن اليمنيون يمتلكون طائرات كهذه قبل حرب صيف 1994م .
تبنت وسائل الإعلام في معظم تلك الدول وعلى رأسها السعودية موقف الانفصاليين بدرجة مذهلة , أظهرت الانفصاليين على أنهم مظلومون ومضطهدون , حتى أضحوا يستقبلون في تلك العواصم استقبال المناضلين , وكان يتردد صباح مساء في تلك العواصم ( عدم جواز فرض الوحدة بالقوة) , وكان المسؤول من تلك الدول يتلعثم ويتناقض بكلامه إذا ما قيل له في لقاء أو مؤتمر صحفي : بأن الوحدة اليمنية تحققت سلما وأن ما يحدث الآن محاولة للانفصال بالقوة !
وعندما شارفت حرب صيف 1994م على نهايتها في 7 يوليو والتي استمرت قرابة شهرين حاولت السعودية إقناع حكومات عربية بالاعتراف بالانفصال , لكن خطوات الحكومة اليمنية في بسط سلطتها على كافة المناطق - وبالذات حضرموت التي تطمع السعودية بالسيطرة عليها وإلى اليوم من خلال عدوانها 2015م - كانت أسرع من تلك المحاولة فلم يبق للسعودية أية ذريعة أو مبرر .
دعمت السعودية الجماعات الجنوبية المناهضة للوحدة اليمنية, مثل الجبهة الوطنية للمعارضة التي حاولت ضم القياديين الجنوبيين الذين فروا إلى الخارج , وحركة تقرير المصير (حتم) المسلحة بقيادة القائد العسكري عيدروس الزبيدي. ومع اعلان الانفصال في 21 مايو 1994م , عين عبدالرحمن الجفري زعيم فصيل موالِ للسعودية نائبا للبيض .
ان قرار الانفصال اتخذ بدعم سعودي , كما دعمت السعودية عناصر من الجيش اليمني التي اجتاحت الجنوب بهدف إدامة الانقسام ولكن هزيمة عدن كانت نتيجة غير متوقعة للرياض.
أهداف الرياض
شهدت السعودية ثلاثة أحداث سياسية كبري في جنوبها : ثورة عام 1962م في اليمن الشمالي , صعود النظام الاشتراكي في جنوب اليمن عام 1967م , وتحقيق الوحدة بين شطري اليمن عام 1990م . لذلك وظفت الرياض مجموعة من أدوات القوة الناعمة التي تشمل شبكة تحالفات محلية , وتوفير المساعدات المالية والاقتصادية , ونشر الأيديولوجيا السلفية الوهابية لتعظيم نفوذها السياسي في اليمن خلال فترات الاستقرار وخوض حروب بالوكالة في فترات الصراع . وخلال الفترة التي كان اليمنيون مشغولين فيها بمقاومة الاستعمار البريطاني تمكنت السعودية من مد حدودها إلى الربع الخالي والمعروف أن تلك الصحراء كانت موطن قوم عاد اليمنيين وكانت تعرف بصحراء الأحقاف . وفي خمسينيات القرن الماضي , أقدم الاستعمار البريطاني على ترسيم الحدود بين السعودية وما كان يسمى المحميات الشرقية في حضرموت والمهرة , لم تعترف الرياض بخط الترسيم وظلت تتوسع وتحتل اراضي يمنية بالمناطق الشرقية.
وخلال فترة الانسحاب البريطاني من جنوب اليمن عام 1967م , احتلت السعودية منطقتي شرورة والوديعة في عام 1969م , وكانت هناك محاولة للرياض للاستيلاء على حضرموت وإقامة منطقة عازلة فيه – ومازالت تلك المحاولة قائمة لليوم ومتمثلة بإحدى أهداف العدوان على اليمن 2015م - .واثناء التسعينيات وبعد تحقيق الوحدة اليمنية شهدت اليمن حربا داخلية في صيف 1994م , ولم يخف الدور السعودي فيها , ثم أن الدولة السعودية من الدول الأكثر ثراء على مستوى العالم أما الدولة اليمنية فمن الدول الأكثر فقرا ولذلك فمتطلبات الجانبين مختلفة , فالسعودية تبحث عن مزيد من الأراضي اليمنية ومزيد من المنافذ البحرية كي تعزز من مكانتها الاستراتيجية ودورها الإقليمي , أما اليمن فتبحث عن الاستقرار الاقتصادي والمعيشي .
فلقد أصبح واضحا تدخل المملكة العربية السعودية في الشؤون اليمنية , وأن تورط السعودية في حرب صيف 1994م , بشكل خاص في الأزمة اليمنية الداخلية قد سرع عملية تدمير الذراع العسكرية للحزب الاشتراكي وقلص فاعلية قوات اليمن النظامية , علاوة على ذلك فإن التدقيق في دور السعودية قبل الصراع المسلح وفي أثنائه يقود إلى الاستنتاج بأن دور السعودية في إبادة القدرة العسكرية للحزب الإشتراكي , وفي لجوء الحزب إلى تمرد قسري ضد الديمقراطية والوحدة الشرعية ومبادئ اليمن العليا ,كان يهدف ربما إلى تحقيق هدف يتمثل بإحلال مؤيدي السعودية مكان الحزب الإشتراكي في مواقع السلطة في المنطقة الجنوبية أو جزء منها بالأخص حضرموت والمهرة .
200 مليون دولار
خلال تسعة أشهر من الأزمة السياسية بين صنعاء وعدن قبل تفجير الخلاف عسكريا في الرابع من مايو 1994م , تدفق المال السعودي لشراء السلاح لحلفاء الرياض الجدد والتي كانت تسميهم سابقا الشيوعيون والماركسيون , حتى بلغ حجم ذلك الدعم 200 مليون دولار من اغسطس 1993م وإلى حرب صيف 1994م , وقد وجدت السعودية فرصتها التاريخية لإنهاء الوحدة اليمنية التي هددتها في السنوات الأربع منذ قيامها . فمنذ بداية حرب الانفصال والتحريض السعودي على الانفصال يأخذ عدة اتجاهات أخذت معالمها تتضح منذ إعلان الانفصال في 21 مايو 1994م , وكانت البداية دعوة الملك السعودي فهد بن عبدالعزيز الزعماء اليمنيين إلى ( التحلي بالواقعية في التفكير ) والتي أعلن عنها في كلمة له في عيد الأضحى عام 1415 هجرية , وفسرها المراقبون بأنها اعتراف ضمني بتقسيم اليمن . ومما لا شك فيه أن قادة الانفصال قد حصلوا على وعود خليجية واضحة بالاعتراف بدولتهم , وأن دولا من بين دول الجوار - السعودية - قد حفزت قادة الانفصال على سرعة اتخاذ قرار الانفصال واقنعتهم بأن قرارا كهذا هو السبيل الوحيد لتدويل الأزمة وإبعادها خارج حدود اليمن . مما دفع صنعاء وقد هالها أمر التحريض هذا إلى بذل أقصى الجهد لحمل السعودية على وقف دعمها لعدن , ولو أدى الأمر إلى التنازل عن الموقف اليمني الرسمي من موضوع الحدود , وإبرام صفقة يتخلى فيها اليمن عن بعض بل كل مطالبه في نجران وجيزان .
التهديد بالتدخل
بعد ستين يوما من بدء الحرب الأهلية في اليمن اتهمت الحكومة اليمنية في صنعاء علنا السعودية بالضلوع بالأزمة والحرب الدائرة منذ 4 مايو 1994م , معتبرة أن الموقف السعودي ( ما هو إلا تصفية حسابات تعود إلى أسباب متراكمة في العلاقات الثنائية والمواقف القومية والدولية ) . وهكذا تم الانتقال من سرية المواقف إلى علنيتها في الأزمة اليمنية في محاولة لدفع كافة الأطراف العربية إلى إعلان انحيازها إلى أحد فرقاء الصراع . وقد بدأها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية بإعلان تهديده المبطن من على منبر المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي باجتماع أبها بالتدخل في الحرب اليمنية ملوحا بالاعتراف الرسمي باليمن الجنوبي في حال لم يتم تطبيق وقف إطلاق النار . فالحياد مرفوض بالنسبة إلى السعودية في الحرب اليمنية فإما أنت مع السعودية في اليمن أو إنك ضد السعودية في اليمن . وسيضيق نتيجة لذلك الأفق السعودية إلى درجة أنه ليس مهما إذا فتح صفحة قديمة مشابهة تذكر بالصراع السعودي – المصري في اليمن إبان بداية الثورة اليمنية في العام 1962م , والذي استمر خمس سنوات بين الملكيين بدعم من السعودية والجمهوريين بدعم من مصر . وهذا ما حدث في حرب الخليج الثانية 1991م , حيث منحت السعودية ( صكوك غفران ) ومازالت إلى اليوم تمنح تلك الصكوك . فبعد تلك الحرب أذلت السعودية من كان ضد التحالف الغربي والقوات الأجنبية من دون أن يكون بالضرورة ضد تحرير الكويت . وأعزت من كان مع تحرير الكويت وقوات التحالف الغربي التي أدت إلى تدمير العراق . فالثواب والعقاب تمنحها الرياض وحدها وحسب مقاييسها !.
ميج 29
ساهم الدعم السعودي كثيرا في تقوية عدن في مواجهة صنعاء خلال حرب صيف 1994م , وفي الفترة التي تلتها على حد سواء . ورأت صنعاء في الجهود التي بذلتها القوى الإقليمية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أثناء اندلاع القتال محاولة لمساعدة الجنوب في حال تثبيت وقف إطلاق النار سوف يعمد الحكم الجنوبي إلى انتهاز هذه الفرصة لتعزيز استقلاله . وقد أوردت التقارير أن القوى حاولت مع اقتراب نهاية النزاع إقناع حكومات عربية أخرى بالاعتراف باستقلال الجنوب . وقامت هذه القوى وفقا لمصادر متعددة بمد القوى الجنوبية بالدعم العسكري . ومن ضمن هذا الدعم شراء الطائرات الحربية من طراز ميج 29 السوفياتية الصنع للجنوبيين . وبرأي المعهد ..... قبل الحرب . لكن القوات الجنوبية استخدمتها بالفعل أثناء القتال . كما ذكرت التقارير أنه عقب هزيمة الجنوب أمام القوات الشمالية قدمت الدول المجاورة الملاذ للقيادة الجنوبية ولم تبق من أفراد قواتها المسلحة .
أدوات رخيصة
إذا كانت القوى الجنوبية التي فرت من اليمن عند نهاية حرب صيف 1994م, عجزت عن تحقيق الانفصال وهي لا تزال داخل البلاد وكانت تملك ادوات القوة , فإن تحقيق ذلك يصبح مستبعدا أكثر وهي خارج البلاد لهذا ادركت السعودية تلك الحقيقة وأن لم تكن أول مرة تدرك فشل اطماعها باليمن فخلقت لها بعدوان 26 مارس عام 2015م , حلفاء من العملاء بداخل اليمن عبر تشكيل مليشيات مسلحة وتيارات سياسية وجماعات دينية وادوات رخيصة تخدم اهدافها ومطامعها التي لم تتحقق قبل ثلاثين عاماً وبالأخص فيما يخص حضرموت والمهرة .